علم النفس > المنوعات وعلم النفس الحديث

التوازن العاطفي بين الواقع والتفاؤل:

استمع على ساوندكلاود 🎧

أظهر بحثٌ جديد نُشر في المجلة العلمية Psychological Science التابعة لجمعية

( the Association for Psychological Science)، أنّ تصورك لنتائج إيجابية متعلقة بأحداثٍ مستقبليةٍ قد يجلب لك المتعة الآنية ويعطيك مع الأسف في المقابل الألم اللاحق.

في هذا البحث، قال Gabriele Oettingen، الباحث الرئيسي في جامعة نيويورك: «تُظهر نتائجنا أنّه على قدر ما تكون هذه التصورات الإيجابية مفيدة للمزاج الكئيب في اللحظة الراهنة، تكون مزعجة مع مرور الوقت».

فقد وجد العالم Oettingen وزملاؤه المشاركون في البحث؛ Doris Mayer من جامعة هامبورغ، وSam Portnow من جامعة فيرجينيا، في سلسلةٍ من أربع دراساتٍ أنّه بقدر ما تكون تصورات المشاركين للمستقبل إيجابيةً فإن أعراض الاكتئاب لديهم تكون أقلّ في تلك اللحظة، في حين تكون أعراض الاكتئاب أكبر في الجلسات اللاحقة.

وقد نشأ هذا النمط من النتائج عندما اختبر الباحثون أعراض الاكتئاب عند البالغين والأولاد وذلك على فتراتٍ زمنيةٍ متتابعةٍ تراوحت بين شهر وحتى سبعة أشهر بعد الجلسة الأولى (الأساسية).

ففي إحدى الدراسات، طلب الباحثون من 88 طالباً قبل التخرّج أن يتصوّروا أنفسهم في اثني عشرَ سيناريو مفتوح النهاية لأحداثٍ مستقبلية، وأُعطيَ كلٌّ منهم لمحةً أو حافزاً لهذا السيناريو، وطُلب منهم أن يتخيّلوا كيف ستجري الأحداث، ثمّ دوّن المشاركون كلَّ صورةٍ أو فكرةٍ خطرت في بالهم ثمّ قدّروا مدى إيجابية وسلبية هذه التّصورات.

لقد وجد Oettingen وزملاؤه أنّ طلاب الجامعة الذين كانت تصوراتهم أكثر إيجابية قد أبدوا أعراضاً أقلَّ للاكتئاب مقارنةً بأقرانهم ذوي التّصورات الأكثر سلبية، إلاّ أنّ أعراض الاكتئاب ارتفعت لديهم في الجلسة اللاحقة بعد سبعة أشهر من الجلسة الأولى مقارنةً بأقرانهم ذوي التصورات السلبية، وقد جاءت النتائج مشابهة في دراسة أخرى أجراها الباحثون على 109 تلميذٍ في الصّف الرّابع والخامس.

في هذه المرحلة، تساعدنا النتائج الإضافية في شرح هذا الرابط بين التّصورات الإيجابية وأعراض الاكتئاب ولو بشكلٍ جزئيٍّ، إذ يلعب الجهد الفردي دوره لأن طلاب الجامعة الذين أفادوا بتصورات إيجابية فيما يخصّ دراستهم قد كرّسوا جهداً أقل في التحصيل الدراسي، والذي ارتبط بدوره بحصولهم على درجاتٍ صفيّة أقل، ومن ثَمّ ارتفعت أعراض الاكتئاب لديهم.

وبالنظر إلى طبيعة العلاقة بين هذه الدراسات فإننا نحتاج إلى بحثٍ تجريبي آخر لنجزم بوجود هذا الرابط السببي المباشر بين التصورات الإيجابية وأعراض الاكتئاب على المدى البعيد.

ولكن بالنسبة للباحثين فإنّ هذه النتائج تقترح أنّ التصورات الإيجابية هي عامل خطورةٍ للدخول في حالة الاكتئاب مع مرور الوقت.

في الحقيقة، تكمن أهمية هذه النتائج في التركيز الشائع حالياً على كون التفكير الإيجابي مفتاحاً رئيسياً للاعتماد على النفس والمثابرة، فيقول Oettingen وزملاؤه في بحثهم في هذا الصدد: «تتّسم الحقبة المعاصرة بالحثّ على التفكير الإيجابي الدائم، فسوق الاعتماد على النفس المزوّد بالتفكير الإيجابي هو تجارةٌ وصنعةٌ رأس مالها 9.6 مليار دولار وتستمر في الزيادة».

وأردفوا: «لقد طرحت نتائجنا هذه أسئلة عن تأثير هذا التّسويق على رفاه الناس طويل الأمد، وعلى المجتمع كلّه».

وناقش الباحثون أنّ الاعتماد على هذه التصورات الإيجابية قد يمنعنا من الاعتراف بوجود عوائق قد تعترض طريقنا للوصول إلى أهدافنا والالتزام باستراتيجيات للتغلب على هذه العوائق.

وقال Oettingen: «يجب على التّصورات الإيجابية أن تُتمم بإحساسٍ وإدراكٍ جيّدٍ للواقع».

إذن كُن إيجابيّا في تصوّراتك للمستقبل ولكن بواقعيةٍ!

المصادر:

هنا