الفلسفة وعلم الاجتماع > علم الاجتماع

مفهوم الضبط الإجتماعي

استمع على ساوندكلاود 🎧

يُعدّ الضبط الاجتماعيُّ مفهومًا أساسيًّا في علم الاجتماع، وقد بدأ ظهورُ هذا المصطلح في كتابات (إدوارد روس) عام (1901)، إذْ كان مستخدَمًا للإشارة إلى العمليّات التي توظّفها المجتمعات للتحكُّم في أنفسها.

لاحقًا، صار المصطلحُ يُوظَّف على نطاقٍ أضيقَ للإشارة إلى التحكم في الانحراف، والترغيبِ في الامتثال للمعايير الاجتماعيّة. وعلى نحوٍّ أدقّ، تُعَرِّف معاجمُ علمِ الاجتماعِ الضبطَ الاجتماعيَّ على أنه يشمَلُ كلَّ العمليّاتِ الاجتماعيةَ، والمؤسساتِ، والطرائقَ التي تسفر عن إخضاع الأفراد، وتنظيم سلوكهم والسلوكِ الجمْعيِّ للمجتمع عامةً، أو تحاول ذلك.

بشكلٍ عامّ، يمكن لنا أن نفكر في المؤسّسة الاجتماعيّة، التي تشكّل صُلْب موضوع علم الاجتماع؛ على أنها: أنماطُ التأثير التي تتخلّل مجتمعًا ما. لذا؛ لا يصحّ الخلطُ بين مفهومَي المؤسّسة الاجتماعيّة والضبطِ الاجتماعيّ؛ فالضبطُ الاجتماعيُّ هو المنظور الذي يركِّز على مقدرة المؤسّسة الاجتماعيّة على ممارسة الضبط الذاتيّ.

يعمل الضبط الاجتماعيُّ على مستوياتٍ غيرِ رسميّة ورسميّة، إيجابيّةٍ وسلبيّة. فيتضمّن الضبطُ غيرُ الرسميّ:

1- الضبطَ الذاتيّ، الذي يوجد داخل الفرد ولو كان مصدرُه خارجيًّا؛ ولذا فهو اجتماعيّ. ويتضمّن الضبطُ الذاتيُّ السلوكيّاتِ المكتسَبةَ، والمعتقداتِ، والأخلاقَ، وما يُعرف عادةً بـ(الضمير).

2- الضبطَ الارتباطيّ، وهو سِمةٌ معتادة للتواصل اليوميِّ وجهًا لوجه مع الآخرين، ويتضمّن تعبيراتٍ وإيماءات؛ كالسخرية، والمديح، والثرثرة، والابتسامات، والنظرات المؤنِّبة، وأيَّ تعبيرٍ سلوكيٍّ إيجابيٍّ أو سلبيٍّ مُشابه.

يَكْبَحُ الضبطُ الاجتماعيُّ غيرُ الرسميِّ الأفرادَ عن إتيان السلوكيات التي قد تعدّ منحرفة، كما يحثُّهم على الإذعان والالتزام، بتطبيق قوانينَ إيجابيّة.

أما بالنسبة إلى الضبط الاجتماعيّ الرسميّ، فإنه يتخلّل الحياةَ اليوميّة على نطاقٍ أضيق، لكنّ تَبِعاتِه أعمقُ وأطولُ أمدًا في حياة الفرد والمجتمع، ويتمثّل في الضبط المؤسَّسِيّ.

- المؤسّسات:

نعني هنا بالمؤسّسات أيَّ مصدرٍ لنشاطٍ وسيطٍ بين الأفراد. وبذلك، فإن المنظماتِ والمؤسّساتِ الخاصّةَ والعامّةَ هي كلُّها مؤسسات، إذْ إنها تنظّم جوانبَ من سلوك الأفراد بصفتهم طرفًا ثالثًا، دونَ كونِها خاضعةً للنقاشات الثقافيّة. وغالبًا ما نميل إلى التفكير في نظام العدالة الجنائيّة، بما يتضمّنه من شرطةٍ ومحاكمَ وإصلاحيّات؛ على أنه المؤسسةُ الرئيسيّةُ للضبط الاجتماعيّ.

يستمدّ الضبطُ الاجتماعيُّ قوّتَه العظمى من امتلاكه السلطةَ التي تخوّله لمعرفة سلوكيّاتٍ وأشخاصٍ وأشياءَ معيّنة. يمكن لهذا الحقِّ في إصدار التعريفات؛ أنْ يَكْمُنَ في سلطةٍ مجرَّدة؛ كـ(القانون) أو (الإله)، في الوقت الذي تمثّله فيه سلطةٌ مؤسسيّة. تسمّي هذه المؤسساتُ، أو من يمثّلها من أشخاص غالبًا؛ المشكلةَ، وتحدِّد نوعها وكيفيّةَ التعامل معها. ففي مجتمعنا الحاليّ مثلًا، تَجري مواجهةُ مشكلة (المرض) عبر مؤسسة الضبط الاجتماعيّة المناسبة (المشفى أو العيادة)، بينما يمثّل الطبيبُ دورَ الوسيط في عملية الضبط الاجتماعيّ.

ويشكّل الضبطُ القسريُّ (Coercive Control) نقيضَ الضبط الاجتماعيّ (Social Control)، ويُقصَد بالضبط القسريِّ المؤسسةُ الاجتماعيةُ التي تستند بشكل أساسيٍّ إلى القوّة، واللجوء إلى العنف. من ناحية أخرى، يجب التأكيد على أن أيَّ نظام اجتماعيّ، بما في ذلك المجتمعاتُ التي تطبِّق سبلَ ضبطٍ اجتماعيٍّ فعّالةً نسبيًّا؛ يتطلّبُ توظيفَ شكل من أشكال القسريّة، لكنها في هذه الحال، تكون مفروضةً عبر مجموعة من المعايير المشروعة والمتعارَف عليها في المجتمع.

المصادر:

1- هنا/AfterFoucault.pdf

2- Deviance and Medicalization: From Badness to Sickness by Peter Conrad and Joseph W. Schneider

3- Social Control and Human Rights by International Council on Human Rights Policy

4- Sociological Theory and Social Control by Morris Janowitz، American Journal of Sociology