البيولوجيا والتطوّر > منوعات بيولوجية

الإشعاعات الصادرة عن الهواتف المحمولة ومدى علاقتها بالسرطان!

استمع على ساوندكلاود 🎧

قام علماءٌ في البرنامج العالمي لعلم السموم التابع لهيئات الصحة الوطنية في الولايات المتحدة بدراسة بحثوا خلالها ما إن كان هناك صلة بين التعرض باستمرار للإشعاعات الصادرة عن الهواتف المحمولة وأجهزة الاتصال اللاسلكي- على وجه العموم- وبين نشوء الأورام السرطانية. وقد تم نشر بعض النتائج الهامة لهذه الدراسة التي بلغت تكلفتها 25 مليون دولار أمريكي. تلك النتائج تم جمعها من عدد من الفئران التي عُرِّضَت للإشعاعات الكهرومغناطيسية لفترات مختلفة من حياتها- بدءا من الحياة الجنينية، والتي أوضحت الدليل الأقوى لقدرة هذه الإشعاعات على إحداث سرطانات نادرة- على الأقل في نوعين من الخلايا في أدمغة وقلوب هذه الفئران، وحتى باقي فترات حياتها على مدى سنتين.

يستخدم أكثر من 90% من البالغين الأمريكيين الهواتف الحمولة باستمرار، وبشكلٍ عام فإنَّ ما هو معروفٌ حول مدى سلامة هذه الأجهزة قليلٌ جداً؛ حيث تركز توجيهات السلامة القائمة حاليًا على التأثير الحراري الحاد ولفترات قصيرة، ولا تُلقي بالًا لمدى خطورة التأثير المزمن لتلك الأجهزة، وإن كان بكمياتٍ ضئيلة جداً. في هذه الدراسة، قام الباحثون بتعريض الفئران للأشعة الراديوية بشكلٍ مزمن لمماثلة ما يتعرض له الأشخاص ذوي الاستخدام المفرط للهواتف المحمولة، ورصد مدى تأثير ذلك على حياتهم اليومية -بصورةٍ نظرية-.

كيف تمت التجربة؟

وُضِعت الفئران في بيوتٍ مصممة خصيصًا لتحديد كمية ونوعية الأشعة التي تتعرض لها أجسام الفئران، بمقدار 9ساعات يومياً على مدار سنتين، وهو متوسط أعمارها.

وكان الغرض من هذه الدراسة هو إعطاء العلماء تقديراً دقيقًا لكمية الإشعاعات المسببة للسرطان لدى الفئران. إذ تم تقسيمها إلى 3 مجموعات حالة (تضم كلا منها 90 فأر)، صُنفت المجموعات بناء على نوع وجنس الفئران، وتم تعريض كل منها لكمية إشعاعات مختلفة ( 1.5، 3، 6 واط/كغ)، بالإضافة إلى مجموعة الشاهد. (كمية الإشعاعات الأدنى التي تم استخدامها تعادل تقريبًا المستوى المسموح به في شركات الهواتف المحمولة في الولايات المحتدة- 1.6 واط/كغ).

ما أهم النتائج؟

وجد الباحثون أنَّه كلما تعرضت تلك الفئران لكمياتٍ أكبر من الإشعاعات الراديوية، تتطوَّر لديها أنواع نادرة من أورام الدماغِ والقلبِ بشكلٍ أكبر، والتي لا يمكن نفي علاقتِها بتلك الإشعاعات. وبشكلٍ عام، فإنَّ احتمالية حدوث تلك الأورام النادرة تعتبر قليلة نسبياً، ويمكن توقع حدوثها مع أورامٍ أخرى، إلا أنَّ هذه الاحتمالية تزداد بازدياد التعرض للإشعاعات. بعض الفئران تطورت لديها أورام في خلايا الدبق العصبي في الدماغ، وأخرى طوَّرت أوراماً في القلب. ومن الجدير بالذكر انَّ دراساتٍ وبائية سابقة عن الإنسان وتأثير التعرض للهواتف المحمولة، وجدت أنَّ نوعي الأورام تلك لها صلة كبيرة بالإشعاعات الراديوية.

بالمقابل فإن أياً من جرذانِ مجموعة الشاهد- وهي الفئران التي لم تتعرَّض لأي إشعاع-، لم تُطوِّر أي نوعٍ من الأورام المذكورة أعلاه.

ولكن ما أدى إلى تعقيد الدراسة أنَّ النتائج تفاوتت على حسب الجنس؛ حيث لوحظ حدوث هذه الأورام في الفئران الذكور أكثر منها في الإناث. ظهور الأورام لدى الذكور كان نتيجةً لتعرُّض أجسام الفئران الذكور كاملة للإشعاعات (بحيث تشمل أيضًا مناطق الجسم ما دون الرقبة)، بحسب ما أوضح كاتب الدراسة، وقد لوحظ نشوء أورام شوانوما في القلب لدى الفئران الذكور في جميع المجموعات، على عكس ذلك في الفئران من الإناث، إذ لم تلاحَظ أي تأثيرات بيولوجية واضحة في القلب أو حتى الدماغ لدى الفئران الإناث، بصرف النظر عن أي ظروف تم استحداثها.

هذه الدراسة ما زالت تُدَقق من قبل عدد جديد من المختصين. وأوضحت هيئات الصحة الوطنية أن جميع الدراسات التي أجريت في السابق قد نوهت إلى احتمالية وجود علاقة بين إشعاعات الهواتف المحمولة وظهور الأورام السرطانية، ولكن أيا من تلك الدراسات لم تصل إلى نتيجة ملموسة، على عكس هذه الدراسة، إذ لن يتوقف البحث عند هذا الحد، بل سيسعى القائمون عليها للتوصل إلى معلومات حاسمة ودقيقة عن مدى سلامة التعرض لهذه الإشعاعات، وتكوين قاعدة معلومات متينة في هذا الشأن للتقليل من الآثار الجانبية على صحة البشر.

بالطبع عزيزنا القاريء، هذه المخاوف لا تعني أن نرجع للعيش في عصر ما قبل اختراع الهواتف المحمولة، ولكن هناك العديد من الإجراءات الوقائية التي يمكنك اتباعها لتفادي هذا الخطر؛ أهمها استخدام السماعات الخارجية للهاتف بدلاً من وضعه مباشرة على أذنك، أو استخدام سماعات الأذن، وعند النوم تذكَّر وضع هاتفك بعيداً عن جسدك ولا تتركه ملقى بجانبك لفترات طويلة... فلنستمتع بالتكنولوجيا ولكن بطريقة واعية.

المصادر:

هنا

البحث الأصلي: هنا