الفيزياء والفلك > علم الفلك

كيف أصبح نصف قطر الكون المرئي أكبر من عمر الكون؟

استمع على ساوندكلاود 🎧

كيف يمكن أن يكون نصف قطر الكون المرئي 47 مليار سنة ضوئية فيما عمر الكون 13.7 مليار سنة ؟؟

في بدايات القرن العشرين كان الإعتقاد السائد هو أن الكون أزلي، أي أنه لا بداية له. كما كان يُعتقد بأن مجرة درب التبانة تشمل الكون بأكمله، وقد قُدّر قطرها آن ذاك بـ 300000 سنة ضوئية.

بظهور نظرية النسبية وتطور المراصد الفلكية تغيرت النظرة العامة للكون وجاء التغير الجذري على يد العالم إيدوين هبل (Edwin Hubble) الذي اكتشف أن المجرّات تتحرّك مبتعدةً عنا باستمرار بالاعتماد على انحراف الطيف نحو اللون الأحمر (Red shift)، الأمر الّذي يُثبت أن الكون في حالة تمدد مستمر.

و بما أن الكون يتمدد فلا بدّ من نقطة بدايةٍ لهذا التمدد، الأمر الّذي غيّر نظرة العلماء للكون، و لم يعد الكون أبديًا كما كان يُعتقَد.

ومن خلال الرصد الفلكي في تلك الفترة، تم تقدير قطر الكون بـ 280 مليون سنة ضوئية وقُدِّر عمر الكون بحدود 2 مليار سنة من قبل العالم هَبِل أيضاَ، وبمرور الزمن وتطور طرق القياس أكثر وكذلك التطور التيكنولوجي أصبحت القياسات أدق. بحلول عام 2006 تم تقدير عمر الكون ب 13.7 مليار سنة و قطر الكون ب 94 مليار سنة ضوئية (أي بنصف قطر قدره 47 مليار سنة ضوئية وهو ما يعرف بحافة الكون المرئي )

وبالعودة إلى سؤالنا عندما نتحدث عن بعد جسم متحرك ما فنحن نقصد المسافة التي تفصلنا عنه في هذه اللحظة بالذات حيث يستلزم الأمر تحديد موضعنا و موضع الجسم الأخر بدقة في هذه اللحظة.

لو افترضنا أنّنا نعيش في كون ساكن، فإن المسافة بيننا وبين أي جسم ستبقى ثابتة وسيكون من السهل معرفتها. لكن في حالة كوننا الذي يُفترض بأنه وجد نتيجة انفجار أطلق عليه اسم الانفجار العظيم، ومنذ ذلك الحين وجد كل شيء و أخذ الكون بالتمدد.

هذا التمدد الناتج عن الانفجار العظيم ليس كما يفترض البعض بأنه انفجار تقليدي والمجرات والنجوم هي شظايا هذا الانفجار التي أخذت بالتسارع والابتعاد عن مركز الانفجار وهكذا يتمدد الكون. في حقيقة الأمر إن تمدد الكون يشمل تمدد نسيج الزمكان بحد ذاته.

لنتخيل الأمر كما يلي، يمكن تشبيه الكون ببالون من المطاط مرسوم عليه مجموعة من النقاط تمثّل المجرات الموجود في الكون. عندما نقوم بنفخ البالون، فإن النقاط تتحرّك مبتعدة عن بعضها البعض؛ أي أنّ المسافات التي تفصل بين هذه النقاط تزداد بحدّ ذاتها؛ وبمعنىً آخر فإنّ نسيج الزمكان يتمدّد.

وكذلك الأمر في حالة كوننا حيث تمثل النجوم والمجرات التي نعتمد عيها في قياس الأبعاد الكونية هذه النقاط. إن شعاع الضوء الصادر عن نجم ما لا يقطع المسافة التي تفصلنا عن هذا النجم لحظة صدور الضوء وإنما يقطع المسافة الأخذة بالتمدد في كل لحظة أثناء سفره من النجم إلينا، ولذلك فكل الأجسام الآن أبعد مما كانت عليه في السابق.

ولنأخذ عمر الكون بحد ذاته 13.7 مليار سنة ولنقربها إلى 14 مليار لسهولة الحساب كمثال على ما سبق. الضوء سافر لمدة 14 مليار سنة منذ بداية الكون، لكن لا يمكننا القول أن المسافة التي قطعها الضوء هي 14 مليار سنة ضوئية، بل علينا أن نأخذ في الاعتبار أن هذه المسافة كانت تتمدد منذ اللحظة الأولى التي انطلق فيها الضوء من مصدره.

وبالاعتماد على بعض الحسابات وبالأخذ بالاعتبار معدل تمدد الكون يمكن التوصل إلى أن الضوء الذي انطلق قبل 14 مليار سنة قد قطع مسافة قدرها 47 مليار سنة ضوئية، الأمر الذي يتوافق مع النتائج العلمية الحديثة.

شاهد كيف يتعرّض الضوء للتشوه خلال تمدد الكون

المصدر: هنا