الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة

هل يسير ثقبُ الأوزون نحو الالتئام؟

استمع على ساوندكلاود 🎧

تحدثُ في كلِّ عامٍ وعلى مدى العقود القليلة الماضية خلال فصل الربيع في نصف الكرة الجنوبيّ تفاعلاتٌ كيميائيّةٌ تتضمن الكلور والبروم تسبِّبُ تدميرَ غاز الأوزون بسرعةٍ وبشدّة في المنطقة القطبية الجنوبية (اقرأ مقالنا السابق عن الموضوع هنا). وتُعرَف هذه المنطقة حيث يُستَهلَك الأوزون باسم "ثقب الأوزون"، لكنّ الجديد هو ما نُشِرَ في 30 حزيران الماضي في مجلّة "Science" العلميّة بأنَّ علماءَ في معهدِ ماساتشوستس للتكنولوجيا حدّدوا العلامات الأولى لشفاءِ طبقة الأوزون هذه في القطب الجنوبي.

وجدَ الفريقُ أنّ ثقبَ الأوزون قد تقلّصَ بنسبة أكثر من 4 مليون كيلومتر مربّع - ما يُقاربُ نصفَ مساحةِ الولايات المتّحدة- منذ عام 2000، عندما كان استنفاذُ الأوزون في ذروته. أظهرَ الفريقُ أيضاً للمرّة الأولى أنّ هذا الشفاء تباطأَ قليلاً في بعض الأحيان، ويرجعُ ذلك إلى آثار الانفجارات البركانيّة من سنةٍ إلى أخرى. ومع ذلك، فإنّه يبدو على ثقبَ الأوزون تماثله للشفاء.

استخدمَ الباحثون "علاماتٍ" لتغيُّرات الأوزون تبعاً للموسمِ والارتفاع، بُغية إسنادِ تعافي طبقة الأوزون للانخفاض المستمرّ للكلور الجوّي المُتولِّد من مركّبات الكلوروفلوروكربون (CFCs) التي تنبعثُ من خلال عمليّات التنظيف الجافّ، ومن الثلّاجات القديمة، والجزيئات المتطايرة في الجو كما في مثبّتات الشعر، وجاءَ هذا الانخفاضُ بعدَ أن وقّعت معظم الدول على بروتوكول مونتريال عام 1987 لحظرِ استخدام مركّبات الكلوروفلوروكربون (CFCs) وإصلاحِ ثقب الأوزون. وبعدَ أن قرّرَ العالمُ أجمع التخلُّصَ من هذه المركّبات، ها نحنُ ذا نشهدُ الاستجابةَ ويمكن الآن أن نكون على ثقةٍ بأنّ كوكبنا على طريقِ الشفاء.

المواعيد الأفضل لأخذ القياسات:

اكتُشِفَ ثقبُ الأوزون لأوّلِ مرّةٍ باستخدامِ بياناتٍ أرضيّةٍ بدأت في خمسينيّات القرن الماضي، وحوالي منتصف ثمانينات القرن نفسه، لاحظَ علماءُ من هيئة مسح القطب الجنوبي البريطانيّة انخفاضَ الأوزون الكُلّي في شهر تشرين الأوّل. منذ ذلك الحين، تتبّعَ العلماءُ استنفاذَ الأوزون باستخدام قياسات شهر تشرين الأوّل لأوزون القطب الجنوبي. لكن مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ الكلور يستهلكُ الأوزون فقط بوجود الضوء وإذا كان الجوُّ بارداً بما فيه الكفاية لخلقِ السحب القطبيّة في طبقة الستراتوسفير، قرّرَ العلماء تعقُّبَ آثار الكلور بالنظر إلى مستويات الأوزون في شهر أيلول، عندما تكون درجات الحرارة المنخفضة سائدةً وثقبُ الأوزون موجوداً. وبالفعل وجدوا أنّه عند انخفاض الكلور، فإنّ المعدّل الذي يتوسّع به الثقب في شهر أيلول قد انخفض، أي أنّ شهرَ أيلول هو الأفضل لأخذ القياسات على عكس ما اعتُقِدَ سابقاً بأنّ شهر تشرين الأوّل هو الأفضل حيث يكون الثقب في ذروة توسُّعِه.

وِجهة التئام ثقب الأوزون:

تتبّعَ الباحثون ثقب الأوزون سنوياً في شهر أيلول، بين عامَي 2000 و 2015. وقاموا بتحليل القياسات الجوّيّة للأوزون وقياسات الأقمار الصناعيّة لغاز ثاني أوكسيد الكبريت المُنبعِث من البراكين والذي يعزّزُ استنفاذ الأوزون، كما تعقّبوا تغيُّرات الأرصاد الجوّية مثل درجة الحرارة والرياح، والتي يمكن أن تؤثِّرَ على ثقب الأوزون، ثمّ قارنوا قياساتهم السنويّة لأوزون شهر أيلول مع نموذج محاكاة يتنبّأ بمستويات الأوزون اعتماداً على كميّة الكلور التي قدّر العلماء وجودها في الغلاف الجوّي من سنةٍ لأخرى. ووجدوا أنّ ثقب الأوزون قد انخفضَ مقارنة مع حجم ذروته في عام 2000، وتقلَّص بأكثر من 4 مليون كيلومتر مربع بحلول عام 2015. وأنّ هذا الانخفاض مطابقٌ لتنبّؤات النموذج، وأنّ أكثر من نصف الانكماش يرجع فقط لانخفاض الكلور في الغلاف الجوي.

لاحظَ العلماءُ قيمةً شاذّة في مسارِ الالتئام حين اتّسع ثقب الأوزون في عام 2015 إلى حجمٍ قياسيّ، بالرغم من أنّ الكلور في الغلاف الجوي استمرّ في الانخفاض. ومع ذلك، أدركوا أنّ استنزاف الأوزون حينها يعودُ في المقام الأول إلى ثوَران بركان كالبوكو في تشيلي. حيث أنّ البراكين لا تبعثُ بكميّاتٍ كبيرةٍ من الكلور إلى طبقة الستراتوسفير ولكنّها تزيدُ الجسيمات الصغيرة فيها، التي بدورها تزيد من كميّة السُحُب القطبية في الستراتوسفير والتي يتفاعلُ معها الكلور الناتج عن نشاطات الإنسان. وبالتالي جاءَ هذا البحث كحلٍّ للغزِ استنزاف الأوزون في عام 2015 والخبرُ الجيّد أنّ الباحثين يعتقدون أنّه ومع استمرار انخفاض مستويات الكلور في الغلاف الجوّي فلا وجود لأي مانع يقف أمام التئام هذا الثقب في النهاية بشكلٍ دائم بحلولِ منتصف هذا القرن.

المصادر:

هنا

هنا