الطب > ‫‏كيف يعمل جسم الإنسان‬؟

سلسلة "كيف يعمل جسم الإنسان؟" - الجهاز العصبي: النخاع الشوكي

استمع على ساوندكلاود 🎧

النخاع الشوكي حبلٌ عصبي يُرسل الأوامرُ ويتلقى التنبيهات، ينبه ويثبط، يتحكم بقدراتنا الحركية والحسية والجنسية، ويشكل الكثيرَ من الاتصلات المعقدة مع مختلف أنحاء الجسم ليُحسِن تنظيمه. ومع كل هذه الأهمية أليس من الضروري أن نتعرف عليه بشكل أكبر، منشأه وبنيته وأبرز أدوراه واضطراباته؟

بدايةً لا بد أن نشير أن الجملةَ العصبية تُقسم إلى جزئين رئيسيين: الجهاز العصبي المركزي (الدماغ والنخاع الشوكي) والجملة العصبية المحيطية والتي تعد صلة الوصل بين الجهاز العصبي المركزي وبقية أنحاء الجسم. ومقالنا اليوم سيتناول النخاع الشوكي من نواح عدة:

1. المنشأ الجنيني

2. البنية النسيجية

3. لمحة تشريحية

4. لمحة فيزيولوجية

5. بعض الأمراض التي تصيب النخاع الشوكي

فلنبدأ رحلتنا بمحطاتها المتنوعة وكلنا أمل أن تكون ممتعة ومريحة!

المنشأ الجنيني للنخاع الشوكي:

تبدأُ الحكاية بنطفةٍ قويةٍ تقطعُ رحلةً شاقة طويلة لتصل إلى البويضة الأنثوية لينتج عن اجتماعهما بيضةٌ ملقحة تبدأ رحلتها في التطور. ويعد الجهاز العصبي من أوائل الأجهزة التي تتطور خلال الحياة الجنينية ويكتمل تطوره بعد الولادة.

يتكون الجنينُ بدايةً من 3 طبقات تُشكل نواةَ أجهزة الجسم المختلفة التي ستتطور لاحقاً: الأديم الظاهر Ectoderm، الأديم المتوسط Mesoderm، الأديم الباطن Endoderm.

تتمثل بداياتُ الجهاز العصبي المركزي بصفيحةٍ عصبيةٍ Neural plate تنشأ من الأديم الظاهر، والتي تنثني مشكلةً الثلم العصبي Neural grooveوصولاً إلى الأنبوب العصبي Neural tube والذي يكون في البدء مفتوحاً من كل نهاية (النهاية الرأسية والذيلية). ويتشكل النخاع الشوكي بين اليومي 22-26 من الحياة الجنينية من الجزء الذيلي من الأنبوب العصبي.

لمحة تشريحية:

سنبدأ أولاً بنظرة تشريحية سريعة للنخاع الشوكي نتعرف بها على الأجزاء الرئيسية له:

يتخذ النخاع الشوكي شكلاً اسطوانياً تقريباً، ويترواح طوله عند البالغين بين 40-50 سم وقطره بين 1-1.5 سم، ممتداً من الثقبة الكبرى في قاعدة الجمجمة حيث يكون على تمادٍ مع البصلة السيسائية وينتهي ما بين الفقرة القطنية الأولى والثانية (بينما تصل نهايته إلى الفقرة القطنية الثانية أو الثالثة عند حديثي الولادة) مشكلاً ما يعرف بالمخروط النخاعي Conus medullaris ليمتد بعد ذلك ذيل الفرس(مجموعة من الجذور العصبية الشوكية المتوازية). أما الخيط الانتهائي Filum terminale فهو يمثل تطاول الأم الحنون (واحدة من طبقات السحايا المحيطة بالنخاع) من قمة المخروط النخاعي باتجاه الأسفل ليرتبط في النهاية بالوجه الخلفي لعظم العصعص.

يمكن تمييز 4 أجزاء رئيسية للنخاع الشوكي: المنطقة الرقبية Cervical، الظهرية Thoracic، القطنية Lumbar، وأخيراً العجزية Sacral، مع تمييز انحناءين هما الرقبي والقطني.

ويخضع النخاع لتنظيمٍ قطعي حيث توجد 31 قطعة محددة بواحد وثلاثين زوج من الأعصاب التي تغادر النخاع. تصنف هذه الأعصاب كالتالي: 8 أعصاب رقبية، 12 ظهرية، 5 قطنية، 1 عصعصي. تتألف هذه الأعصاب من جذور ظهرية (خلفية) حسية تغادر النخاع مارة في البداية في عقدة الجذر الظهري ثم تجتمع مع الجذور البطنية (الأمامية) الحركية. تسمى وترقم الأعصاب الشوكية وفقاً لموقع انبثاقها من القناة الفقرية، حيث تغادر الأعصاب الرقبية C1-7 فوق كل فقرة موافقة، أما العصب الرقبي الأخير C8 وما تبقى من الأعصاب الشوكية تنبثق إلى الأسفل من فقرتها الموافقة.

البنية النسيجية :

يتوضع النخاع الشوكي ضمن القناة الفقرية محاطاً بثلاث طبقات من السحايا Meninges: الأم الجافية Dura mater، الغشاء العنكبوتي Arachnoid mater، الأم الحنون Pia mater. وكحماية إضافية للنخاع يتواجد السائل الدماغي الشوكي المتوضع في المسافة تحت العنكبوتية.

وفي حال أجرينا مقطعاً عرضياً للنخاع الشوكي لتبينت لنا المكونات التالية:

- يقسم الشقان المتوسطان الأمامي والخلفي النخاع إلى جزئين متناظرين يتصلان معاً من خلال الملتقى الأمامي والخلفي. أما الشقوق الجانبية الأمامية والخلفية فهي تشكل منشأ الجذيرات Rootlets الظهرية والبطنية والتي تشكل بدورها الأعصاب الشوكية.

- القناة المركزية: حيث يتواجد السائل الدماغي الشوكي.

- المادة الرمادية: حيث تتواجد أجسام الخلايا العصبية، وتأخذ شكل حرف H وتتألف من القرن الظهري، القرن الجانبي، العمود المتوسط، القرن البطني، والمنطقة المركزية الأنسية المحيطة بالقناة المركزية والتي تشكل المادة الرمادية المركزية.

- المادة البيضاء: يمكن أن تقسم وظيفياً إلى أعمدة أمامية ووحشية وخلفية. تتضمن هذه المادة الألياف العصبية بنوعيها المغمد وغير المغمد بالنخاعين والتي تعد مسؤولة عن نقل المعلومات صعوداً إلى الدماغ ونزولاً إلى بقية أنحاء الجسم.

لمحة فيزيولوجية:

قام برور ريكسيد Bror Rexed الباحث السويدي في مجال العلوم العصبية في أوائل الخمسينات من القرن الماضي بطرح تصنيف وظيفي خاص للنخاع الشوكي حيث قام بتقسيم المادة الرمادية من النخاع إلى 10 طبقات مميزة تبعاً لتوزع الخلايا والألياف العصبية فيها، وعرف هذا التصنيف بطبقات ريكسيد Rexed Laminae.

- الطبقات من 1-4 معنية بالحس خارجي الاستقبال Exteroceptive sensation: أو ما يعرف بالحس السطحي والذي يتضمن حس اللمس، والألم والحرارة.

- الطبقتان 5-6: معنيتان بالحس العميق Proprioceptive sensation: والذي يتضمن حس توضع المفاصل، حس الاهتزاز، حس إدراك الحركة Kinesthesia والمعني بحركة العضلات.

- الطبقة 7: تربط المغزل العضلي مع الدماغ المتوسط والمخيخ.

- تشكل الطبقتان 8-9 القرن البطني وتتضمن بشكل رئيسي عصبونات حركية تقوم محاورها بتعصيب العضلات الهيكلية.

- أخيراً نصل إلى الطبقة العاشرة إلى تحيط بالقناة المركزية وتتضمن الخلايا العصبية الدبقية Neuroglia.

يُنجز النخاع الشوكي مهمامه الرئيسة من خلال التواصل مع كل من الدماغ ومختلف أنحاء الجسم ويتم ذلك من خلال عدد من السبل العصبية:

1-السبل الداخلية Intrinsic pathways: وهي مسؤولة بشكل رئيسي عن الربط بين مستويات النخاع الشوكي.

2.الألياف العصبية الطويلة الصاعدة الحسية Ascending sensory tracts: تتواجد هذه السبل في جميع الأعمدة، تنشأ بداية من الخلايا العصبية المتواجدة في أعمدة النخاع لتصنع بصعودها اتصالات مشبكية مع الخلايا العصبية في نوى جذع الدماغ والمخيخ والجزء الظهري (الخلفي) من المهاد.

نذكر من تلك السبل:

1. الأعمدة الخلفية Posterior columnsالمسؤولة عن حس الوضعة والاهتزاز واللمس التمييزي.

2. السبيل النخاعي المهادي الوحشي Lateral spinothalamic tract المسؤول عن حس الألم والحرارة واللمس الخشن.

3. السبيل النخاعي المهادي الأمامي Anterior spinothalamic tract المسؤول عن حس اللمس الخفيف.

4. السبيل النخاعي الشبكي Spinoreticular tract مسؤول عن اليقظة والانتباه واستقبال الألم.

5. السبيل الشوكي المخيخي: والتي تنقل الحس غير الواعي عن وضعية ومقوية العضلات.

3. الألياف العصبية الطويلة النازلة Descending motor tracts: تتواجد هذه السبل فقط في الأعمدة الأمامية والوحشية ، تنشأ من القشرة المخية وبعض نوى جذع الدماغ لتصنع لاحقاً مشابك عصبية في المادة الرمادية من النخاع.

يعد السبيل النازل الأكبر والأهم بينها هو السبيل القشري النخاعي Corticospinal tract: وإذا تتبعنا مسيره لوجدنا أنه يبدأ من القشرة المخية وأثناء نزوله يشكل السويقة المخية Crus cerebri في الدماغ المتوسط Midbrain، ثم الأهرمات Pyramids في مستوى البصلة السيسائية لينقسم هذا السبيل عند اتصال البصلة مع النخاع إلى قسم وحشي يعبر إلى الجهة المقابلة من النخاع وقسمين أمامي وأمامي وحشي لا يتصالبان.

أما السبل الناشئة من جذع الدماغ فهي مسؤولة بشكل رئيسي في ضبط مقوية الوضعة Postural tone، ومن تلك السبل نذكر:

1- السبيل السقفي النخاعي Tectospinal tract الذي ينشأ من الأكيمة العلوية وتعد أليافه مسؤولة عن الحركات الانعكاسية الوضعية استجابة للمنبهات البصرية والسمعية.

2- السبيل الحمراوي النخاعي Rubrospinal tract: ينشأ من النواة الحمراء ويقوم بضبط المقوية العضلية لمجموعة العضلات العاطفة.

3- السبيل الدهليزي النخاعي Vestibular spinal tract: يبدأ من النواة الدهليزية الوحشية ويتحكم بالعصبونات الحركية الرقبية.

4- السبيلان الشبكيان النخاعيان الجسري والبصلي Reticulospinal tracts: مسؤولان عن تنبيه العضلات المحورية وعضلات الأطراف.

5- الحزمة الطولانية الأنسية Medial longitudinal fasciculi : والتي تعمل على تثبيط العصبونات الحركية الرقبية وتتحكم بحركة الرأس.

4. السبل العصبية الذاتية Autonomic pathways: تتحكم بوظائف التغوط، والتبول، والانتصاب.

بعض الاضطرابات التي تصيب النخاع الشوكي:

تتمثل الأسباب الأساسية لأذيات النخاع الشوكي بالرضوض والانتانات وتوقف التروية الدموية وانضغاط النخاع التالي للكسور الفقرية أو الأورام.

عموماً تتمثل الأعراض المرافقة لإصابة النخاع الشوكي بـ:

1. الضعف

2. فقدان الحس

3. تبدلات في المنعكسات الوترية

4. السلس البولي والبرازي

5. خلل الانتصاب

6. الشلل

7. ألم الظهر

ومن أبرز الحالات المرضية:

- النخاع المشقوق: وهو من أشيع عيوب الأنبوب العصبي، ينتج عن فشل انغلاق القناة الفقرية خلال الشهر الأول من الحمل وقد يترافق في الحالات الشديدة بتبارز جزء من النخاع عبر هذا الخلل مشكلاً قيلة سحائية أو قيلة نخاعية سحائية.

- تكهف النخاع: تشكل كيسي ضمن النخاع الشوكي يأخذ بالامتداد والتوسع مع مرور الوقت مسبباً أذيات عصبية متنوعة نتيجة للضغط على الألياف العصبية المجاورة.

- متلازمة الحبل الأمامي: والتي تنتج عن إقفار الشريان النخاعي الأمامي وينتج عن ذلك شلل إلى الأسفل من مستوى الإصابة مع فقدان حس الألم والحرارة والاحتفاظ بحس اللمس والاهتزاز وحس الوضعة لسلامة الأعمدة الخلفية التي تتلقى ترويتها من الشرايين النخاعية الخلفية.

- متلازمة الحبل المركزي: يمكن أن تنتج عن تكهف النخاع أو موه النخاع أو الرضوض أو النزف أو الأورام داخل النخاع كالورم البطاني العصبي للقناة المركزية Central canal ependymoma. تعد هذه المتلازمة أشيع في مستوى النخاع الرقبي ولذلك فإن إصابة الطرفين العلويين هي الأبرز وعادة ما يأخذ الاضطراب الحسي للألم والحرارة توزعاً شبيهاً بالوشاح.

- متلازمة بروان سيكارد: تنتج عن قطع النخاع الشقي غالبا بسبب التعرض للرض، تتظاهر بشلل مع فقدان حس الوضعة والاهتزاز في الجهة الموافقة للإصابة، وفقدان حس الألم والحرارة في الجهة المقابلة.

- متلازمة ذيل الفرس والمخروط النخاعي: تتمثل إصابة ذيل الفرس باعتلال جذور متعدد في المنطقة القطنية العجزية مع ألم وتبدلات حسية جذرية التوزع وإصابة حركية من نوع العصبون الحركي السفلي واضطراب المصرات. وفي المقابل يعاني المصابون بأذيات المخروط النخاعي بخلل باكر في القدرة على ضبط المصرات.

- التهاب النخاع المستعرض: التهاب يصيب جانبي مستوى أو قطعة من النخاع الشوكي مسببا تخريباً للنخاعين وبالنتيجة خللاً في عملية النقل العصبي. تستمر هذه الحالة عادة ما بين عدة ساعات وعدة أسابيع.

المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا