التعليم واللغات > اللغويات

نعم يمكنكً إتقانَ لغةٍ ثانية بعدَ تخطّي المرحلةِ العمريةِ الحاسمة!

استمع على ساوندكلاود 🎧

تعدُّ النظريةُ القائلةُ بوجودِ مرحلةٍ عمريةٍ حاسمةٍ لتعلمٍ اللغة من أشهرِ النظرياتِ في علمِ اللغويات، لكنْ ماذا إنْ تمَّ إثباتُ ما هوَ عكسُ ذلكْ؟

يبدو أنه لا وجودَ لمرحلةٍ عمريةٍ حاسمةٍ لتعلُّمِ لغةٍ ثانيةٍ كما هوَ متداولٌ، الفرقُ هوَ أنَّ للأطفالِ وقتُ فراغٍ أكبرْ ودوافعٌ أفضلْ!

يتمكنُ الأطفالُ عادةً من تعلّمِ اللغاتِ بسهولةٍ أكبر وكفاءةٍ أعلى منَ البالغين وذلكَ وفقاً لدراسةٍ جديدةٍ أظهرت أنَّ هذا التباينَ لا يتعلَّقُ بوجودِ مرحلةٍ عمريةٍ حاسمةٍ تنتهي بالبلوغِ لتعلمِ الأطفالِ للغة، بلْ تتعلقُ بقلةِ المسؤولياتِ المترتبةِ عليهمْ وتمتعهمْ بالكثيرِ منْ وقتِ الفراغْ.

قامتْ مجموعةٌ منَ الباحثينْ بإجراءِ دراسةٍ في جامعةِ إيسّكس(Essex) في إنكلترا وجامعةِ كروننجين (Groningen) في هولندا طلبت فيها من 101 متطوعٍ سماعَ عباراتٍ باللغةِ الألمانيةِ وذلكَ أثناءَ قيامِ الباحثين لمسحِ أدمغتهمْ في نفسِ الوقتْ. وكانَ منْ بينِ المشاركين 15 شخصاً منَ المتحدثين للبولنديَّةِ كلغةٍ أم و51 متحدثاً أصلياً للروسيةِ، وجميعهمْ كانوا قدْ انتقلوا للعيشِ في ألمانيا بينَ عمرِ 7 أعوامٍ و 36 عاماً. وبالرُّغمِ من أنَّ بعضاً منهمْ كانَ قدْ درسَ القليلَ منَ الألمانيةِ في المدرسةِ، إلا أنَّ غالبيَّتهمْ كانوا قدْ تعلَّموا الألمانيَّةَ بشكلٍ أساسيٍ بعدَ انتقالهمْ لألمانيا، أمَّا بالنسبةِ للـ29 شخصاً الآخرينْ فقدْ كانوا متحدثينَ للألمانيةِ كلغةٍ أمْ.

كما طلبَ الباحثون منَ المتطوعين سماعَ تسجيلاتٍ باللغةِ الألمانيةِ تحوي أخطاءً ملحوظةً عن قصدٍ، وهنا لا بدَّ من الإشارةِ إلى أنَّ اللغةَ الألمانيةَ تعدُّ منَ اللغاتِ المراعيةِ للفروقِ بينَ الجنسينِ كجنسِ أدواتِ التعريفِ (أسماءِ الإشارةِ باللغةِ العربيةِ) "ذلكَ" و"تلكَ" والتي يجبُ أنْ تتوافقَ معَ جنسِ الاسمِ المستخدمِ معها لتُنتجَ جملةً صحيحةً قواعدياً، فكانتِ التسجيلاتُ تتضمنُ جملاً لا تتوافقُ فيها أدواتُ التعريفِ معَ الأسماءِ عنْ قصد. أظهرت نتائجُ المسحِ الدماغيِّ انعكاسَ الأخطاءِ الألمانيَّةِ المتعددةِ على المستوى العصبيِّ أثناءَ سماعِ المتطوعينَ للتسجيلات.

كما أظهرتِ النتائجُ أنَّ ردَّةَ الفعلِ العصبيَّةِ تجاهَ الأخطاءِ للمتحدثينَ للغةِ الألمانيَّةِ كلغةٍ أمٍ كانت قويَّةً جداً، بينما تراوحت ردّةُ فعلِ المتحدثينَ باللغةِ الألمانيَّةِ كلغةٍ ثانيةٍ بينَ ضعيفةٍ وعدمِ وجودِ ردةِ فعلٍ بشكلٍ نهائيٍ خصوصاً لأولئكَ الذين تعلموها في عمرٍ متأخرٍ.

تشيرُ إحدى أشهر النظرياتِ في علمِ اللغوياتِ إلى وجودِ مرحلةٍ عمريَّةٍ حاسمةٍ لتعلُّمِ اللغةِ، وأنَّ الأطفالَ الذينَ لمْ يتعلموا اللغةَ قبلَ وصولهم إلى سنِّ البلوغِ لنْ يتمكنوا أبداً من إتقانِها لاحقاً، حيثُ تعدُّ بعضُ الحالاتِ الخاصَّةِ بالأطفالِ المتوحشينَ الذينَ تمَّ إبعادهم عنِ الاحتكاكِ باللغةِ البشريَّةِ لفترةٍ متأخرةٍ من حياتهم مثالاً صحيحاً لصحةِ تلكَ النظريَّةِ، إلا أنَّ الأمرَ يصبحُ أقلَّ وضوحاً عندما يتعلقُ بوجودِ فترةٍ عمريَّةٍ حاسمةٍ لتعلمِ لغةٍ ثانيةٍ.

تقولُ مونيكا شميد ((Monika Schmid أحدُ الباحثينَ في هذهِ الدراسةِ أنَّ الجدالَ المتعلّقَ بصحةِ وجودِ فترةٍ عمريَّةٍ حاسمةٍ متعلقةٍ بالنضجِ لتعلمِ اللغةِ ما زالَ قائماً منذُ فترةٍ طويلةٍ ولا يزالُ منَ الصَّعبِ حسمهُ حتى وقتِنا الراهن.

كما أشارت إحدى الدراساتُ التي أُجريت في عامِ 1989 أنَّ تعلُّمَ لغةٍ ثانيةٍ بعدَ البلوغِ يؤدي إلى استحالةِ إتقانها فيما بعد. ولإتمامِ هذهِ الدراسةِ قامَت مجموعةٌ منَ الباحثين بتحليلِ مهاراتِ اللغةِ الإنكليزيَّةِ لـ46 مواطنٍ كوريٍّ وصينيٍ كانوا قدْ قدِموا إلى الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيَّةِ بعمرٍ يتراوحُ بينَ ثلاثة أعوام و تسعةٍ وثلاثينَ عاماً. أظهرت نتائجُ الدراسةِ أنَّ العمرَ الذي تمَّ خلالهُ اكتسابُ اللغةِ يؤثرُ بشكلٍ كبيرٍعلى أداءِ متحدّثها في كلِّ بنيةٍ قواعديةٍ إنكليزيةٍ تمَّ اختبارهم بها.

إلا أنَّهُ في الدراسةِ التي أُجريت حديثاً، لاحظت شميد (Schmid) وفريقها بأنهُ لا يوجدُ فرقٌ واضحٌ بينَ المرحلةِ العمريَّةِ التي تعلمَ فيها المشاركونَ اللغةَ الثانيةَ (الألمانية) وبينَ قدرتهم على تمييزِ الأخطاء، حيثُ صرَّحت شميد (Schmid) أنَّ التغيراتِ كانت تدريجيةً عبرَ المدى العمريِّ بأكمله، وأنَّهُ لا يوجد أيُّ "مطبٍ" أو مرحلةٍ عمريَّةٍ حاسمةٍ لتعلمِ اللغةِ الثانيةِ، بلْ أنَّ الأمرَ يعودُ لأسلوبِ حياةِ الأطفالِ، فهمْ قادرونَ على إمضاءِ وقتٍ أطولَ وبذلِ جهدٍ أكبرَ خلالِ فترةِ التعلمِ، كما أنَّ دوافعهم للاندماجِ في مجتمعاتٍ لا تتحدثُ لغتهم أكبر، بالإضافةِ إلى أنَّ عاداتِ اللُّفظِ والقواعدِ المتعلقةِ بلغتهمُ الأصليَّةَ أقلُّ تجذراً داخلهم وهذا ما يمكنهم منَ التغلُّبِ عليها بسهولةٍ أكبرْ.

المصادر:

هنا

هنا