كتاب > روايات ومقالات

مراجعة رواية (وبعد): صراع المادية والحياة.

يأخذنا غيوم ميسو، الكاتبُ الفرنسيّ المعاصر الذي نشر هذه الرواية عامَ 2004 وهو في الثلاثينَ من عمره، إلى ذاك العالم المعاصر، المغموسِ بالسرعة والاستهلاكيّة والتوتّر والتكنولوجيا وحبِّ السلطة والمال والشهرة، العالمِ الذي لا يخلو كذلك من الحب والطموح والعلاقات الإنسانيّة والتضحية. فيقدّمُ إلينا أولَ شخصيّاته؛ المحاميَ الأشهرَ في نيويورك، (دي أميكو)، ذاك الذي لم يخسر أيَّ قضية حتى الآن، ولم يَرْضَ سقفًا تحت النجوم، دي أميكو الغارقَ حتى أذنيه في سعيه إلى عيش نمط الحياة المذهل الذي نسمع عنه كلَّ يوم، نمطِ حياة نجوم الروك الصاخب، الزاخِرِ بالنجاح والترف.

ثم ننتقل إلى الطبيب الغامض (غاريت غودريتش)، الذي خرج في طريق دي أميكو من المجهول، ليقلب حياته رأسًا على عقب، ويأخذَ بيده من فقاعته الصغيرة إلى العالم الخارجيّ. وبالطبع لا نستطيعُ نسيانَ (مالوري ويكسلر)، الزوجةَ السابقةَ الحسناء، ذاتَ الأصول الأرستقراطية، المرأةَ التي غذّت طموحاتِ دي أميكو عبر السنين، فكانت سببًا لسعادته وتعاسته، وأمّنت له كلَّ ما يحلم به عائليًّا، فأنجبا (بوني)، الطفلةَ الجميلةَ المفعمةَ بالحياة، رغمَ أنها كانت -وربما بغير قصد- سببًا في شعوره الدائم بعدم الاكتفاء، وعدم الرضا. فنغوص في علاقتهما وقدرةِ زوجته على الانسجام معه وهو القادمُ من أفقر أحياء كوينز، وابنُ خادمة منزل، هجره والده وهو في رحم أمِّه.

في رحلة طويلة عبر الحياة، والموت، وأسوأ أنواع الخَسارات؛ يَمْزُجُ غيوم ميسو حياةَ هذه الشخصياتِ بالخيال؛ حتى تصبح عاجزًا عن اكتشاف حدود الواقع، وذلك ليس بجديد على كاتبنا الفرنسيِّ الشهير، الذي استطاع شقَّ طريقِه بأسلوبه الفريد، الذي أصبح خاصًّا به، مميِّزًا له.

سوف تَطرح هذه الروايةُ عليك الكثير من الأسئلة، فعند وصولك إلى كل تلك الأهداف التي تعمل يوميًّا لسنينَ وسنينَ على تحقيقها، يأتي التساؤل: هل سيكفي المالُ والسلطةُ والشهرةُ عند فِقْدان الحبّ؟!

وعند تشقُّق القارب تحت ديل أميكو في شتاء نيويورك البارد، هل ستَقْدِرُ الأرقامُ الموجودة في المصرِف، أو في شقته التي يتجاوز ثمنُها الملايين من الدولارات؛ على انتشاله من الغرق؟

ما الموت؟ وكيف تتعامل معه؟ هل تؤمن به، أم تهرب منه؟ وعندما يدقُّ بابَك، هل ستكون مستعدًّا وتقدّمُ تقريرَك واقفًا، جنديًّا شجاعًا؟

كيف يتعامل الناس مع موتِ أحبائهم أو شعورِهم بأنهم سيموتون قريبًا؟

هذا ما سيُسْهِبُ الكاتب في الحديث عنه؛ الموتُ والشعورُ الإنسانيُّ تجاهه؛ محاولًا تفكيكَ غموضِه وقسوته؛ ليناسب عقلَ الإنسان التوّاق إلى الخلود.

هل نعيش حياتَنا ونحن نثمِّنُ كلَّ لحظة؟ هل ننتبه إلى من نحبُّه ويحبُّنا وسط هذا العالمِ المجنون الصاخب، الغارقِ في العنف والاستهلاكيّة والجشع؟ العالمِ الذي يخيِّم عليه التسابقُ نحو الوصول، ولو اقتضى الأمرُ تجاهُلَ كلِّ ما في الطريق.

بهذه الأسئلة، يقدِّم لنا ميسو تحفتَه؛ روايةَ (وبعد)، التي ستلامس قلوبَ قُرّائها، وتَزرعُ بعضَ التساؤلات المهمة التي تحتاجُ إلى أجوبة ضرورية، حول شتّى نواحي الحياة، مقسِّمًا روايتَه إلى فصول عدّة مفعَمة بالتشويق؛ حتى نعجزَ عن إفلات الكتاب قبل معرفة ما سيحدث في النهاية؛ لأنه سيغضبنا ويُفرحنا، ويحزننا ويدهشنا، في المشهد نفسِه.

بكل هذه التفاصيل والشخصيات، يَحجِزُ ميسو مكانًا في قلوب قرّائه المنتمين إلى جميع الثقافات، بعد أن تُرجمت روايتُه إلى أكثرَ من 20 لغةٍ، وحصدت جوائزَ عِدّةً، وهي -كما ذكرنا- أولُ رواية ينشرُها ميسو.

معلومات الكتاب:

الكاتب: غيوم ميسو.

الرواية: وبعد..

الترجمة: حسين عمر.

دار النشر: المركز الثقافي العربي.

عدد الصفحات: 382.

ISBN: 9789953684888