الطب > موسوعة الأمراض الشائعة

انعدام الأصابع (Ectrodactyly)

استمع على ساوندكلاود 🎧

كم عددُ أصابعِ اليد أو القدم؟ يبدو سؤالاً في منتهى السذاجة، لكنّ الرقمَ "خمسة" لن يكون إجابةَ كُلِّ شخصٍ في هذا العالم، فبعضهم قد يجاوب بـ "ستة"، وتُعرف هذه الحالة بـ "تعدد الأصابع" أو (Polydactyly) وهذا ما تمَّ التحدُّث عنه في مقالٍ سابق على موقع "الباحثون السوريون": هنا. لكن، وبالنسبة لواحدٍ من كلّ 100 ألف شخصٍ، قد لا تكون الإجابةُ خمسةً أو ستة، وإنمَّا أقلَّ من ذلك. إنَّنا نتكلَّم عن حالة نقص أو انعدام الأصابع أو Ectrodactyly. في هذا المقال، سنجيب عن الأسئلة التي تقفز إلى ذِهن أيّ طبيبٍ (أو ذهن أيّ قارئ فضوليٍّ للعلم) عندما يسمع عن مرضٍ لا يعرفه، ما هذا المرض؟ ما سببه؟ ما علاجه؟ ما تأثيراته على المريض؟ وغير ذلك..

نقصان أو انعدام الأصابع Ectrodactyly:

نقصان أو انعدام الأصابع هو حالةٌ مرضيةٌ خَلْقيةٌ (ولادية) تتصف بنقص أو حتى انعدام أصابع اليد أو القدم، و يكون نقص الأصابع على حساب الإصبع الأوسط، أما الإصبعان على يمين ويسار الإصبع المفقود فقد يلتحمان مع بعضهما، ما يؤدي إلى إعطاء اليد شكلَ مِخلَب السرطان.

اليد والقدم الخطافية، وحالة غياب الأصبع الأوسط.

الأسباب:

حتى نعرفَ سببَ تشوُّهِ اليد أو القدم وتشكُّلِهما غيرِ الطبيعي، علينا أن نعرفَ في المقام الأول ما جعَلَهُما طبيعيَّين. توقيتُ قصتنا (أعني قصةَ تشكُّل الأطراف في الحالة الطبيعية) بين الأسبوعين الثالث والثامن من الحمل، إذ يبدأ تشكُّلُ الأطراف ببرعمٍ صغيرٍ مُدوَّر لا يلبثُ أن يتطورَ ليعطيَ الأصابعَ الخمسة(5). لكن في حال حدثَ خللٌ في عملية تشكُّل الأصابع من هذا البرعمِ تحدُثُ الحالةُ المَرَضيّة، فقد يزداد عدد الأصابع (وهذا ما ناقشناه في مقالٍ سابق) أو قد ينقص كما في حالتنا، وربما يسوء الأمر فلا ينقص الإصبع الأوسط فقط، بل ويلتحمُ الإصبعان على يمين ويسار الإصبع الناقص.

لن تُشبعَ هذه الإجابةُ فضولَ القارئ النَهِم! فما سببُ اختلال تشكُّل الأصابع؟ السببُ طفرةٌ في المورثات (الجينات) المسؤولة عن تشكُّل اليد*، قد تكون الطفرةُ في الذراع القصير للكروموسوم الثالث أو الذراع القصير للكروموسوم السابع، أو حتى الكروموسوم X.

علامات الـ Ectrodactyly وأعراضه:

ما أعراضُ وعلامات الـ Ectrodactyly؟ قد يبدو الأمر بديهياً للوهلة الأولى، فعلامات الإصابة بـ "نقص أو انعدام الأصابع" هي: نقص الأصابع، لكن قد تصيب الـ Ectrodactyly الإنسانَ بمفردها أو قد تكون موجودةً ضمن متلازمة**.

قد تكون حالة الـ Ectrodactyly مُرافِقةً لما يُسمّى بـ "خلل التَنَسُّج الأديمي الظاهري Ectodermal Dysplasia" وقبل أن نخوضَ في التفاصيل، لا بُدَّ من الاعتراف أنَّ الاسمَ الذي ذكرناه للتو عسيرٌ على الفهم، لكن، يمكن توضيح الأمور قليلاً، ففي بداية الحياة الجنينية، يكون الجنين مؤلفاً من ثلاث طبقاتٍ من الخلايا هي: الأديم الظاهر (وهو موضوع حديثنا) والمتوسط والباطن (Ecto- meso- endo- derm)، ويتم اشتقاق نسيجٍ معين من كل طبقةٍ من الخلايا سابقة الذكر، فنسيجُ بشرة الجلد على سبيل المثال يُشتقُّ من الأديم الظاهر ومنه فإنَّ خللَ التنسُّج الأديمي الظاهر هو مجموعةٌ من الأمراض الوراثية التي تتصف بخللٍ في نسيجين أو أكثر مُشتقين من الأديم الظاهر.

والآن نعود إلى موضوعنا لنتحدثَ عن الحالات المرضية التي تُرافق الإصابةَ بالـ Ectrodactyly، فقد يُعاني المريض -إضافةً إلى الـ Ectrodactyly- من حالة الشَّفة المشقوقة والفَلَح الحَنَكي*** ولنا أن نلاحظَ أنَّ هاتين المُشكلتين مرتبطتان بنسيج الجلد (الشفة) وعظامِ الوجه (الحنك) وكلاهما مشتقٌّ من الأديم الظاهر -بشكل مباشر وغير مباشر- وسنجد بعد قليل مجموعةً أخرى من الحالات المرضية المُرافقة للـ Ectrodactyly تصيب النسجَ المشتقة من هذا الأديم.

حالاتٌ أخرى تشمَل الجلدَ مثلُ نقصِ تَصَبُّغِ الجلد Hypopegmintation (فقدان الجلد لونَه الطبيعيَّ) وضمورِ الجلد Skin Atrophy (نتيجة تموُّتِ خلاياه) وتَجفاف الجلد. لا تقفُ المشاكلُ الصحية الممكنة عند هذا الحدّ بل تطال مُشتقّاتِ الجلد (الأظافر والشعر)، وكذلك الحالُ بالنسبة للغُدَدِ العَرَقِية والغُدد الدهنية (المسؤولة عن ترطيب الجلد) والغُدد اللُعابية إذ يقلُّ عددُها أو ينعدم. وتطول القائمة لتشمَل الأسنانَ (فهي الأخرى مشتقةٌ من الأديم الظاهر) فقد تصبح لدى المصابين بالـ Ectrodactyly صغيرةَ الحجم ويقلُّ عددُها أو تختفي كلياً.

نصادفُ مشكلاتٍ أخرى تتعلَّق بالسمع، والرؤيةِ كغياب الغُدد الدمعية الضرورية للعين، والخوفِ من الضوء Photophobia وتقرحاتٍ في قرنية العين (الطبقة الشفافة في مقدمة العين).

وبإمكاننا الاستمرار، فالقائمةُ تطول لتشمَل مشكلاتِ الكُلية والغددِ الصَّم كضمور غدة التُّوتة (الغدة الصعترية)، والغدةِ النخامية وبالتالي حدوثُ مشكلاتٍ في عمل هرمون النمو. إنَّ شرحَ كلِّ حالةٍ على حدى سيُدخلنا في تشعُّباتٍ كثيرة لذلك سنتوقَّفُ عند هذا القَدْر ونذكر أنّه ولحسن حظ المريض (المريض عاثر الحظ الذي أُصيب بالـ Ectrodactyly)- ليس بالضرورة أن يصابَ بكل هذه الحالات سوية.

العلاج:

تعتمدُ طبيعة العلاج الذي سيتمُّ اعتماده على طبيعة المرض الذي سيُشخَّص، فقد تكون الجراحة قادرةً على حلِّ المشكلة، أو وقد تُستَخدمُ أطرافٌ صناعيةٌ لتحسين مظهر اليد وفعاليتها، كما يجب النظر إلى الحالات المَرضية المرافقة، ففِقدان الغدد الدمعية الخاصة بالعين يستدعي استعمالَ قطراتٍ عينيةٍ كـ "دموعٍ اصطناعية". ولدينا بالتأكيد المعالجةُ الفيزيائيةُ أو المِهَنية كمساعدةِ المرضى على تعلُّم الكتابة واستعمال أيديهم بشكلٍ أفضل.

الوقاية:

تسري هذه الحالةُ المرضية ضمن العائلات، فوجودُ فردٍ في العائلة يُعاني الـ Ectrodactyly يَزيدُ احتمالَ ولادة أطفالٍ مصابين بهذه الحالة، ولذلك يجدرُ بالأزواج المنتمين إلى هذه العائلات ممَّن يرغبون بالإنجاب أن يستشيروا الأطباءَ وأن يقوموا بالفحوص الوراثية، إذ يُمكن تشخيصُ إصابة الجنين بهذه الحالة منذ الأشهر الأولى للحمل.

حيوانات تعاني من الـ Ectrodactyly:

قد تُعاني القطط والكلاب والأبقار والدجاج والضفادع والأرانب والفئران من الـ Ectrodactyly.

الحاشية:

* إنَّ المعلوماتِ التي يتم بموجَبها التحكُّمُ بعمل الجسم كلّه موجودةٌ في المادة الوراثية (الجينية) في أنوية الخلايا على هيئة ما يُسمى الحمضَّ النوويَّ الريبيَّ منقوصَ الأوكسجين DNA، وبشكل أكثرَ تحديداً: تتألف المادة الوراثية من تتالي مجموعةٍ من الوحدات (القطع) تُسمى النكليوتيدات هي: الأدينين ويُرمز له بـ A والغوانين G والسيتوزين C والثايمين .T إنَّ كلَّ تتالٍ مؤلفٍ من ثلاث وحدات في الخلية يُشفِّرُ (يعطي التعليمات) لصنع حمضٍ أمينيٍّ معين، وفيما بعد تجتمعُ الحموض الأمينية مع بعضها لتعطيَ البروتيناتِ المسؤولةَ عن بناء وتنظيم التفاعلات في الجسم، وأيُّ تغيُّرٍ في ترتيب النكليوتيدات يُسمى طفرة. لن نتشعَّبَ في هذا الأمر أكثر من ذلك لكيلا نحيدَ عن موضوع المقال، وسنكتفي بمعلومةٍ إضافية مُفادها أنَّ هذه المادةَ الوراثيةَ تكونُ مُتجمّعَةً على شكل مجموعاتٍ أو وحداتٍ تُسمَّى الصبغيات أو الكروموسومات Chromosom وكلُّ صبغيّ لديه ذراعان طويلان وذراعان قصيران.

** المتلازمة: مجموعةٌ من الأعراض والعلامات التي تشير مجتمعةً إلى حالة مرضية معينة، ولا تشير إلى هذه الحالة عندما تكون منفردة.

*** انشقاق الشفة والفَلَح الحَنَكي (أو انشقاق الحَنَك): حالتان مرضيتان خَلقيتان تتصفُ الأولى بانشقاقٍ في الشَّفة العليا على هيئة حفرةٍ فيها، أما الفلح الحنكي فهو انشقاقٌ أو حفرةٌ في مقدمة سقف الفم.

المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

مصادر الحاشية:

Color Atlas of Genetics، 3rd edition، Thieme

هنا