الطب > علوم عصبية وطب نفسي

مقياسُ الألم؛ وسيلة طبية ليفهمَ من يعدّ العصي شعورَ من يتلقاها!

استمع على ساوندكلاود 🎧

صدقَ من قالَ ((من يعد العصي ليس كمن يتلقاها))، فقد يكونُ عدمُ إدراكِ الآخرينَ ألمَك أسوأُ من الألم نفسِهِ، وقد لا تستطيعُ شرحَ آلامِك والتعبيرَ عنها لطبيبك أو حتى للمقربين منك، لكن انتظر قليلاً! فربما يساعدُك مقياسُ الألمِ في ذلك، فما هو هذا المقياس؟ وكيف يستخدم؟

قد يكونُ عدمُ إدراكِ الآخرِين ألمكَ أسوأَ من الألمِ نفسِه، فالألم إحساسٌ داخليّ قد لا يترافقُ بأيِّ عرضٍ آخرَ، وقد لا تستطيعُ التَّعبيرَ عنه أوشرحَه جيّداً لطبيبك ممّا يصعِّبُ التَّشخيصَ، وبالتَّالي العلاج؛ فغالباً لا يكفي إخبارُ طبيبكَ بأنَّك تتألَّم، بل عليكَ أن تشرحَ ماهيَّة هذا الألم ومدى تأثيرِه عليك؛ لكن لكي تحصلَ على أفضلِ تدبيرٍ لآلامِك، يمكنُك تقدير ألمِكَ باستخدام مقياسِ الألمِ (Pain Scale). فما هو هذا المقياس؟ وكيفَ نستطيعُ استخدامه؟

ما هو مقياس الألم؟

مقياسُ الألمِ مقياسٌ نسبيّ، يصنِّفُ الآلامَ في درجاتٍ مُعطِياً كلَّ درجةٍ رقماً خاصّاً بها، فهو يتدرَّج بالأرقامِ من (0) إلى (10) حيث يدلُّ الرَّقم (0) على عدمِ وجودِ أيِّ ألمٍ، وتُقسَمُ بقيَّةُ الأرقامِ إلى ثلاثِ مجموعاتٍ تعبِّرُ عن ثلاثة مستوياتٍ من الألمِ، فتدلُّ الأرقامُ من (1) إلى (3) على آلامٍ خفيفةٍ لا تعيقُ أيّاً من النّشاطاتِ اليوميّة، حيث يستطيع المريضُ الاعتيادَ عليها؛ أمّا الأرقامُ من (4) إلى (6) فتشيرُ إلى آلامٍ متوسِّطةٍ لن يستطيعَ المريض التَّأقلم معها دونَ علاجٍ، كما أنّها تعيق بعضَ النّشاطات اليوميّة وتتطلَّب تغييراُ في نمطِ الحياةِ؛ أمّا الآلام الشّديدة فتشير إليها الأرقام من (7) إلى (10) حيثُ يعجزُ المريضُ في تلكَ المراحل عن تدبيرِ احتياجاتِهِ والعيشِ مستقلَّاً، سنستعرض معكم بالتَّفصيل درجاتِ مقياسِ الألم وأشهرَ الأمثلةِ عليها:

المستوى الأوّل: الآلامُ الخفيفةُ (يتضمَّنُ ثلاثُ درجاتٍ)

1: قد لا يشعرُ الإنسان بهذا الألمِ، إنَّهُ كقرصةِ بعُّوضةٍ!

2:ألمٌ خفيفٌ كأن تُمسِكَ الإنسان برفقٍ ثنيةٍ من جلدِه بينَ الإبهامِ والسبابة.

3: بدءاُ من هذهِ المرحلةِ، يشعرُ الإنسان بالألمِ بوضوحٍ، إنَّه كجُرحٍ مفاجِئٍ، أو ضربةٍ تسبِّبُ نزفاً للأنفِ، وقد يكونُ ناتجاً عن حقنةٍ، لكنّه لن يبلغَ درجة قويَّةً، لذا سيتمكّنُ من الاعتيادِ عليهِ والتّأقلمِ معه.

المستوى الثَّاني: الآلام المتوسِّطة (يتضمَّنُ ثلاثُ درجاتٍ)

4: ألمٌ قويٌّ وعميقٌ، كآلامِ الأسنانِ، وهو أوّلُ ما يشعرُ بهِ الإنسان عندما تقرصُه نحلةٌ، كذلكَ عند رضِّ أحدِ أجزاءِ الجسمِ؛ كأن يصطدمَ أصبعُ قدمِه بحافّةٍ صلبةٍ. يكونُ الألم حادَّاً في البدايةِ لكنَّهُ يفتُرُ بعد فترةٍ من الوقتِ ولن يتأقلمَ المتألم معه بالكامل.

5: التواءٌ في الكاحلِ أو ألمٌ متوسِّطٌ في الظَّهرِ سيقابلُه الرَّقمُ (5) على هذا المقياسِ، إنّهُ ألمٌ قويٌّ وعميقٌ وحادٌ، ولن يشعرَ به المتألم طولَ الوقتِ فحسب، بل سينشغل في تدبيرهِ لأنَّه قد يقيّد نشاطاته اليوميّة.

6: ألمٌ قويٌّ،عميقٌ وثاقب، لدرجةِ أنه سيسيطر جزئياًّ على إدراكِ المتألم، عندها لن يتمكَّن هذا الأخير من إنجازِ أعمالِه بسهولةٍ ولن يستطيعَ الحفاظَ على علاقاتٍ اجتماعيَّةٍ طبيعيَّةٍ، كآلامِ الصُّداعِ (عدا الشّقيقة)، أو الألمِ النَّاتجِ عن العديدِ من قرصاتِ النّحلِ، أو آلامِ الظّهرِ الشّديدة.

المستوى الثَّالث: الآلام الشَّديدة (و يتضمَّنُ أربعُ درجاتٍ)

7:مشابهٌ للدَّرجةِ السَّادسةِ، لكنَّ الألمَ في هذهِ المرحلةِ يسيطرُ كليَّاً على إدراكِ المتألم، فيصبحُ ذهنُه مشوَّشاً أغلبَ الوقت، وقد يعجز عن تدبيرِ احتياجاتِه، ولن يستطيع العيشِ وحيداً فترةً طويلةً، كما في الصُّداعِ النِّصفيِّ (الشّقيقة).

8: إنّه ألمٌ حادٌ لدرجةِ أنّ المتألم لن يستطيعَ التَّفكيرَ بصفاءٍ طولَ الوقتِ، وإذا ما استمرَّ زمناً طويلاً سيضطَّرُ لتحمِّل تغيّراتٍ شديدةٍ في شخصيَّتِه، وعندها قد تصل الأمور إلى درجة أن يفكّرَ المتألم بالانتحارِ كما يشير بعض الباحثين، تنطوي تحتَهُ آلامُ المخاضِ والصّداعُ النصفيُّ الحادُ ( الشّقيقة).

9: يكونُ الألمُ قويّاً جدّاً ولن يتمكَّنَ المتألم من تحمُّلِهِ أبداً، سيحتاجُ حتماً لمسكّناتِ الألمِ أو حتى الجراحة. وإذا لم ينجح تدبيرُهُ فقد ينتهي إلى الانتحارِ في بعض الحالات، لأنّ الألم عندها سيسيطرُ كلياً على المريضِ ولن يشعرَ بأيِّ طعمٍ للحياةِ، أفضلُ مثالٍ عنهُ الآلامُ النَّاتجة عن سرطانِ الحنجرة.

10: أغلبُنا لم يعاين هذا الألم فهو الدَّرجةُ القصوى! حيثُ يفقدُ المريضُ وعيَهُ لشدّة الألم، كما عندَ هرسِ اليدِ نتيجةَ حادثٍ ما.

كيف نستخدم مقياس الألم؟

عند زيارتِكَ الطَّبيب قد يطلبُ منكَ أن تذكرَ أسوأَ ألمٍ واجهتَهُ في حياتِكَ، (آلام الحصى الكلوية أو آلام الولادة..)، ويمكنُ مقارنة ألمَكَ الحالي بذلكَ الألمِ وبالتَّالي تقديرُ درجته على المقياسِ، ممّا يساعدُ الطَّبيبَ على وصفِ أفضلِ العلاجاتِ والمسكِّناتِ الَّتي تخفِّفُ آلامك.

إحدى مشكلاتِ مقياسِ الألمِ اختلافُ التَّعبير عنه بينَ مريضٍ وآخر، فقد يصنِّفُ البعضُ آلامَهم في الدَرجةِ الثَّانية، بينما يصفُ البعضُ الألمَ ذاته كأنَّه من الدَّرجةِ السَّادسةِ، لكنَّهُ مفيدٌ عند التَّعاملِ مع ذوي الاضطراباتِ الَّتي تعيقُ التواصلَ مع الآخرِين كالأطفالِ والمصابين بأذياتٍ إداركيَّة، كما تظهرُ أهميَّتهُ عندما يستعملُهُ المريضُ نفسُهُ في كلِّ مراجعةٍ للطبيبِ، فتتكوَّنُ لدى الطبيبِ صورةٌ واضحةٌ عن تطوُّرِ الألمِ وعن كفاءةِ العلاجِ.

كما توجد مقاييسٌ طبيّةٌ خاصّة تعطي قيماً حقيقيّة لشدّة الألم، وتُستعمَلُ هذهِ المقاييسُ في بعضِ المراكزِ لأغراضِ البحوثِ والدِّراساتِ، ومنها VAS وMPQ اللذان يُبيّنان طبيعةَ الألم وشدّته.

بعد قراءتك هذا المقال، لا يمكنُك التّذمر والقول بأنه لا يوجد في العالم من يشعر بألمك! إنّها تلكَ الأرقام وأعضاء الفريق المعالج الذين يقرؤونها!

بإمكانكم قراءة مقالنا عن عتبة الألم: هنا

المصادر:

هنا

هنا

هنا