الفيزياء والفلك > فيزياء

خمسُ طرقٍ للسفر عبر الزمن

استمع على ساوندكلاود 🎧

قامَ الفيزيائيُّ الشّهيرُ ستيفين هوكينغ عام 2009 بإقامةِ حفلةٍ للمسافرينَ عبرَ الزّمن. أرسلَ هوكينغ الدّعواتِ بعدَ سنةٍ من إقامتِها، لكن لم يظهَر أيٌّ من الضّيوف. قد يكون السّفر إلى الماضي مستحيلاً. وحتّى لو كان ممكناً، لا يُمكنك السّفر أبدًا قبل بناء آلة الزّمن الخاصة بك.

نحن جميعاً مسافرون عبر الزّمن بطبيعة الحال، إذ يجرفنا تيار الزّمن من الماضي إلى المستقبل بمعدّل ساعةٍ واحدة كل ساعة. ولكن، كما هو حال النّهر، يتدفق تياره بسرعات مختلفة في أماكن مختلفة. فإنّ العلم يسمح باتخاذ مساراتٍ أسرع باتّجاه المستقبل، سنستعرض في مقالنا هذا أهمّ الطُرق الّتي تُمكننا من اتخاذ مساراتٍ أسرع نحو المُستقبل (السّفر إلى المُستقبل).

1- السُّرعة:

إنْ أردتَ السَّفرَ إلى المستقبلِ ما عليكَ إلَّا زيادةَ سرعتكَ!

وفقاً لنظريَّةِ النِّسبيَّةِ الخاصَّةِ لأينشتاين يتباطَأُ الزَّمنُ بالنِّسبةِ لك مقارنةً مع العالَمِ الخارجيِّ عندَ سَفركَ بسرعةٍ قريبةٍ منْ سرعةِ الضَّوءِ.

لمْ تعُدْ هذهِ الفكرةُ مجرَّدَ نظريَّةٍ فقطْ، بلْ تمَّ اختبارُها عمليَّاً باستخدامِ ساعتينِ ذريّتينِ متماثلتين، تُرِكَتِ الأولى على سطحِ الأرضِ بينما أُرسِلت الأُخرى في طائرةٍ نفّاثة، فلاحَظَ الفيزيائيُّونَ أنَّ السّاعةَ على متنِ الطّائرةِ النّفَّاثَة تدقُّ بشكلٍ أبطأَ منْ تلكَ الّتي على سطحِ الأرضِ، أي أنَّ الزَّمنَ قد تباطأَ بسببِ السُّرعة!

وبالرُّغم من أنَّ هذا الأثر (أي تباطُؤ الزّمن) صغير في حالة الطّائرات، لكن إن كنت على متنِ مركبةٍ فضائيّةٍ تسافرُ بسرعةٍ تبلُغ 90% من سرعة الضّوء فإن الوقت سيمرُّ عليك أبطأ بـ 2.6 مرة منه على الأرض. وكلما أقتربت سرعتك من سرعة الضوء، كلّما أسرعت في السّفر عبر الزّمن.

2 - الجاذبيَّة:

إنْ أردّتَ السَّفرَ إلى المستقبلِ ما عليكَ إلَّا أن تبحث عن مصدرٍ هائل للجاذبيَّةِ!

فوفقاً لنظريّةِ النّسبيَّةِ العامَّةِ لأينشتاين يتباطَأُ الزَّمنُ بزيادةِ الجاذبيَّةِ، فكلَّما اقتربنا منْ مركزِ الأرضِ ازدادتْ الجاذبيَّةُ أكثرَ، ويكونُ مرورُ الزَّمنِ عندَ قدميكَ أبطأَ منْ مروره عندَ رأسِكَ.

تمَّ اختبارُ هذهِ النّظريَّةِ تجريبيَّاً أيضاً، حيثُ قامَ فيزيائيُّونَ منَ المعهدِ الوطنيِّ الأمريكيِّ للمعاييرِ والتّقنية (NIST) عام 2010 بوضعِ ساعتَينِ ذريَّتيْنِ على رفَّينِ يرتفعُ أحدُهما عن الآخرِ 33 سنتمتراً، وقاموا بقياسِ الفرقِ في معدَّلِ دقَّاتِ كلٍّ منْ هاتين السَّاعتين، فوجدوا أنَّ تلكَ الواقعةَ على الرَّفِّ الأخفضِ تدقُّ بشكلٍ أبطأَ منَ السَّاعةِ الأُخرى، نظراً لكونِها تتأثَّرُ بجاذبيّةٍ أكبرَ قليلاً من السّاعة الأعلى.

بناءً على ما سبق، يمكننا توظيف الجاذبيّة في السّفر إلى المُستقبل. ما عليك إلا أن تجدّ مصدرًا قويّاً للجاذبيّة كالثّقوب السّوداء مثلًا.

كلّما اقتربت من أفق الحدث، كلّما أصبح الوقت أبطأ، لكنّ الرّحلة إلى ثقبٍ أسود محفوفةٌ بالمخاطر، فبمجرد عبور الحدود قد لا تتمكن من الهروب أبداً. وعلى أيّ حال، فإنّ التّأثير ليس قويّاً جدًا، لذلك فإنّ هذه الطّريقة لا تستحق هذه الرّحلة الطّويلة المحفوفة بالمخاطر.

وعلى فرض أنَّنَا تمكَّنَّا منَ الوصولِ إلى ثقبٍ أسودَ بطريقةٍ ما – يبعدُ أقرب ثقبٍ أسود عن مجرَّتِنا حوالي 3.000 سنة ضوئيّة – فإنَّ تمدُّدَ الزَّمنَ خلالَ هذهِ الرِّحلةِ سيكونُ أكبرَ منْ أيّ تمدُّدٍ للزَّمنِ يحدُثُ أثناءَ الدَّورانِ حولَ الثُّقب الأسودِ نفسه!

لنتخيَّلَ ذلكَ بصورةٍ أوضَحَ يُمكننا مشاهدةُ فيلم interstellar والّذي يوضِّحُ أنَّ ساعةً واحدةً على كوكبٍ قريبٍ من ثُّقبٍ أسودٍ تُعادل سبعةَ أعوامٍ على الأرض، غيرَ أنَّ الحالةَ الّتي تمَّ وصفُها في هذا الفيلمِ مستحيلةُ الحدوثِ في عالمِنا هذا وفقاً لـ كيب ثورن المستشار العلميّ للفيلم.

الأمر المثير للاهتمام هو أنّ أنظمة التّتبع العالميّة GPS تقومُ بإجراءِ تصحيحاتٍ تتعلَّقُ بسرعةِ الأقمار الصناعيّةِ والجاذبيَّةِ الّتي تخضَع لها لتحدِّدَ الموقعَ الّذي تتواجدُ أنت به بدقَّةٍ!

3 - التَّعطيلُ الحيويُّ (تعليق الحركة) :

طريقةٌ أخرى قد تقودنا للسّفرِ إلى المستقبلِ عن طريق إبطاءَ إدراكِكَ للزّمن وذلك بإيقافِ العمليّاتِ الحيويَّةِ في جسدكَ ومن ثمَّ إعادتها للعملِ منْ جديدٍ في وقتٍ لاحق!

يُمكِنُ للأبواغِ الجرثوميَّةِ مثلاً أن تعيش لملايينِ السِّنينِ في حالةِ التّعطيل الحيويِّ، إلى أنْ تصلَ للشُّروطِ المثاليَّةِ منْ حرارةٍ ورطوبةٍ وطعامٍ فتبدأُ عندئذٍ استقلابِها منْ جديد. ويمكنُ كذلكَ لبعضِ الثديَّاتِ كالسَّناجبِ والدِّببةِ أنْ تُبطِّئ استقلابَها خلالَ فترةِ السُّباتِ الشَّتويِّ، مما يخفّضُ بشكلٍ كبيرٍ حاجةَ خلاياها للطّعامِ والأكسجين. لكنْ، هلْ يمكنُ لنا نحنُ البشر القيامَ بالشّيء نفسه؟

لمْ يتمكَّنِ العلماءُ حتَّى الآن منْ إيجادِ طريقةٍ لإيقافِ الاستقلابِ بشكلٍ تامٍّ، إلَّا أنَّهم يعملونَ على إيجادِ طريقةٍ لتحريض حالةِ سُباتٍ قصيرِ الأمدِ يدومُ بضعَ ساعاتٍ على الأقل. وربّما يكون ذلكَ كافِياً لكسبِ المزيدِ من الوقتِ للوصول إلى المشفى في حالةِ شخصٍ أُصيبَ بسكتةٍ قلبيّةٍ مثلاً.

طوَّرُ علماءٌ أمريكيّون في العام 2005 طريقةً لإبطاءِ استقلابِ الفئرانِ (الفئران لا تقوم بالسُّباتِ الشّتويِّ) بتعريضِهِم لجرعاتٍ صغيرةٍ من كبريتيد الهيدروجين الّذي يرتبطُ بالخلايا المستقبِلَةِ للأكسجين، ووجدوا أنَّ درجةَ الحرارةِ الدُّنيا لجسمِ الفئرانِ قد انخفضت إلى 13 درجة مئويّة وأنّ الاستقلابَ قدِ انخفضَ عشرة أضعاف عن قيمته الأصلية. لكن بعدَ ستِّ ساعاتٍ تمكّنت الفئرانِ من العودةُ إلى ما كانتْ عليهِ دونَ أيِّ آثارٍ مرضيَّةٍ.

لكنْ ولسوءِ الحظِّ، لم تنجحْ هذهِ التَّجاربُ عندما أُجريتْ على الخِرافِ والخنازير، ممَّا يشيرُ إلى عدمِ إمكانيّةِ تطبيقِ هذه الطَّريقةِ على الحيواناتِ الكبيرةِ.

هناكَ طريقةٌ أخرى يمكِنُ منْ خلالِها تحقيقُ إسباتٍ منخفضِ الحرارة، وذلكَ باستبدالِ الدَّمِ بمحلولٍ ملحيٍّ باردٍ، وقدْ نجحتْ هذهِ الطَّريقةُ لدى تطبيقِهَا على الخنازير، ويتمُّ حاليَّاً اختبارُها سريريَّاً على البشرِ.

4- الثُّقوبُ الدوديَّةُ:

تسمحُ النّسبيّة العامَّةُ لأينشتاين بوجودِ اختصاراتٍ في نسيجِ الزَّمكانِ، والّتي قد تكوِّنُ جسوراً مكانيَّةً لعبورِ ملياراتِ السَّنواتِ الضّوئيَّةِ أو أكثر، أو للعبور إلى نقاطٍ زمانيَّةٍ مختلفةٍ؛ تُعرَفُ هذهِ الاختصاراتُ بالثُّقوبِ الدّوديَّةِ، والّتي تظهر باستمرار استناداً إلى العديدِ منَ الفيزيائيِّينَ بمن فيهم ستيفين هوكينغ على المستوى الكموميِّ بحجمٍ أصغرَ بكثيرٍ منَ الذّرَّاتِ. تكمُنُ المُشكلة بالتقاط أحدِها وتضخيمِهِ ليلائم المقاييس البشريّة، الأمر الّذي يتطلَّبُ كميّةً كبيرةً من الطّاقةِ وربما يكون ممكناً من النّاحية النّظريّةِ فقط. لكنْ إلى الآن لمْ نتمكَّنْ منَ إثبات ذلكَ بأيِّ طريقةٍ منَ الطُّرقِ نظراً لعدمِ التَّوافُقِ بينَ النّسبيَّةِ العامَّةِ وميكانيكِ الكمِّ.

5-السّفر إلى المُستقبل باستخدام الضَّوء:

فكرةٌ أخرى تمَّ طرحُها منْ قبلِ الفيزيائيِّ الأمريكيِّ رون ماليت، هيَ استخدامُ أسطوانةٍ دوّارةٍ منْ الضَّوءِ لإحداثِ تقوُّسٍ في بنية الزّمكان، بحيث يُمكِن سحبُ أيُّ شيءٍ يسقطُ داخلَ الأسطوانةِ الملتفَّةِ نظريَّاً في الزمانِ والمكانِ، بنفسِ الآليَّةِ التي تَسحبُ بها رغوةُ كوبِ القهوةِ بعدَ تحريكِهِ بالملعقةِ.

يمكِنُ حسبَ ماليت ،والّذي ما زالَ يسعى لتأمينِ رأسِ المالِ المناسبِ منذُ نشرِ نظريَّتِهِ عام 2000 لاختبارِها تجريبيَّاً بإسقاطِ النّتروناتِ داخلَ منظومةٍ من اليزراتٍ الدوّارةٍ. إلَّا أنَّ فكرتهُ لم تلقَ دعماً من المجتمعِ الفيزيائيِّ لتعارُضِ إحدى فرضياتِ نموذجهِ الأوليّ مع أحد الأمورِ التي تُوصَفُ فيزيائيَّاً بـاستحالتها، ألا وهي "نقطة التّفرّد".

إذاً، وقبلَ أنْ تخوضَ غِمارَ هذهِ التَّجربةِ لا بدَّ لنا بتذكيرِكَ أنَّنا لسنا كفيلينَ بإعادتكَ إلى حيثُ كنتَ إنْ لمْ تُعجِبْكَ الإقامةُ في الزَّمنِ الجّديدِ! فرحْلَتُنَا هذهِ بطريقٍ واحدٍ إلى الآنْ؛ باتِّجاهِ المستقبل!

المصدر: هنا