العمارة والتشييد > عمارة افتراضية ورقمية

أربع طرق للواقع الافتراضي ستغِّير الطريقة التي نمارس بها الهندسة المعماريَّة - الجزء الثاني

استمع على ساوندكلاود 🎧

سنستكمل معاً المناهج والبرمجيات التي اعتمدتها مجموعة CarrierJohnson + CULTURE وعملت على تطويرها والتي عدَّدنا بعضها في المقال السَّابق:

3. الحالات المعزِّزة للواقع الافتراضي

لم يكن جهاز Google Cardboard VR من غوغل المرَّة الأولى التي تُستخدم بها التكنولوجيا من أجل وصل الفجوة بين فهم التصميم والوضع الحالي للمشروع على المقياس الكامل. حيث بمزج استخدام تطبيقات الواقع الافتراضي مع حسَّاسات الأجهزة الذكيَّة نستطيع تحديد موقع المشاريع من خلال برمجيَّات التصميم ونشر هذه المشاريع إلى المكان المناسب لها في العالم حيث يصبح بالإمكان استعراضها ومشاهدتها عبر برامج الواقع الإضافي. تسمح هذه القدرة للمصممين بتصوُّر المشروع في الموقع كما تصوِّره شاشة الهاتف أو الجهاز اللوحي المحمول والقيام بجولة في مقترح المشروع.

وبينما نستفيد من تقنيّة الواقع الإضافي من أجل تصوُّر التصميم في المراحل الأوليَّة ومراحل وضع الفكرة للمشاريع المختلفة، يمكننا أيضاً استخدام برامج نمذجة معلومات البناء BIM للهاتف مثل BIM360 Glue/Field من أجل تنسيق وتصوُّر النموذج الثلاثي الأبعاد بواسطة الأجهزة اللوحية في الموقع خلال عمليَّة التشييد. فبينما ساعدت هذه الأدوات على تسهيل التنسيق وإيجاد حلول للمشاكل على أرض الواقع، فقد وجد أنَّ القدرة على تضمين المعلومات ثلاثيَّة الأبعاد في الرسومات المساعدة خلال عمليَّة تقييم التصميم هو أمر مفيد للغاية. فعبر دمج مشغِّلات الواقع الإضافي مثل رموز ال QR مع أجهزة الرَّسم يستطيع المعماريُّون ربط رسومات وتفاصيل معيَّنة كي يستطيع المتعهدون استعراض نماذج ثلاثيَّة الأبعاد لهذا الرسم المحدَّد أو التفصيل. أدَّت عمليَّة قص ونشر تفاصيل ثلاثيَّة الأبعاد معيَّنة إلى فهم أعمق للتصميم من قبل المتعهدين والمقاولين ممَّا يسهِّل عمليَّة التنسيق وحلّ المشاكل في الموقع.

4. التحكُّم الإيمائي:

بفرض قدرة المعماريين على الرَّسم بالمقياس الحقيقي، قامت مجموعة التصميم التقني (CarrierJohnson + CULTURE's)

باستطلاع عدَّة منهجيات للإدخال. تسمح هذه الأدوات للمصمِّمين بالمشاركة الفعَّالة بشكل أكبر في المشروع في مرحلة التصميم. حيث استغلَّ المطوِّرون حقيقة أن إنتاج النماذج الرقميَّة في السنوات الأخيرة أصبح أكثر سرعةً من انتاج النماذج الماديَّة.

قامت المجموعة في محاولة منها لإشراك المصممين في صنع المشروع دون الحاجة للإدخال بواسطة لوحة المفاتيح أو الفأرة، بتقييم مجموعة متنوِّعة من متتبعات الحركة مثل Microsoft Kinect وأجهزة الإدخال الإيمائي مثل Leap Motion. هذه المنتجات تخلق تفاعل افتراضي بين أيدي المصمم والمنصَّات البرمجيَّة المختلفة المستخدمة في عملية التصميم.

حيث استطاعوا إنشاء خريطة من الحركات الإيمائيَّة التي يمكن ترجمتها للأدوات الشَّائعة، عبر الاستفادة من حساسيَّة الإدخال الموجودة في كاشف Leap Motion والتَّطبيقات البرمجيَّة مثل Gamewave.

يسمح سير العمل باستخدام التحكُّم الإيمائي بتفاعل مبتكر وقدرة خلق بين المصمِّم والعناصر في برنامج التصميم. لقد أعطتنا الإضافات مثل Firefly لبرنامج Grasshopper/Rhino3D و Gamewave لبرنامج Sketchup المرونة اللازمة لخلق تعريفات مخصَّصة ومخطوطات تستخدم أيدي المصمِّم وأصابعه كوحدات إدخال وتتحكم بالكاميرات داخل برنامج التصميم في حين تتلاعب بنفس الوقت بالتصميم بطريقة أكثر سهولة وتفاعلية من وحدات الادخال التقليدية كلوحة المفاتيح والفأرة.

ماذا يحمل لنا المستقبل؟

على الرغم من أن تقنيَّة الواقع الإفتراضي موجودة منذ أربعين عاماً إلا أنَّ انتشارها واستخدامها في مجال العمارة والتشييد يعتبر ظاهرة جديدة. وقد وجد التقنيون في CarrierJohnson + CULTURE مستويات متنوعة من التطبيقات الناجحة لهذه التقنيات ودمجها مع سير العمل بالإضافة لإيجاد منهجيات عمل جديدة. كما استطاعوا زيادة تأثير مجموعة من تقنيات الواقع الافتراضي والإضافي في تطبيقات العمارة والتشييد لمشاريع محدَّدة في المكاتب. فمثلاً، خلال عملية تصميم مبنى المشاة الغربي في مشروع West Pedestrian Building at the San Ysidro Land Port of Entry، تم إنشاء نموذج BIM شامل كوسيلة لتحقيق اشتراطات العميل بالإضافة للرَّغبة في خلق بناء افتراضي للمشروع قبل الإنشاء الفعلي. حيث لم يساعدنا نموذج معلومات المشروع بالقيام بتنسيق تصميم المبنى والأنظمة فقط، بل ساعد في مشاركة العميل في فهم أعمق للمشروع من خلال إستخدام تقنيات الواقع الافتراضي والإضافي المتاحة. استمر استخدام هذه التقنيات خلال مرحلة الإنشاء عبر التنسيق الافتراضي مع المقاولين وتعزيز وتدعيم الواقع الحقيقي بالافتراضي الذي تزامن مع تغيرات التصميم الضروريَّة في الموقع، ممَّا يسمح للمشروع أن يمضي قدماً بالجدول الزمني المخصَّص له ويقلِّل عدد المشاكل في الموقع وطلب المعلومات وتغييرات المشروع.

ولكن يبقى هنالك عدد من العقبات التي يجب معالجتها قبل المسارعة لارتداء نظَّارات الواقع الافتراضي والعمل من مكاتبه مع الخوذة الخاصة. فالتقنيات المستخدمة في المكتب والموقع لا تعتمد فقط على النماذج ثلاثية الأبعاد ومنَّصات البرمجيَّات المختلفة، بل تعتمد أيضاً على قدرة الأجهزة على جمع البيانات بدقَّة خاصَّة فيما يتعلَّق بوضعيَّة المستخدم واتجاهه ووجهة نظره وذلك من أجل خلق تجربة مميَّزة وقابلة للتصديق.

وبينما تحيط البيانات المستخدم ببيئة الواقع الافتراضي، فإنها تتركة غير قادر على التفاعل مع البيئة الماديَّة بحد ذاتها. فللوصول لمرحلة تمكِّننا من التعديل على الفراغ ضمن البيئة الافتراضيَّة، ما يعني ضرورة التحكم بعمليات الادخال لإنشاء النماذج، وهو ما يخلق مشكلة للمستخدمين الذي يرغبون بالتفاعل مع البيئة الإفتراضية بمستويات أعمق من مجرد الاستعراض والحركة، أولئك الذي يرغبون بالتلاعب بالعناصر وبالفراغ بحدِّ ذاته. وحتى يتمكن مطورو تقنية الخوذة ذات الحسَّاسات من توفير أساليب الإدخال المتنوعة والتي يجري تطويرها حاليَّاً في متناول المستخدم، فإن فريق التصميم استكشف عدة منهجيَّات لتراكب وتشابك المنصات الفرديَّة المذكورة سابقاً لخلق بيئة تصميميَّة فريدة.

تحديات أُخرى واجهت المجموعة في محاولتها لدمج هذه التقنيات ومزامنتها لسير عمل متماسك، والذي يرجع لنقص الدَّعم المحلِّي للأجهزة في معظم منصَّات التصميم المستخدمة حالياً. فباستخدام معدّات تطوير البرامج ل Oculus Rift وLeap Motion يمكنهم خلق بروتوكولات متخصِّصة ومنهجيَّات تمكنهم من دمج وحدات الإدخال المعتمدة على التقاط الحركات مع بيئة الواقع الافتراضي، ما يسمح ليد المستخدم بأن تصبح فاعلة في الفضاء الافتراضي بالإضافة لتحكُّمها ببعض وظائف التصميم. هذه الأساليب الجديدة لا تقتصر على السَّماح للمستخدم بخلق شكل الفراغ فقط عبر تقنيات التصميم بالإيحاء المتعلَّمة سابقاً بل أيضاً تسمح باختبار تداعيات هذه التغييرات الفراغيَّة أثناء التواجد في البيئة الافتراضيَّة. هذا العمل هو تقدير تقريبي لما نشعر أنه مستقبل بيئات النمذجة والتصميم الغامر.

تعتبر هذه التحديات كبيرة ولكن من الممكن التغلب عليها، ولنواجه الأمر فقد تطوَّرت أعمال الرسم والنمذجة بشكل لافت منذ الدراسات المنظوريَّة في عصر النهضة كوسيلة أساسيَّة لاستكشاف وتمثيل وإيصال الأفكار المعماريَّة. إن أخذ الواقع الافتراضي وأدواته الإيمائيَّة بعين الاعتبار، يساعدنا على توصيف فعل الرَّسم في القرن الواحد والعشرين كسلسلة متَّصلة من المنهجيَّات التي بدأت في عصر النهضة وانتقلت عبر القرن التاسع عشر (الهندسة الوصفية) من ثم إلى بدايات القرن العشرين والمنظور الايزومتري (axonometric) ولغاية نهاية القرن العشرين (التدوين البياني). أمَّا اليوم فهي تقف على مفترق طرق قاعدة البيانات.

من خلال هذه القراءة لتطوُّر التمثيل المعماري من الرَّسم إلى النماذج الغامرة، فنحن نفترض أنه يجب تجديد فهم دور الأداة التمثيليَّة في التصميم المعماري في العالم افتراضي المتزايد.

hr />

المصدر:

هنا