البيولوجيا والتطوّر > التطور

لماذا تطورت القواقع لدى السلاحف؟

استمع على ساوندكلاود 🎧

السلاحف من أقدم الزواحف الحية، إنَّها تعيش في كل قارةٍ على الأرض -عدا أنتاركتيكا (القارة القطبية الجنوبية)- وتتراوح أطوال أنواعها من عدة سنتيمترات إلى مترٍ ونصف، يزيد متوسّط أعمارها عن ثلاثة عقود وقد يصل إلى سبعة عقود في الأنواع التي تعيش في البيئة البحرية، يبدأ بعضها التزاوجَ بعد سنواتٍ قليلة من ولادته في حين أنَّ أنواعاً أخرى لا تتزاوج حتى تبلغ العقد الخامس، تعيش على البر وفي المياه العذبة والمالحة(2). ولها أهميةٌ دينيةٌ عند شعوبٍ مختلفة، ففي الميثولوجيا الهندوسية، كان Kurma - أحد تجسدات الإله Vishnu- على هيئة سُلَحْفاة(3).

إنَّها كائنات مذهلة فعلاً، لكنَّ أولَ ما يتبادر إلى الذهن عندما يطرق اسمُها أسماعَنا هو قوقعتها، لماذا تملك القوقعة (الدَرَقَة Shell) يا تُرى؟ الإجابة بديهية: للحماية، لكن لماذا تطورت لدى أسلافها هذه القواقع، هل كانت تحميها أيضاً، أم أنَّ القوقعة للسُّلَحْفاة كالريش للطائر، تطور في بادئ الأمر لسببٍ غير الطيران (أو غير الحماية بالنسبة للسُّلَحْفاة)(1)؟

لنجيبَ عن السؤال، لا بدَّ من أن نعرفَ ما هي بنية قوقعة السُّلَحْفاة. هناك الكثير من الأنواع التي تملك قواقع كالحلزون في المملكة الحيوانية، لكنَّ هذه القوقعة تغطي ظهره فقط، وما يميز قوقعةَ السُّلَحْفاة أنَّها توفّرُ الحمايةَ لظهرها وبطنها، فهي مؤلفةٌ من عظامٍ وغضاريف، يتألف القسم الظهري من القوقعة من فقرات العمود الفِقْري والأضلاع، وفي البطن لديها صفائح عظمية(2).

لا داعي للاستفاضة أكثر من ذلك، وعودةً إلى السؤال، هل تطورت القواقع في بادئ الأمر لتحمي السلاحف؟

لا يبدو ذلك، فالقوقعة تطورت نتيجة توسع الأضلاع وهذا أدى إلى تصعيب حركة السُّلَحْفاة وتقصير خطواتِها وإعاقة تنفسها؛ وانطلاقاً من هنا، فلا يبدو أن القواقعَ قد تطورت لدى أسلاف السلاحف المُعاصِرة للحماية، وإن كانت كذلك -أي للحماية- بالنسبة للسلاحف اليوم. إذاً، كان توسُّعُ الأضلاع الأساسَ في تشكيل القوقعة، إذ سمح للسلاحف باستعمال أطرافها الأمامية للحفر (وبالتالي الاختباء من الحرارة العالية). أي أنَّ القوقعة تشكلت نتيجة تكيفٍ ساعد على الحفر، وهذا بدوره كان له دورٌ في السماح للسلاحف بالانتقال إلى البيئة المائية ما كان السبب في نجاتها من الانقراض البرمي الترياسي(1)Permian-Triassic الذي حدث قبل 252 مليون سنة(4).

صورة فنية: إلى اليمين أحد أسلاف السلاحف وهو يحفر، تمثل الخلفية محاكاة للبيئة القاسية جنوب أفريقيا قبل 260 مليون سنة

الدليل الأحفوري يُكتشف صدفةً على يد صبي في الثامنة:

أجرى الدكتور Lyson مع مجموعةٍ من العلماء دراسةً نُشرت في دورية Current Biology، درسوا فيها مجموعةً من مستحاثات أسلاف السلاحف، اكتشف الفريقُ الذي أعدَّ الدراسةَ بعضَ هذه المستحاثات، أمّا المستحاثة الأهم -وهو الطريف في الأمر- فقد اكتشفها صبي صغير صدفةً عندما كان في حقل والده جنوب أفريقيا، وتعود هذه المستحاثة التي يُقدَّر عمرها بـ 260مليون سنة إلى نوعٍ من أسلاف السلاحف يُسمى Eunotosaurus africanus، وهي بطول 15 سم تقريباً وتشمل آثاراً واضحةً للهيكل العظمي تظهر فيه الأطراف متمفصلةً بإحكام. وبدراسة هذه المستحاثات، استنتج الباحثون أنَّ توسُّع الأضلاع كان الأساس في تشكيل القوقعة، للسماح للسلاحف باستعمال أطرافها الأمامية للحفر.

مستحاثة النوع Eunotosaurus africanus إلى اليسار، وإلى اليمين سلحفاة معاصرة

وكما شكر الباحثون الذين أعدوا الدراسةَ الصبيَّ الذي اكتشف المستحاثةَ الأساسية التي لم تكن الدراسة لتتم لولاها، نختم مقالنا بتقديم الشكر له ونترككم مع أسرارٍ أخرى عن حياة السلاحف... هل تصدر السلاحف أصواتاً؟ وإن كانت تفعل، فلمَ؟ هنا وماذا عن فراشاتٍ ترتشف دموع السلاحف؟ هنا

المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا

البحث الأصلي:

هنا