التعليم واللغات > اللغويات

القلق اللغوي.. حالةٌ طبيعيةٌ لها أسبابُها

استمع على ساوندكلاود 🎧

كم مرةٍ صغتَ حديثاً متكاملاً في دماغك بلغةٍ أجنبيةٍ جديدةٍ تتعلمها وعندما بدأت التحدث بها مع الآخرين فقدتَ المفردات والصياغة المناسبة وبدأت التأتأة تتسلل إلى لهجتك الرصينة؟! وكم مرةٍ خرجتَ من مقابلةٍ شفهيةٍ بلغةٍ أجنبية وأنت تسأل نفسكَ: ماذا حدث هناك؟ أين ذهبت الكلمات؟!

حسناً لا تقلق عزيزي، فهذه حالةٌ طبيعيةٌ جداً ولها أسبابُها.. فلنتابعها معاً في هذا المقال.

يمكنُ تعريفُ القلقِ اللغويِّ بأنه حالةٌ إدراكيةٌ تحدث أثناءَ استخدامِ اللغةِ الثانية، أي اللغةِ الأجنبية، مؤديةً إلى عجزٍ في التواصلِ اللغوي. وتنطوي حالةُ القلقِ هذه على ثلاثةِ حالاتٍ متصلةٍ تتضحُ أثناءَ الأداء، وهي:

1- القلقُ الإدراكيُّ التواصلي

2- القلقُ الاختباري

3- الخوفُ من التقييمِ السلبي

أولاً:

قلق الإدراك التواصلي: هو نوعٌ من الخجلِ، ويصاحبه خوفٌ أو قلقٌ من التواصلِ مع الناس، ويتجلّى في عدّةِ مظاهر منها: صعوبةُ التحدثِ في مجموعاتٍ (قلقٌ تواصلي شفوي)، أو كصعوبةِ إلقاءِ خطابٍ ما (رهاب المسرح)، أو كصعوبةِ الاستماعِ إلى رسالةٍ شفهيةٍ أو تعلمِها (قلق مستَقبَل). ويلعبُ الإدراكُ التواصلي أو بعض رداتِ الفعلِ المشابهةِ دوراً أساسياً في حدوثِ القلقِ اللغوي، فأولئكَ الذين يواجهون صعوباتٍ في التحدثِ مع المجموعاتِ، يواجهون على الأرجح صعوبةً أكبرَ أثناءَ التحدثِ باللغةِ الثانيةِ في حجرةِ الصف، حيث لا يملكون السيطرةَ الكاملةَ على حديثِهم حين يخضعُ أداؤهم للمراقبةِ بشكل مستمر.

ثانياً:

القلق الاختباري: نوعٌ من القلقِ الإدراكي، وينشأ خوفاً من الفشل، كأن يصبحَ الشخصُ متوجساً من عواقبِ أدائِه غيرِ الكافي خلالَ اختبارٍ ما أو تقييمٍ معين. وغالباً ما يضعُ الطلابُ الذين يعانون من القلقِ الاختباريِّ على عاتقِهم شروطاً غيرَ واقعيةٍ تجعلهم يرون تحقيقَ ما دونِها فشلاً. فقد يعاني هؤلاء الطلابِ من صعوبةٍ كبيرةٍ في حصةِ اللغةِ الأجنبية، خاصةً إن اشتملت على اختباراتٍ دوريةٍ. في حين تثيرُ الاختباراتِ الشفويةِ كلاً من قلقَي التواصلِ الشفويِّ والاختباريِّ في نفوسِ بعضِ الطلاب.

ثالثاً: الخوف من التقييم السلبي: ويمكن تعريفُه على أنه القلقُ من تقييمِ الآخر، أو تجنبِ التقييمِ تماماً، أو توقع التقييمِ السلبيِّ من الآخرين. وهو أكثر شمولاً من القلقِ الاختباريِّ لأنه تقييمٌ قد يحصلُ في أيِّ وضعٍ اجتماعيٍّ. فالطلابُ الذين يعانون من القلقِ التقييمي يميلون إلى الصمتِ وعدمِ المشاركةِ في النشاطاتِ الصفيةِ، والتي قد تزيدُ من مهاراتِهم اللغوية، ولكن خوفَهم ذاك قد يجعلهم يتجنبون دخولَ حجرةِ الصف حتى.

منهجية البحث:

ولفهمِ العلاقةِ بين القلقِ اللغويِّ والأداءِ الشفويِّ عند الطلاب قام Zhang Xianping من جامعةِ Xiangfan الصينية بإجراءِ دراسةٍ على 97 طالباً من طلابِ السنةِ الثانيةِ من قسمِ الإدارةِ والتجارةِ العالمية، وقد تراوحت أعمارُهم ما بين 19-21 عاماً، وكانوا على وشك إنهاءِ المستوى الأول لتعلمِ اللغةِ الانكليزية. وقد خضع هؤلاء الطلاب لدوراتِ استماعٍ وتحدثٍ، ولدوراتٍ متكاملةٍ في اللغةِ الانكليزية، تماماً كالطلابِ المتخصصين فيها خلال أولَ عامين دراسيين. حيث جرى اختيارُهم على أملِ أن يتمكنوا من اللغةِ عند خضوعِهم للاختبار.

استخدم Zhang Xianping في دراستِه هذه معيارَ قلقِ اللغةِ الأجنبيةِ الصفيِّ (FLCAS) والذي احتوى 33 عبارةً مسجلةً على مقياسِ ليكرت الخماسي، تتراوحُ ما بين "أوافقُ بشدة" و"أعارضُ بشدة". و ثمانِ عباراتٍ أخرى مسجلةٍ بشكلٍ متعاكس.

فعبارةُ "أوافق بشدة" تحسب نقطةً واحدة، في حين أنّ عبارةَ "أعارضُ بشدة" تحسب خمسَ نقاط. ويتراوحُ مجموعُ نقاطِ المقياسِ بين 33 و165، ليدلَّ ذلك القياسُ على تناسبٍ طرديٍّ بين عددِ النقاطِ ومعدلِ القلق.

استخدمَ الباحثُ أيضاً وحدةَ التواصلِ Communication Unit (CU) لقياسِ النضجِ الكتابيِّ والشفويِّ للغةِ عند الشخص، إضافةً لمتغيراتِ التفاعلِ الثلاث (المماطلة، والخوفُ من التقييم، والقلقُ من ارتكابِ الأخطاء) وذلك لرصد رداتِ فعلِ الطلابِ أثناءَ أدائِهم.

إجراءات البحث:

بعد خضوعِ الـ97 طالباً لامتحانِ قياسِ معيارِ قلقِ اللغةِ الأجنبية الصفي (FLCAS)، طُلب فقط من ثمانيةِ طلابٍ متطوعين المشاركةَ في الجزءِ الثاني من التجربة، ألا وهو اختبارُ الأداءِ الشفوي، حيث جرى تقسيمُهم إلى مجموعتين:

الأولى تضم أربعةَ طلابٍ ممن حصلوا على درجاتِ قلقٍ عالية، في حين تضم المجموعةُ الثانية أربعةَ طلابٍ ممن حصلوا على درجاتِ قلقٍ منخفضة، وقد استُخدمت وسائلُ لتسجيلِ وتصويرِ المقابلةِ بحضورِ ثلاثةِ مراقبين لتقييم الأداءِ الشفوي لهؤلاء الطلاب.

جرت المقابلةُ في بيئةٍ صفيةٍ كاملةٍ وبحضورِ كلِّ الطلاب، ولكن لم يُسمح لغيرِ الطلابِ الثمانيةِ بالمشاركة، حيث خضعَ كلُّ طالبٍ لمقابلةٍ شفويةٍ دامت 5-8 دقائق، وسُئل فيها باللغةِ الانكليزيةِ الأسئلةُ التالية:

- من أين أنت؟

- حدثنا قليلاً عن بلدك؟

- ما الذي تنوي فعلَه في المستقبل؟ ولماذا؟

- كيف تقضي عطلتَك عادةً؟

ثم طُلب من كلِّ واحدٍ منهم التكلمُ باللغةِ الانكليزيةِ عن أيِّ موضوعٍ من الحياةِ اليوميةِ يمكنهم التحدثُ عنه بطلاقة، في غضونِ دقيقتين أو ثلاث دقائق. وفورَ انتهاءِ المقابلةِ تمّت دعوةُ كلُّ طالبٍ لمشاهدةِ تسجيلِ مقابلته، والتعليقِ على أدائه الشخصي فيها، سواءً باللغةِ الصينية أو الانكليزية. وقد لوحظ أن طالبَين فقط علّقوا على أدائِهم باللغة الصينية وهما من طلابِ المجموعةِ الأولى ذاتِ درجاتِ القلقِ العالية. وبعد الانتهاءِ من مشاهدةِ التسجيلات، سُئل الطلابُ أسئلةً كـَ "ما رأيك بأدائك؟"، "هل أنت راضٍ عن أدائك؟ ولماذا؟"، "هل تخشى ارتكابَ الأخطاءِ عند التحدث بالانكليزية؟" وغيرها.

نتائج البحث:

تبيّن هذه الدراسةُ أن العديدَ من الطلابِ يعانون من قلقٍ لغويٍّ متنوعٍ والذي له تأثيرُه على جودةِ أدائهم الشفوي في اللغةِ الانكليزية. فكلما زادَ القلقُ اللغوي، انخفضت جودةُ الأداءِ الشفوي. ورغم ذلك، فدرجاتُ الأداءِ الشفويّ للطلابِ الذين خضعوا للمقابلةِ ليست مرتبطةً بشكلٍ كبيرٍ بالقلقِ اللغويّ الذي سبقَ توقعه، ممّا يفرضُ توقع عواملَ أخرى غيرَ القلقِ اللغويِّ لها التأثيرُ على الأداءِ الشفوي أيضاً. فكلٌّ من المماطلةِ، والخوفِ من التقييم، والقلقِ من ارتكابِ الأخطاء كلها سماتٌ تصاحبُ الأداءَ الشفويَّ للطلابِ ذوي معدلِ القلقِ اللغويِّ المرتفع.

لذا عزيزي القارئ، في المرة القادمة وعندما تتعرّضُ لإحدى هذه العوامل التي ذكرناها تذكّر مقالنا هذا وابتسم فليس هناك ما تخشاه، وقُلْ لنفسِك دائماً بأنك تقومُ بعملٍ جبّارٍ وهو تعلّم لغةٍ جديدة كلياً وهذا ما لا يُقدمُ عليه الكثيرون من أبناء جيلك.

المصدر:

هنا