التاريخ وعلم الآثار > الحضارة السورية

(إعادة إحياء) منحوتات سورية قديمة، ولكن في برلين!

استمع على ساوندكلاود 🎧

كان الدبلوماسي الألماني البارون ماكس فون أوبنهايم ينحدر من عائلة تمتهن العمل المصرفي في مدينة كولونيا، وبالإضافة إلى عمله الدبلوماسي كان أوبنهايم مستكشفا أثريا، ففي عام 1899 عثر على مقر إقامة حاكم آرامي يعود إلى بدايات الألف الأولى قبل الميلاد في موقع تل حلف ـ الذي تبين أنه يضم أطلال مدينة جوزانا الآرامية ـ والذي يعد واحداً من أبرز المواقع الأثرية المتميزة في الجزيرة السورية، والواقع قرب منابع الخابور ومدينة رأس العين في محافظة الحسكة السورية.

اكتشف أوبنهايم الموقع بينما كان يجري مسحا للمنطقة من أجل مد سكة حديد برلين- بغداد، إلا أنه لم يستطع البدء بالحفريات والتنقيبات مباشرةً، فعاد للتنقيب في الموقع بين عامي 1911 و1913 ومجدداً بين 1927 و1929. و أثمرت جهود التنقيب العظيمة في الموقع عن اكتشاف تحف وشواهد أثرية كثيرة ومتنوعة تعود إلى الألف الخامس قبل الميلاد (عصر حلف) وإلى الألف الأول قبل الميلاد (العصر الحديدي الثاني والثالث). وأثارت هذه المكتشفات ضجة كبرى ولاقت صدى واسعا، ولهذا أراد أوبنهايم عرض نتائج اكتشافاته على الجمهور كافةً وجَعلِها في متناول الأيدي لدارسي ومحبي الفنون والآثار، وكان حلمه أن يعَرضَها في متحف بيرغامون في برلين ولكنه فشل في ذلك، فقام في عام 1930 بافتتاح متحف خاص به والذي كان عبارة عن مصنع سابق وأسماه "تل حلف" نسبة للموقع الذي تمت فيه أعمال التنقيب الأثري.

الصورة 1: ماكس فون أوبنهايم مع "آلهة على العرش" والتي يبلغ عمرها 3000 عام، في مكتبه في متحف تل حلف، تموز 1930.

ولكن في ليلة واحدة خلال الحرب العالمية الثانية، حولت غارة جوية المتحف كله إلى خرابٍ ورماد، وبالتالي دُمّر كلّ ما أنجزه أوبنهايم.

ضربت قنابل الحلفاء المتحف في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1943 ما أدى إلى تشظي القطع الأثرية البازلتية، وعندما أُخمد الحريق بالمياه تحولت الآثار إلى ركام. جُمعت الشظايا من بين الأنقاض ثم وُضعت في أحد أقبية متاحف برلين لأكثر من 50 عاماً، وبقيت شبه منسية حتى انهيار جدار برلين في عام 1989.

الصورة 2: تحف تل حلف الأثرية بعد تحولها لشظايا بسبب الغارة الجوية.

توفي ماكس فون أوبنهايم في عام 1946 وكان يعتقد دائماً أنه قد يكون من الممكن ترميم التحف الأثرية التي دمرت . وفي عام 2001 بدأت أعمال الترميم المضنية للقطع الأثرية، إذ استغرقت تسع سنوات من العمل لتجميع أكثر من 27000 قطعة، فكان العمل أشبه بتجميع قطع أحجية عملاقة ثلاثية الأبعاد ومحاولة إعادة تجميع قرابة 60 تحفة أثرية لا تقدر بثمن. كانت بعض القطع صغيرة جداً بحجم الأظافر، بينما تجاوز وزن بعضها الآخر 1.5 طن. ومثال على ذلك تحطم إحدى تلك التحف إلى 1800 قطعة لوحدها.

الصور 3،4،5: مرممون يحاولون ترميم تحف تل حلف الأثرية، آب 2006

لم يتم استعادة التحف فقط، بل كما كان يهدف أوبنهايم من الأساس وصلت التحف أخيراً إلى متحف بيرغامون في برلين. ورأت النور مرةً أخرى وعُرضت على الجمهور في معرضٍ يحمل اسم "الآلهةُ المنقذةُ من قصرِ تل حلف". كما زينت تحف تل حلف الأثرية متحف بون في ألمانيا، ومن خلال جولة قصيرة في معرض يحمل اسم "مغامرة في تل حلف" مثلاً ستروي لك القطع المعروضة تاريخاً كاملاً عن حضارة الشرق الأدنى القديم وقصةً حقيقيةً عن رحلات التحف الأثرية من لحظة الاكتشاف والتنقيب إلى لحظة عرضها في قاعات المتاحف العالمية.

الصورة 6: تحف أثرية من تل حلف في متحف بون في ألمانيا.

المصادر:

هنا

هنا

هنا