البيولوجيا والتطوّر > التطور

كيف تحولت زعانف الأسماك إلى أصابع؟| تقنيات جديدة... ودليل على

استمع على ساوندكلاود 🎧

من المسائل الخلافية في علم الأحياء التطوري هي مسألة تطور زعانف الأسماك إلى أطراف في الحيوانات رباعية الأقدام، نظراً لاختلافهما من الناحية التركيبية ولندرة البيانات حول الآليات الخلوية والجزيئية التي أدت إلى تطورهما. من هنا، فإن دراسة وفهم تلك الآليات التي أدت إلى تحول أشعة الزعانف إلى أصابع أطراف (أمامية وخلفية) تمثل مسألة جوهرية في علم الأحياء التطوري.

أجرى علماء من جامعة شيكاغو في الولايات المتحدة تجارب مضنية حول هذا الأمر لثلاث سنوات باستخدام تقنيات تعديل جيني مبتكرة لتعقب تطور خلايا زعانف الأسماك، وبيّنوا أن تلك الخلايا التي تُكوّن أشعة الزعنفة هي نفسها تلعب دوراً محورياً في تكوين أصابع أطراف الحيوانات رباعية الأرجل. حيث أن تلك العظام المرنة الموجودة في نهاية الزعانف ذات صلة مباشرة بأصابع الأطراف الملائمة للعيش على اليابسة.

يقول عالم الحفريات والأحياء التطوري الأمريكي البروفسور نيل شوبين (Neil Shubin)، وهو اسم غني عن التعريف ولامع في مجال تطور زعانف السمكة إلى أطراف، ومؤلف كتاب (السمكة بداخلك: رحلة في تاريخ الجسم البشري، 2008)* ومؤلف مشارك في الدراسة الحالية: "عندما شاهدت هذه النتائج للوهلة الأولى، انتابني الذهول! فلعدة سنوات كُنّا نعتقد أن الزعانف لا تَمُتُّ للأطراف بأية صلة على الإطلاق، لأن عظام أحداهما تنشأ من الغضاريف والأخرى من نسيج رابط بسيط، ولكن هذه النتائج قلبت مفهومنا رأساً على عقب، نحتاج حقاً لإعادة التفكير من جديد".

ولدراسة عملية التحول هذه مختبرياً، استخدم الباحثون في مختبر "شوبين" سمكة الزرد (Zebrafish) كنموذج تجريبي، واستخدموا تقنية التعديل الجيني المعروفة باسم (CRISPR/Cas) بهدف إنتاج الطفرات الجينية وتعقب هذه العملية مختبرياً. وبهذا الصدد يقول الباحث آندرو جيرك (Andrew Gehrke): "إنها لشيء مذهل! لقد وجدنا أن الخلايا التي تُكوّن الرسغ والأصابع في الفئران والبشر موجودة في الأشعة الزعنفية للسمكة". وقد ركّز الباحثون على الجينات التي تُدعى بـ (Hox genes) وهي مجموعة من الجينات تُنظم النمو الجنيني من الرأس إلى الذيل أو من الكتف إلى أطراف الأصابع، وهذه الجينات ضرورية لتطور الأطراف، حيث تعقبوا الخلايا منذ مرحلة الإخصاب حتى أصبحت جزءً من الزعنفة المكتملة. وفي تجارب سابقة على الفئران، عندما حُذفت جينات (Hox) المسؤولة عن نمو الرسغ والأصابع فشلت الفئران في تنمية هذه التراكيب، وبالمثل، عندما حُذفت نفس الجينات في سمكة الزرد، أدى ذلك إلى اختزال شديد في طول الأشعة الزعنفية. وحسب تعبير أحد الباحثين المشاركين في الدراسة: "من المهم أن نرى تأثير إقصاء مجموعة من الجينات وليس جين واحد، وهذا هو الشيء الرائع حقاً". جدير بالذكر أنهم استخدموا المسح بواسطة جهاز (CT Scanner) الذي يسمح برؤية تفاصيل نسيجية لا يمكن رؤيتها بالمجاهر التقليدية، وقد أظهر المسح غياب الأشعة الزعنفية في حالة حذف جينات معينة ولكن هنالك زيادة في العظام الغضروفية الصغيرة للزعنفة.

العلامات على رسغ وأصابع رجل الفأر (على اليسار) موجودة في السمكة وتُقابل الأشعة الزعنفية (على اليمين)، حيث أن الرسغ والأصابع في الحيوانات رباعية الأرجل تُكافئ الأشعة الزعنفية في السمكة.

يعتقد الباحثون أن الطفرات التي أُنتجت في السمكة مختبرياً أدت إلى إيقاف عملية انتقال الخلايا من قاعدة الزعنفة إلى مكانها المعتاد قرب طرف الزعنفة، وعدم القدرة على الانتقال هذا يعني عدم وجود خلايا كافية لتشكيل الأشعة الزعنفية مما يؤدي إلى تجمع الخلايا عند القاعدة وبالتالي تكوين العناصر الغضروفية. ويقول (جيرك): "لقد احتجنا لاجراء تلك التجارب المعقدة لكي نقتنع بأن العلاقة الخلوية بين الزعانف والأطراف حقيقية".

ويخطط الباحثون لإرسال بعثات لجمع الأحافير (ومنها التيكتاليك: حلقة الوصل بين الأسماك البدائية وأوائل رباعيات الأطراف، التي أُكتشفتها شوبين وزملاؤه في عام 2006) التي تمثل الانتقال من الزعانف إلى الأطراف، كما يخططون أيضاً إلى مزيد من التجارب على جينات (Hox) لدراسة كيفية تكوين نفس المجموعة من الخلايا لتراكيب مختلفة في الأسماك والبشر.

* طالع مراجعتنا لهذا الكتاب من هنا: هنا

المصادر:

هنا

البحث الأصلي: هنا