الاقتصاد والعلوم الإدارية > اقتصاد

هل يمكن للإنفاق على البنى التحتية فعلاً أن يحفّز الاقتصاد؟

استمع على ساوندكلاود 🎧

يعد الاستثمار في البنى التحتية، مثل الإنفاق على الطرقات والجسور ومشاريع أخرى مماثلة أحد أكثر الأدوات شيوعاً للسياسة المالية الموجهة لمحاربة الركود، حيث يطالب الاقتصاديون والسياسيون عند تعثر الاقتصاد بمزيد من الإنفاق على البنى التحتية، ليكون كنوع من التحفيز، وخاصة إن تمّ هذا الإنفاق في مقاطعاتهم أو ولاياتهم.

على الرغم من شيوع مقترح الإنفاق على البنية التحتية كأداة لتحفيز الاقتصاد بشكل كبير، إلا أنّه لا يوجد الكثير من الأدلة العملية الداعمة لفكرة أنّ المشاريع العامة المتعلقة بالبنى التحتية سيكون لها أثراً إيجابياً صافياً على الاقتصاد، أو أنها ستؤدي حتى إلى زيادة معدلات التوظيف. ويبدو أنه يوجد انفصال بين الخطابات السياسية والنظرية السياسية والواقع الاقتصادي.

النظرية المتعلقة بالبنية التحتية كمحفِّز

يستند الإنفاق الحكومي الهادف لتحفيز الاقتصاد -سواء كان على البنى التحتية أو السلع والخدمات الأخرى- على الافتراض الكينزي القائل بأنّه يمكن دفع الاقتصاد الذي لم يصل لمرحلة التشغيل الكامل بعد إلى مرحلة التشغيل الأقصى (التشغيل التام)، وذلك عن طريق نفقات عامة جديدة قادرة على تحفيز الطلب الكلي. ويمكن ملاحظة هذا الأمر بوضوح بما يتعلق بالإنفاق العام على البنى التحتية، حيث يُعتقد أنّه من الممكن تأمين وظائف للعاطلين عن العمل لا إرادياً في البنى التحتية، وسيتقاضون عليها دخولاً، يمكن لها إذا أُنفقت بشكل سريع أن تحقق مزيداً النمو الاقتصادي.

يفترض الإنفاق المحفِّز حسب كينز انخفاض أو انعدام تكلفة الفرصة البديلة في حال ظهر الإنفاق في ظل العجز (الإنفاق الذي يتجاوز الإيرادات) في الفترات التي تتجاوز فيها معدلات البطالة المعدلات الطبيعية. في الحقيقة، تنبأ كينز أنه سيكون للإنفاق العام على البنى التحتية في ظل العجز أثر المضاعف على النمو الاقتصادي (أي سيتجاوز الأثر المتمثل بالنمو التغير في الإنفاق العام بمقدار معامل يمثل المضاعف)، خاصةً في حال انخفاض أسعار الفائدة.

المشكلات المتعلقة بالإطار النظري للإنفاق على البنى التحتية

إحدى المشكلات الهامة المتعلقة بنظرية الإنفاق على البنى التحتية هي أنها تتجاهل ما يسمى بأثار "كانتيون" (Cantillon Effects) المتعلقة بالتغير النسبي في مختلف الأسعار نتيجة لدخول نقود جديدة إلى الاقتصاد. نظراً إلى أنّ الإنفاق الجديد يقود إلى زيادة الأسعار والطلب على سلع وخدمات معينة بشكل أسرع وأعمق من غيرها، سيكون لهذا الأمر أثراً في سوء توجيه الإنتاج إلى نواح تختلف عما سيختار المواطنون أن يتم الإنفاق عليه في الوضع الطبيعي. وبشكل أساسي يمكن القول أنّه سيتم تفضيل تخفيض معدلات البطالة في الأجل القصير على سوء التخصيص في الأجل الطويل والذي سينتج عنه معدلات بطالة أعلى.

وعلى العكس ممّا نصّت عليه النظرية الأصلية فإن تكاليف الفرصة البديلة وتكاليف التنفيذ المرتبطة بالإنفاق على البنى التحتية مرتفعة جداً. وبما أنّ الحكومة لا تقوم بإنتاج أي شيء ذو قيمة سوقية قابلة للحساب، لأن الإيرادات أو الضرائب تكون مستقلة عن تقييمات المستهلكين، بالتالي فإنها غير معرَّضة لأيّة تغذية راجعة حقيقية من الناحية الاقتصادية، أي أنّه من المستحيل تقريباً معرفة ما إذا كان الإنفاق العام على البنى التحتية عموماً هو الاستخدام الأمثل للموارد، ناهيك عن فوائد المشاريع بحد ذاتها مثل الشوارع والجسور والطرق العامة. ومن المرجّح أنّ استخدام الموارد يكون أكثر إنتاجية في حال ما إذا تم عن طريق العمليات الطوعية الخاصة بسبب حلقة التغذية الراجعة المتأصلة في الأسواق.

إذا تم تمويل مشاريع البنى التحتية بالضرائب المباشرة، سيتقلص حجم القطاع الخاص فوراً بقيمة مساوية لها على الأقل. وإذ تمّ تمويلها بالسندات الحكومية، ستشهد أسواق رأس المال خروج المتعاملين من السوق بسبب ارتفاع أسعار الفائدة (Crowding-Out Effects) مما سيؤدي إلى انخفاض الإنفاق الخاص، وستصبح أسعار الأصول المالية الأخرى أكثر ارتفاعاً أو انخفاضاً عما ستكون عليه لو لم يكن الوضع كذلك (لو لم تتدخل الحكومة). ولاحقاً عندما يتم سداد هذه السندات الحكومية مؤدياً إلى زيادة الضرائب أو زيادة التضخم سيخسر القطاع الخاص مرة أخرى.

الواقع العملي

يسعى علماء الاقتصاد جاهدين للوصول إلى نتائج تجريبية مقنعة، حيث أنّه من الصعب الوصول لدليل واضح وقاطع حول مدى فعالية التغيرات في الإنفاق على البنية التحتية.

وجد الاقتصادي أندرو وورنر Andrew M. Warner في ورقة عمل نشرت من قبل صندوق النقد الدولي عام 2014 أدلة ضعيفة حول المكاسب الاقتصادية التي يمكن أن تنتج عن الإنفاق على البنى التحتية. وحتى عندما تلقت المشاريع الائتمان من أجل النمو، وجد وورنر أنّ الاقتصاد كان بالفعل يتحسن بمعدل مماثل بحلول وقت بدء البناء.

من الجدير بالذكر أيضاً أنّ الحكومة بشكل عام ليست جيدة في إدارة الأموال أو الطرقات، فالإنفاق الحكومي المركزي (الفدرالي) على الطرقات العامة هو أداة سياسية بقدر ما هو أداة اقتصادية، والولايات التي لا تمتثل للمتطلبات والأوامر الفدرالية لا تحصل على الأموال المخصصة لبنيتها التحتية. كما يمكن أن تفقد المشاريع حالة الجهوزية للتنفيذ بسبب طول فترة وارتفاع تكلفة التقييمات والمراجعات المتعلقة بالبيئة والتراخيص، حيث يمكن لمنح التراخيص لمشاريع البنى التحتية العامة أن يأخذ من خمس إلى عشر سنوات يستمر فيها تحميل التكاليف على دافعي الضرائب.

تحديات عملية أخرى

نشر المكتب الوطني للبحث الاقتصادي (NBER) والبنك الفدرالي في سان فرانسيسكو في عام 2013 ورقة عمل بعنوان " طرق تؤدي إلى الازدهار أم جسور لا تؤدي إلى أي مكان؟ دلائل ونظريات حول أثر الاستثمار العام في البنية التحتية. Roads to Prosperity or Bridges to Nowhere? Theory and Evidence on the Impact of Public Infrastructure Investment."، وميّز الباحثون في هذه الورقة أربعة تحديات على الأقل تواجه النظرية التقليدية للبنية التحتية كمحفِّز وهي: اعتبار الإنفاق العام على البنى التحتية عاملاً داخلياً يرتبط بالأوضاع الاقتصادية، والطبيعة اللامركزية للتنفيذ، وفترات التأخير بين قرارات التنفيذ التي تمت الموافقة عليها والإنجاز الفعلي للمشروع، والدرجة العالية من الوعي العام الذي يؤدي إلى آثار استباقية.

يوجد تحديات هامة أخرى ضمن النموذج المستخدم في ورقة العمل هذه. فعلى سبيل المثال، نوع الاقتصاد النظري الذي تم وصفه في التحليل: "اقتصاد وطني غير نقدي يتكون من منطقتين" قد تكونا "ذات أحجام مختلفة" حيث "تتخصص كل منطقة في نوع واحد من السلع القابلة للتبادل" و "الشركات هي عبارة عن موردين احتكاريين".

هذه النقاط تظهر باستمرار في جميع التنبؤات الاقتصادية الكلية تقريباً، ويتم استبعاد الكثير من العوامل التي تساعد الاقتصاد الحقيقي على الاستمرار في العمل، وذلك من أجل تبسيط النماذج بالقدر الذي يسمح بالوصول إلى نتائج قابلة للاختبار ويمكن التنبؤ بها.

ويجدر بالذكر أن النظرية الأصلية للإنفاق العام على البنية التحتية هي أقل تعقيداً من ورقة العمل التي نشرها المكتب الوطني للبحث الاقتصادي والبنك المركزي في سان فرانسيسكو. وبذلك فإنه ليس من المفاجئ أنّ الواقع العملي مختلف عن مقاييس الاقتصاد الكلي ويؤدي إلى نتائج مختلفة.

المصدر: هنا