الطب > ‫‏كيف يعمل جسم الإنسان‬؟

سلسلة "كيف يعمل جسم الإنسان؟" - الجهاز العصبي: الدماغ (الجزء الأول)

استمع على ساوندكلاود 🎧

الدماغ العضو العجيب، مركز الأفكار والمشاعر كما أنه مركز القيادة في الجسم البشري. سنحاول قدر الإمكان أن نغوص معاً في هذا المركز لنتعرف على أسراره، مما يتركب وكيف يقوم بهذا الكم الهائل من الوظائف... تابعوا معنا:

الجزء الأول

يشكل الدماغ البشريُّ مركزَ الأفكارِ والمشاعرِ، كما أنه "مركزُ قيادةِ" الجهاز العصبي المركزي، حيث يتلقى المعلوماتِ من الأعضاءِ الحسيةِ في الجسد وبعد معالجتها يرسل أوامره إلى العضلاتِ والغدد المختلفة. يمتلك الدماغ البشري بنيةً مشابِهةً لبنيته لدى الثدييات الأخرى، إلا أنه أكبرُ حجماً عند مقارنته نسبته إلى حجم الجسدِ مع الثدييات الأخرى كما أنه أكثر تعقيداً.

إليكم بعض الحقائق عن الدماغ البشري:

• يبلغ وزن الدماغ حوالي الـ 1.5 كغ.

• يشكل الدماغ 2% من وزن الجسم.

• يشكل المخ 85% من وزن الدماغ.

• يحتوي الدماغ على 86 مليارَ خليةٍ عصبيةٍ "عصبونات" تشكل بمجموعها المادة الرمادية.

• يحتوي على ملياراتِ الأليافِ العصبيةِ "الاستطالات والمحاور" تشكل بمجموعها المادةَ البيضاء.

• ترتبط تلك العصبونات مع بعضها البعض بمليارات ومليارات المشابكِ العصبية.

• يتكون الدماغ من نصفيّ كرةٍ مخية، يتحكم النصف الأيسرُ منها بحركات النصفِ الأيمن من الجسد، بينما يتحكم نصفُ الكرةِ المخيةِ الأيمنِ بحركات النصف الأيسر من الجسد.

سنتناول في هذه الدراسة:

1. تطور الدماغ.

2. التطور الجنيني للدماغ.

3. البنية النسيجية التي تؤلف الدماغ.

4. أجزاء الدماغ الرئيسية.

5. اضطرابات ومشاكل الدماغ.

تطور الدماغ:

تبدأ قصتُنا في المحيطات القديمة جداً، في زمن بعيدٍ جداً قبل ظهور الحيوانات الأولى على سطح الأرض، حيث وُجِدت العضويات وحيداتُ الخليةِ التي قامت بالسباحة أو الزحف، لم تمتلك تلك العضويات دماغاً على الأغلب، إلا أنها امتلكتْ آلياتٍ معقدةً بما فيه الكفاية للتفاعلِ والتجاوبِ مع بيئتها المحيطة. تلك الآلياتُ تطورتْ عبر ملايين وملايين السنين بتأثير قوانينِ الطبيعةِ والتطورِ وصولاً إلى تشكل أدمغة الثدييات التي جاءت أكثرَ تعقيداً وتخصصاً، وعلى رأسها جاء الدماغ البشري والذي يُعتبر أكبرَ أدمغة الفقارياتِ نسبة إلى حجم جسمها.

التطور الجنيني للدماغ:

يتطور الجنينُ البشريُّ بدءاً من اجتماعِ نطفةٍ ذكريةٍ مع بويضةٍ أنثوية.

خلال الأشهر التسع اللاحقة، تمرُّ العضويةُ الصغيرةُ تلك بسلسلة من التطورات المتعاقِبة التي تلخِّص بفترةٍ زمنيةٍ قصيرة جداً كاملَ التطورات التي تمر بها الفقاريات كافة.

تنقسم البيضة الملقحة لاحقاً إلى خليتين، ثم 4 فـ 8، 16، 32 ومن ثم تشكّلُ ما يسمى بالكيسة الأريمية أو blastocyst.

يتطور الجنينُ بعدها في 3 طبقات: الأديم الباطن Endoderm، الأديم المتوسط Mesoderm، والأديم الظاهر Ectoderm.

يتكون الجهازُ العصبيُّ بما فيه الدماغُ من طبقةِ الأديم الظاهر، وتبدأُ المراحلُ الأولى للجهازِ العصبيِّ البشري بما يسمى الأنبوبَ العصبيّ، ومن ثم المسمَّ العصبي Neuropores.

بعد ذلك تبدأُ المراحلُ الأولى للدماغ بالتشكل على هيئة أنبوب مكون من 3 حويصلاتٍ أساسيةٍ، ومن ثم 5 حويصلات تأخذ بالتطورِ، وصولاً إلى الدماغ البشريِّ والجهازِ العصبيِّ كما نعرفهم "الدماغ، النخاع الشوكي، الأعصاب المحيطية".

البنية النسيجية للدماغ:

تعد معرفة البنية النسيجية للدماغ جانباً هاماً جداً عند محاولة التشخيص الدقيق لاعتلالات الدماغ.

يقع دماغُنا داخلَ الجمجمة، مما يجعلنا نعتقد أنه في خطرِ الارتطامِ الدائمِ بها والأذية، إلا أن الدماغَ البشريَّ محميٌّ عن الجمجمة بـ 3 طبقاتٍ تشكل عازلاً وصلةَ وصلٍ في الوقت ذاته "الأم الجافية – الغشاء العنكبوتي – الأم الحنون":

1- الأم الجافية "الطبقة الخارجية":

عبارةٌ عن نسيجٍ غنيٍّ بالأليافِ الكولاجينيةِ، وتتكون بدورِها من طبقتين:

أ‌. الأم الجافية حول العظمية (حول سمحاق العظم): تلتصقُ بقوةٍ مع القسمِ الداخليِّ من الجمجمةِ "الطبقة الداخلية من الجمجمة" وتحتوي على: خلايا سليفةِ العظم، أروماتٍ ليفيةٍ، حزمٍ كولاجينية، أوعية دموية.

ب‌. الأم الجافية السحائية: تحتوي على: أرومات ليفية، حزم كولاجينية، أوعية دموية صغيرة.

2- الغشاء العنكبوتي:

يتكون الغشاء العنكبوتي من منطقتين:

أ‌. المسافة تحت العنكبوتية: مسافات بين الترابيقِ العنكبوتيةِ مملوءةٌ بالسائل الدماغي الشوكي CSF.

ب‌. الزغابات العنكبوتية: مناطقٌ يثقبُ فيها الغشاءُ العنكبوتيُّ الأمَّ الجافية ليسمحَ للسائل الدماغي الشوكي بالمرور عبر الجيوب الوريدية فيها.

3- الأم الحنون "الطبقة الداخلية":

تتكون من طبقة رقيقة من الأرومات الليفيةِ المسطحة وشبكةٍ غزيرة من الأوعية الدموية محاطةٍ بألياف رقيقة من النسيج الضام.

تعمل الطبقات السابقةُ كلُّها على حمايةِ الدماغِ من جهةٍ وتزويدِه بالأوعيةِ الدمويةِ والأعصاب الضرورية لعمله.

تُقسَم القشرة المخية نسيجياً إلى 3 طبقات:

1- القشرة الحديثة Neocortex: وتشكل 90% من القشر الدماغي وتحوي 6 طبقات:

i. الطبقة الضفيرية أو الجزيئية.

ii. الطبقة الحبيبية الخارجية.

iii. طبقة الخلايا الهرمية الخارجية.

iv. الطبقة الحبيبية الداخلية.

v. طبقة الخلايا الهرمية الداخلية.

vi. الطبقة متعددة الخلايا.

2- القشرة القديمة Paleocortex: تغطي بعض الأقسام السفلية عند البصلة الشمية.

3- القشرة البدائية Archicortex: تساهم في تشكيل الحصين.

أجزاء الدماغ الرئيسية:

الجهازُ العصبيُّ جهازٌ معقد ودقيق يساعد الجسم في أداءِ وظائفهِ، ويُقسَم إلى جهاز عصبيّ مركزي CNS وآخرَ محيطيّ PNS. أما الجهازُ العصبيّ المركزي فيتألفُ من الدماغِ والنخاع الشوكي. ويتكون الدماغ من المخ والمخيخ وجذع الدماغ.

المخ:

يشكلُ المخ أكبرَ أقسامِ الدماغِ ويتحكم بوظائفَ غايةٍ في التعقيد، كاللغةِ والمنطقِ والحجةِ والإبداع. يُقسم الدماغ عبر شقّ طولي يمتد من بدايته إلى نهايته بشكل سهميّ يسمى "الشق الطولي" إلى نصفَيّ كرةٍ مخية أيمن وأيسر. يُقسَم نصفا الكرة المخيةِ بدورهِما إلى 4 أقسامٍ أو فصوصٍ "الجبهي، الجداري، الصدغي، القفوي" وتعود تسمية هذه الفصوصِ إلى اسم العظمِ المغطي لكل منها.

أما من الداخل فيحوي المخ أيضاً 4 بطينات، وهي أجوافٌ مملوءةٌ بالسائلِ الدماغيِّ الشوكي CNF وهي "بطينان جانبيان أيمن وأيسر – بطين ثالث - بطين رابع" تعمل على إفراز السائل الدماغي الشوكي.

يتكون الجهاز العصبي المركزي بشكلٍ عام من مادتين: المادةُ الرماديةُ وتحوي أجسامَ الخلايا العصبية، والمادةُ البيضاء وتحتوي استطالاتِ الخلايا العصبية "الأليافَ العصبية". تتوضع المادة الرمادية في المخّ والمخيخ من الخارجِ وتسمى "القشرة" في حين تتوضع في البصلة السياسائية والنخاع الشوكي من الداخل "اللب"، والحالة معكوسة في توضع المادة البيضاء.

تتكون القشرة المخية من الكثير من التلافيفِ المخية التي تنفصل عن بعضها بأثلامٍ صغرى وكبرى، وتلعب دوراً هاماً جداً في تفسيرِ الأحاسيسِ المختلفة وإعطاءِ الأوامر الحركية.

أما المادةُ البيضاءُ فتشكل بأحد أجزائها "الجسم الثفنيّ" جسراً يصل بين نصفيّ الكرة المخية ويسمح لهما بالتواصل معاً، كما تصل ألياف المادة البيضاء بين أجزاء نصف الكرة المخية الواحدةِ وتساعد على التواصلِ بينها أيضاً.

وعميقاً ضمن المادة البيضاءِ توجد بعضُ الأقسام الرمادية التي تشكل النوى القاعدية والجهاز الحوفي والوطاء وبعض البنى الأخرى. تتحكم النوى القاعدية بمكوناتها المختلفة بحركةِ العضلاتِ وتنظّمُها، وخصوصاً المهمات المتعلقة بتوتر العضلاتِ وتوضعها "وضعيتها" ولا وعي العضلات الهيكلية "كالاستجابة للمنعكسات الشوكية". أما الجهاز الحوفي فيحتوي على الحصين واللوزة اللذين يتحكمان بالذاكرة، البقاء "غريزة النجاة"، والعواطف. ويعد الجهاز الحوفي مسؤولاً عن الاستجابة السريعة للعواطف والمواقف المُفاجِئة والطارئة دون تحكم إراديٍّ من قبلنا.

يلعب الوطاءُ دوراً هاماً جداً في التحكم بدرجة حرارة الجسم والجوع والعطش وضغط الدم ونظم القلب وإطلاق الهرمونات، فعندما يتلقى الوطاء تنبيهاً بارتفاعِ درجةِ حرارةِ الجسم مثلاً يرسل تعليماته إلى الغدد العرقية لإفرازِ العرق وتعديل حرارة الجسم.

المخيخ:

بينما تتحكم القشرة المخية بالحركاتِ الطوعيةِ، يتحكم المخيخُ بعمليات توازنِ وتناسقِ حركات الجسم، إضافة إلى الحركاتِ غير الإرادية كحركات العينين. كما يلعب دوراً بسيطاً في بعض الوظائف المعرفية كالانتباه واللغات وينظم استجاباتِ الخوف والمتعة.

جذع الدماغ – Brain Stem

هو الجزءُ الخلفيُّ من الدماغِ ويُعَد استمراراً مع النخاع الشوكي.

يزود جذع الدماغ الوجهَ والرقبةَ بالتعصيبِ الحركيِّ والحسيِّ الرئيسي عبر الأعصاب القحفية، وعلى الرغم من صغر حجمه يلعبُ دوراً كبيراً في إيصالِ الأعصاب الحسية والحركية من الدماغ إلى بقيةِ أنحاء الجسم، كما أنه يلعب دوراً هاماً في "التصالب الحسي والحركي"، أي أن كثيراً من الحزم العصبيةِ الصاعدة والنازلة تتصالب في جذع الدماغ مكملة طريقها إلى الجانب الآخر.

الوظائف الرئيسية لجذع الدماغ:

1- يلعب جذع الدماغ كما ذكرنا دوراً في التوصيل، فكل المعلومات القادمة عبر الأعصاب من أعضاء الجسم باتجاه الدماغ أو المرسلة من الدماغ إلى أعضاء الجسم ستمر عبر جذع الدماغ.

2- الأعصاب القحفية 3-7 تنبثق مباشرةً من جذع الدماغ لتروي الوجه، الرأس والأحشاء.

3- يشارك جذع الدماغ بعدةِ وظائفَ تكامليةٍ تتعلق بالتحكم بالجهازِ القلبيِّ الوعائي والجهاز التنفسي، الحساسيةِ للألم، التنبهِ والوعي واليقظة، إضافة إلى تنظيمه لدورتيّ النوم والطعام. وبالتالي فأذيةُ جذع الدماغ خطيرةٌ جداً وقد تكون مهددةً للحياة.

يتكون جذع الدماغ بدوره من الأقسام التالية:

- الدماغ المتوسط Midbrain: تحتوي المادة الرمادية في الدماغ المتوسط على عصبوناتٍ تلعب دوراً في تخفيف الشعور بالألم "تسكين الألم"، وتمنعُ مرورَ تنبيهات الألم إلى الدماغ.

- الجسر Pons: تحتوي على حزم عصبية تنقل التنبيهات من المخ إلى البصلة السيسائية، إضافةً إلى حزم تحمل تنبيهاتٍ عصبيةً حسيةً إلى الوطاء.

- البصلة السيسائية Medulla Oblongata: تحتوي البصلةُ السيسائيةُ على المراكز العصبية القلبية والتنفسية والوعائية - التي تتحكم بضربات القلب ومعدلات التنفس والضغط الدموي - ومراكز الإقياء والأعصاب المحركة للأوعية – تقبضها وتوسعها -.

تناولنا في هذا الجزء الأجزاء التشريحية الرئيسية للدماغ، ولكيلا تشعروا بالملل سنكمل لاحقاً لنتعرف على كيفية قيام الدماغ بوظائفه العديدة.

المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا