التاريخ وعلم الآثار > التاريخ

التقسيمُ الزمنيُّ للتاريخ تحتَ الدراسة

استمع على ساوندكلاود 🎧

مَن مِنّا لم يتسائل عن التاريخ ومراحله أو يقضي وقته محاولاً تجزيئَهُ لفتراتٍ تُسهِّل استيعابه وفهمه. لا بُد أن المُهتمين بالتاريخ قد صرفوا وقتاً كبيراً على ذلك، ما من داعٍ للضياع في البحث بعد اليوم فَبَينَ أيدينا اليوم مقالٌ سيساعدنا في عملية تقسيم التاريخ هذه وسيوضح لنا طُرُقَه المختلفة فتابعوا معنا ..

يُعرِّف المؤرخ الأمريكي بيتر ستيرنز التقسيمَ الزمنيَّ للتاريخ Periodization بأنَّه الأداةُ التي تجعل التغيُّر الزمنيَّ موضوعاً قابلاً للتحكم، وبالتالي تُصبح دراسةُ التاريخ قابلةً للتعلُّم. وفي الحقيقة إنَّ للتقسيمات التاريخيَّة دورٌ هامٌ بل وحتميٌّ في دراسة وتدريس التاريخ على حدٍ سواء، وهو الأمر الذي أكّدَ عليه العديد من المؤرخين مُعلّلين ذلك بأنَّ تفكيرَ الإنسان يميلُ بطبيعته إلى تقسيم التاريخ لفتراتٍ محددة. أضف إلى ذلك أهمية هذا التقسيم في ترتيب وتحليلِ المعارف التاريخيَّة التي تتميز كثيراً بظواهر غايةً في التعقيد والتحوُّل عبر الزمن؛ فبذلك يُبسط هذا التقسيم الواقع التاريخي.

جرى التقسيم الزمني للتاريخ في السابق على مبدأ الاستمرارية أو التغيُر، كأن يتبَع الجماعات أو السُلالات الحاكمة وتغيُّراتها؛ فنقول العهدُ الاغريقيُّ والرومانيُّ والبيزنطيُّ، وفي تاريخ المسلمين هنالك العهدُ الأمويُّ والعباسيُّ والعثمانيُّ وما إلى ذلك.

كما يُمكن لمبدأ الاستمرارية أن يُقسِّم التاريخ حسب العقيدةِ السائدةِ أو الجديدة؛ كالتَّاريخ المسيحيِّ أو التاريخ الإسلامي واللذان اعتمدا في تقسيمهما للتاريخ على أساس ما ورد في القرآن والإنجيل، حيث يبدأ التاريخُ من خلق الله للعالم ويُقسَّم حسب الأحداث الدينيَّة للعقيدة المتَّبعة.

إلا أنَّه وعند التَّعامل مع تاريخ العالم فإن عمليّة تقسيم التاريخ إلى فتراتٍ أو مراحلٍ ليس بالعمليَّة البسيطة ولا تتَّبع معياراً واحداً بل تختلف من وجهةِ نظرٍ لأخرى. ولفهم أُسُسِ تقسيم التاريخ العالمي إلى فَتَرَاتِه علينا أن نسأل أنفسنا لماذا تمَّ اختيار بعض الأجزاء من الماضي وتجاهلُ غيرها؟ ما هي معايرُ الاختلاف والتشابه عند الاختيار؟ وأخيراً ما الذي طُرح منها ولماذا؟

يرى ستيرنز أنّه وبالرغم من أنّ التقسيم التاريخيّ يعتمد مبدئياً على أساس الاستمرارية أو التغيُر إلّا أنَّه أساسٌ محدودٌ وبالتالي أداةٌ مُربكةٌ عند التعامل مع تاريخ العالم. على سبيل المثال، لا يتناسب التقسيم الأوربيُّ لتاريخ العالم على ثلاث مراحلٍ (وهي العصور القديمة والعصور الوسطى والعصر الحديث) مع تاريخ المسلمين أو إفريقيا مثلاً وبالتالي يبقى هذا التقسيم مُقتصراً على تلبية حاجة دارسي التاريخ العالمي.

وببساطة يُمكننا القولُ أنَّ التاريخ لا يقتصرُ على مجتمعٍ واحدٍ مغلقٍ بكافة أحداثه التاريخيَّة ذلك لأن المجتمعات تتاثرُ ببعضها البعض، ولهذا يُقدم ستيرنز عدةَ مستوياتٍ لمبدأ الاستقرار والتغيُّر. ومثالاً على ذلك، تحول المجتمع من الصيد إلى الزراعة ومن ثم إلى الصناعة لا يُصوِّر تغيراً تقنياً او تكنولوجياً فحسب وإنما يرافقه وإن لم يكن يدفعه تغيُرٌ وتطورٌ سياسيٌّ واجتماعيٌّ وثقافيٌّ لا يمكن تجاهله.

قدَّم المؤرِّخ بينتلي Bentley من ناحيةٍ أخرى طريقةً مختلفةً لتقسيم التاريخ والتي تعتمد على التَّفاعل بين الثقافات المُتعددة، فهو يرى أن التجارة أو الأزياء وغيرها من المظاهر الثقافية قد لعبت دوراً هاماً في التحولات التاريخية، بالتالي فهي قادرةٌ على أن تكونَ أساساً لتقسيم التاريخ. يُقدِّم بينتلي في هذا السياق ثلاثة عواملٍ مؤثرةٍ على المجتمعات والثقافات والتفاعل فيما بينها ألا وهي الهجراتُ الجماعيَّة والحملاتُ التوسعيَّة الامبراطوريّة والتجارة عبر المسافات البعيدة، وباختصار نستطيع القول أن العالم القديم قد تأثَّر بالتبادل الثقافي عبر الهجرة والتجارة.

لقد تعرَّضت العديد من التقسيمات التاريخية للنَّقد، فهي كما يرى العديد من المؤرخين ودارسي التاريخ اليوم أنّها لا تشمل كافة التغيرات الثقافية والاجتماعية والسياسية المصاحبةِ للتطورات الاقتصادية والتقنية والصناعية. إضافةً إلى رأيٍ آخرٍ حول دور عمليّة التفاعل بين المجتمعات والدول عبر التاريخ، فهي قد تكون غيرَ قادرةٍ على إعطاء الدراسات التاريخية الأدواتَ اللازمةَ لشملِ كلِّ المراحل التاريخية، إلا أنّ أساليب التقسيم الزَّمني للتاريخ أصبحت منهجاً هاماً في دراسة التاريخ العالميّ،ِ بل تعدّى ذلك إلى وجوب الإشارة إليها قبلَ الخوض في أيِّ موضوعِّ تاريخيِّ ولا بُدَّ من تحديد الأسلوب المُتَّبع لتأطير مرحلةٍ تاريخيةٍ معينةٍ وتعليل اختيار هذا الأسلوب.

المصادر:

1. Stearns، Peter N. 1987. Periodization in World History Teaching

2. Green، William. 1992. Periodization in Europ and World History. Journal of World History. 3. no. 1 13-53. Accessed on: 22، 09، 2009. Available at:

هنا

3. Bentley، Jerry H، 1996. Cross-Cultural Interaction and Periodization in World History، American Historical Review101، 749-70.

4. Blankinship، Khalid، 1991. Islam and World History: Towards a New Periodization، The American Journal of Islamic Social Science، Vol. 8، No. 3، pp. 423-452. Accessed on: 17/06/2012. Available at:

هنا