الطب > طب الأطفال

التهاب القُصيبات الشَعريّة Bronchiolitis

استمع على ساوندكلاود 🎧

يعدُّ التهابُ القُصيبات الشعريةِ من الإنتانات التنفُّسية السفلية الشائعة التي تصيب بشكل أساسي الرُّضَّعَ وصغارَ الأطفال تحت عمر السنتين، وتكون ذروة حدوثها في عمر 3 إلى 6 أشهر، وهناك احتمالٌ ضعيفٌ لإصابة الذكور أكثر من الإناث. يحتاجُ 2-3% من الحالات للاستشفاء الذي يُشكّلُ 17% من مجمل حالات استشفاء الرضع، ويعدُّ الفيروسُ المِخْلوي التنفسي RSV المسببَ الرئيسيَّ للإصابة التي تحدث بشكل أساسي في فصل الشتاء وأوائل الربيع (بين شهري تشرين الثاني ونيسان) مترافقةً مع جائحات RSV، ويُمكن أن تتكرَّرَ الإصابةُ أكثرَ من مرة حتى خلال الموسم الواحد.

الأعراض والعلامات السريرية:

يتطوَّر التهابُ القُصيبات الشعرية عادةً بعد يوم إلى ثلاثة أيام من ظهور أعراض الزكام التي تتضمن الاحتقانَ وسيلانَ الأنف وسعالاً خفيفاً وارتفاعَ درجة الحرارة ونقصَ الشهية، ومع تطوُّر العدوى تصابُ الطرقُ التنفسية السفلية، وقد تظهر الأعراض التالية:

- تسرُّعُ التنفس (60-80 مرة/دقيقة) مع صعوبة تنفس متوسطة إلى شديدة (عسرة تنفسية).

- السعالُ الذي قد يستمرُّ 14 يوماً أو أكثر.

- أزيزٌ wheezing (يشبه الصفير، وينجمُ عن مرور الهواء في القُصيباتِ التنفسية المُتضيقة).

- ارتفاعُ درجة الحرارة بين 38 – 39 درجة مئوية.

- صعوبةُ الإرضاعِ والتغذيةِ ما قد يؤدي لحدوث التجفاف.

- قد تترافق مع التهاب الأذن الوسطى.

في الحالات الشديدة يحدثُ هِياجٌ وزرقةٌ - تنجمُ عن نقص الأكسجة النسيجية - وإنهاكٌ مع علاماتِ ضائقةٍ تنفسيةٍ تتجلَّى بالزَّلة التنفسية الشديدة (تسرُّع تنفس) مع طحّة :Grunting) الصوتُ الناتجُ عن الجَهد التنفُّسي أثناء الزفير)، ورقصِ خِنَابتي الأنف (Nasal flaring: تحرُّك جناحي الأنف لزيادة دخول الهواء)، وسحبٍ وَربي (Intercostal retractions: انسحابُ المسافات بين الأضلاع للداخل بسبب استخدام العضلات المساعِدة في جدار الصدر)، وقد تحدث نُوَب توقف التنفس وخاصة في الأعمار الصغيرة (تحت عمر الشهرين).

(صورة توضّح رقص خنّابتي الأنف)

(صورة توضّح السحب الوربي)

الأسباب:

كما أسلفنا، يُعدُّ الفيروسُ المِخْلَوي التنفسي RSV السببَ الأشيع للإصابة بالتهاب القُصيبات الشعرية، كما يُمكن لفيروساتٍ أخرى أن تتسببَ الإصابةَ كالفيروسات الغُدّية، وفيروسِ الأنفلونزا وفيروسِ نظير الأنفلونزا، ويُمكن للعدوى أن تنتقلَ عن طريق:

- القُطيرات التنفسية الحاملة للفيروس (التي تخرج مع العطاس والسعال).

- الأيدي والألعاب أو الأشياء الملوثة بالقُطيرات التنفسية، وذلك عندما يحدث التماس مع الأغشية المخاطية للطفل (الغشاء المخاطي للفم أو الأنف أو العين).

وهنا تظهرُ أهميةُ غسيل اليدين جيداً، أو استخدامُ معقماتِ الأيدي قبل التعامل مع الرضع.

الآلية الإمراضية:

عند إصابة الطرق التنفسية السفلية بالعدوى يحدث التالي:

- ازديادُ إفرازِ المُخاط من المخاطية التنفسية الملتهبة.

- تقبُّضُ القُصيبات التنفسية (قطرها في الحالة الطبيعية أقلُّ من 2مم) وانسدادها.

- تجمُّع حطامِ الخلايا المخاطية ضمن لُمعة القُصيبات.

- وذمةُ جدار القُصيبات الناجمة عن ردّ فعل تحسسي مناعي.

- احتباسُ الهواء، وقد يحدث الانخماص الرئوي.

عوامل الخطورة:

- الخداجةُ (المواليد بعمر أقلَّ من 37 أسبوع حملي).

- وجودُ أمراض قلبية رئوية.

- العوزُ المناعي.

- التعرُّضُ للتدخين.

- عدمُ الاعتماد على الرضاعة الطبيعية.

- الاختلاطُ مع أطفال آخرين كما في دُور الحضانة.

التشخيص:

يعتمدُ التشخيصُ بشكل أساسي على القصة المرضية والفحص السريري، ومن غير الضروري عادةً في الحالاتِ البسيطة إجراءُ صورةٍ شعاعيةٍ بسيطةٍ للصدر أو إجراءُ تحليل للدم.

المضاعفات:

في معظم الحالات، يكون المرضُ خفيفاً ويَشفى تلقائياً، ولكن قد تحدثُ بعض المضاعفات عند مُضعَفي المناعة وذوي الأمراض القلبية الرئوية:

- متلازمةُ الضائقةِ التنفسيةِ الحادة ARDS.

- التهابُ القُصيبات السادّ (أي الذي يحدث فيه انسدادٌ تامٌ للقُصيبات).

- قصورُ القلب الاحتقاني.

- الإنتانُ الثانوي.

- التهابُ العضلة القلبية.

- اللانظمياتُ القلبية.

- الداءُ الرئوي المزمن CLD.

العلاج والتدبير:

نتيجةَ عدمِ توفرِ علاجٍ نوعي للفيروس المُسبب، يعتمدُ العلاجُ على تخفيف الأعراض وتوفير الأوكسجين الكافي الرطب والإماهة الجيدة (إعطاء السوائل لمنع التجفاف)، وهنا نشيرُ إلى أنَّ استخدامَ الصاداتِ الحيويةِ غيرُ مفيد – إلَّا في الحالات المختلِطة بإنتان بكتيري ثانوي كما هو الحال في ذات الرئة – لكونِ الفيروس لا يتأثر بها. وعلى الرَّغم من الاستخدام الشائع للموسِّعات القصبية مثلُ منبهاتِ بيتا (ألبوتيرول الذي يؤخذ إرذاذاً) فإنَّها غيرُ معتمَدةٍ كعلاجٍ روتيني لعدم توافر أدلةٍ مقنعةٍ على فعاليتها.

كما أنَّه لا يُنصح باستخدام الستيروئيدات القشرانية الفموية والعلاجِ الفيزيائيّ بها في حالات التهاب القُصيبات الشعرية - رَغم أنَّها تُعتمَدُ في بعض البلدان - ولا يُنصح أيضاً باستخدام مضاداتِ السُّعال والاحتقان، وكذلك المُركِّناتِ (مُهدّئات ومُسكنات) التي قد تُخفي الأعراضَ الناجمةَ عن نقصِ الأكسجة وصعوبةِ التنفس.

ومن الجيد اتباع ما يلي في المنزل:

- توفيرُ واردٍ إضافي من السوائل سواءٌ من حليب الأم أم الحليبِ الصناعي أم سوائل الإماهة الفموية، خاصةً للرضع تحت عمر السنة.

- ترطيبُ جوّ الغرفة التي يبقى فيها الطفل.

- توفيرُ راحة الطفل.

- منعُ التدخين نهائياً في مكان وجود الطفل.

يُوصى بالاستشارة الطبية العاجلة عند:

- وجودِ صعوبة في التنفس.

- تطورِ تسرُّعِ تنفُّس لدى الطفل.

- وجودِ علاماتِ شدة تنفسية (رقصُ خِنَابتي الأنف والسَّحب الوربي).

- الإصابةِ بزكام مع تدهور مفاجئ لحالة الطفل.

- إصابةِ الطفل بالإنهاك.

- تطورِ زرقةٍ في الأظافر أو الشفاه.

- نوباتِ سعالٍ شديدة.

- وجودِ صعوبةٍ في التغذية.

- الترفعِ الحروري.

- عمر الطفل أقلّ من ستة أشهر.

إذ يتمُّ في المشفى تأمينُ الإماهة الوريدية، وتحسينُ التقبُّل الفموي، مع توفير الأوكسجين الرطب عند مستوى أكسجةٍ نسيجيةٍ أقلّ من 90%، واستخدامُ المحلول الملحي النظامي كنقط أنفية أو عن طريق الإرذاذ، واستخدام الموسعات القصبية الإنشاقية فقط في حال أبدت الحالة تحسناً ملحوظاً باستخدامها، والسيطرةُ على الترفُّع الحروري، بالإضافة إلى المُراقبة المستمرة والقدرة على التدخل المباشر في حال التدهور ( في الحالات الشديدة التي يتطور فيها الإنهاكُ ويتوقَّف التنفُّس، يتمُّ استخدامُ أجهزةِ التنفُّس الاصطناعي).

الوقاية:

- تجنُّبُ التدخين في المنزل.

- التركيزُ على غسل اليدين المتكرر.

- استخدامُ معقمات الأيدي الكحولية.

- تجنُّبُ الاختلاط مع البالغين والأطفال المُصابين بالإنتانات التنفسية العلوية، وعدمُ إرسال الأطفال المُصابين إلى دُور الحِضانة أو المدرسة لتجنُّب عدوى الآخرين.

- اللِّقاح السنوي ضدَّ الأنفلونزا لكلِّ شخصٍ بعمرٍ أكبرَ من ستة أشهر، وخاصة الذين يعتنون بالأطفال ممن هم تحت سنّ الخامسة.

- إعطاءُ (Palivizumab) للرضَّع في حالِ وجودِ عوامل خطورة مثلُ وجودِ أمراض قلبية أو رئوية، إذ يقي هذا الصاد الحيوي من العدوى الشديدة بالفيروس المِخْلَوي التنفسي التي تتطلب الاستشفاء.

أظهرت بعضُ الدراسات ارتفاعَ نسبةِ الإصابة اللاحقة بالربو في حال الإصابة بالتهاب القُصيبات الشعرية، دونَ أن تُحدّدَ تماماً فيما إذا كان عاملُ الخطورة للإصابة بالربو هو التهابُ القُصيبات الشعرية أو عواملُ خطورة أخرى (كالاستعدادِ الوراثيّ أو وجودِ محفزاتٍ بيئية كالتدخين)، ولما كان من الصعوبة تحديدُ سببِ النوبة الأولى من الأزيز (هل هو التهابُ قصيباتٍ شعرية أم ربو) فإنَّه ينبغي اللجوءُ إلى البحث عن قصةٍ شخصيةٍ أو عائليةٍ لوجود التهاب الأنف التحسسي أو الأكزيما أو قصة عائلية لوجود الربو تدعمُ تشخيص الربو.

وفي النهاية، نُذكّر أنَّ التهابَ القُصيبات الشعرية عند الرُّضع وصغار الأطفال ينجمُ عن عدوى فيروسية تتسبَّب بتشنُّجٍ وتضيُّق في القُصيبات التنفسية، ما يؤدي إلى ظهورِ أعراض كالسعال وتسرُّع التنفس. تكون المعالجةُ عرضيةً (أي تهدف إلى معالجة الأعراض) مع التأكيد على مراجعة الطبيب عند أي من الحالات التي ذُكرت أعلاه، والتركيزِ على أهمية غسل اليدين المُتكرر في تقليل فرص العدوى.

المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا