العمارة والتشييد > المدارس المعمارية

العمارة الرُّومانيِّة - الجزء الثاني

استمع على ساوندكلاود 🎧

تابعنا في الجزء الأوَّل من هذا المقال بعضاً ممَّا قدَّمته الحضارة الرُّومانيَّة من ابتكارات على مستوى العمارة السَّكنيّة وعمارة المسارح والأعمدة وغيرها من المجالات. أمَّا اليوم فنكمل معكم رحلتنا لنتعرَّف على المزيد من عمارة هذه الحضارة المميَّزة وإسهاماتها الفريدة.


قنوات نقل المياه

هذه المنشآت ذات الهياكل الضَّخمة في بعض الأحيان والمكوَّنة من صفوف شاقوليَّة من الأقواس الحجريَّة (صف أو صفَّين أو ثلاثة صفوف) والّتي تستند على دعامات حجريَّة وظيفتها نقل المياه العذبة للمراكز الحضريَّة من مصادر قد تبعد عدة كيلومترات. أوَّل قناة أنشأها الرُّمان لهذا الغرض هي قناة Aqua Appia في عام 312 ق.م، أمَّا أكثر الأمثلة إثارةً للإعجاب هي قناة Pont du Gard قرب مدينة Nimes الفرنسيَّة عام 14م.

أنظمة الصّرف الصّحيّ

مساهمة أخرى من الرُّومان للعمارة العالميَّة، وهو نظام الصَّرف الصِّحي المُسمَّى cloaca maxima. بني في القرن السَّادس أو السَّابع قبل الميلاد، وهو عبارة عن قنوات قامت بحمل المياه الملوَّثة من الحمَّامات والمراحيض والقصور ومياه الأمطار والنَّوافير إلى مصبِّها الأخير في نهر Tiber.

تجاهل النِّظام المبادئ الأساسيَّة للنَّظافة، فقام بنقل مياه الأمطار والمياه المالحة سويَّة، هذا ما استوجب امتلاك النِّظام لعدَّة فتحات على الشَّوارع لتصريف مياه الأمطار ممَّا عرَّض السُّكان لروائح سيِّئة من شبكة الصَّرف. لكن ما ساعد الرُّومان على التَّخفيف من الآثار السَّلبيَّة للشَّبكة هي كميَّات المياه المتسرِّبة إليها والمياه القادمة من قنوات المياه الرئيسيَّة والّتي قامت بتنظيف المجاري، بالإضافة للطَّبيعة الجبليَّة للمدينة والّتي أعطت الشَّبكة انحداراً أكبرَ ساعد على تسريع التَّصريف.

الحمَّامات

توضِّح لنا هذه الحمَّامات قدرة الرُّومان البديعة على خلق مساحاتٍ داخليَّة مميَّزة باستخدام الأقواس والقباب والقبوات والدَّعامات. الحمَّامات الكبيرة منها كانت عبارة عن مجمَّعات متكاملة بنيت بشكلٍ متناظرٍ حول محورٍ رئيسيٍّ، ضمَّت غرفاً باردة ومعتدلة وساخنة ومسابح ونوافير بالإضافة لمكتباتٍ وتدفئة تحت الأرض وأحياناً عبر الجدران باستخدام الأنابيب الفخَّاريَّة، كما ضمَّت غرفاً لتغيير الملابس وغرفاً للتَّمارين والسَّاونا.

من أشهر هذه الحمَّامات وأكثرها محافظةً على حالتها هي حمَّامات Caracalla نسبةً للإمبراطور Caracalla والّذي اكتمل بناؤه في عام 216 ق.م حيث بني قرب Via Appia بقدرة استيعابيَّة تصل لحوالي 1600 مستخدم. وتمَّ تأمين المياه اللّازمة عن طريق القناة الجديدة الّتي أنشأها Caracalla والمسمَّاة aqua Antoniniana. تعرَّض الحمَّام لمجموعة من الأضرار بعد الزِّلزال الّذي ضرب شمال إيطاليا عام 2009.

البازيليكا Basilica

استخدمت من قبل الرُّومان كقاعة للاجتماعات الكبيرة وكمكان لانعقاد المحاكم لتستخدم لاحقاً ككنائس، وهي عبارة عن قاعة طويلة سقفها محمولٌ بواسطة مجموعة من الأعمدة الّتي تخلق صحناً مركزيَّاً محاطاً بأجنحة على الجوانب، أضيف إليها لاحقاً محراب في نهايتها. إحدى النَّماذج النَّمطيَّة هي Severan Basilica في Lepcis Magna في ليبيا عام 216م.

عمود تراجان

صمَّمه المعمار Apollodorus الدِّمشقي في عام 113 ق.م احتفالاً بمآثر الإمبراطور Trajan القتاليَّة ليوضع في ميدان Trajan في روما، وما زال سليماً ليومنا هذا حيث يصل ارتفاعه لـ30م محمولاً على قاعدة بارتفاع 6م تضمُّ غرفة تحتوي على جرَّتين تحفظان رماد Trajan وزوجته.

يوجد داخل العمود درج يؤدِّي إلى شرفة بالأعلى، كما توضَّع تمثال برونزي لـ Trajan في القمَّة لكنَّه استبدل في القرن 16م بتمثال للقدِّيس بطرس. يحاط العمود بدوَّامة دائريَّة منقوشة تلتفُّ حوله 23 مرة، تعرض مشاهداً لحملات Trajan القتاليَّة بتفاصيلَ معقدةٍ ومزدحمةٍ جداً.


أشهر المعماريين

كان ينسبُ الفضل في البناء في المجتمع الرُّوماني للشَّخص الّذي يقترح ويموِّل فكرة المبنى أكثر من المعماري الّذي يصمِّمه والّذي يبقى عادةً مجهولاً، أمَّا المعماريين الّذين صمَّموا مباني للإمبراطور فكانوا عادةً أكثر شهرة.

Apollodorus الدِّمشقي معماري الإمبراطور Trajan المفضَّل والّذي صمَّم عمود Trajan الشَّهير وميدان Trajan وهو السُّوق التِّجاريّ والمحور الاقتصاديّ والدِّينيّ والسِّياسيّ لروما، بالإضافة لتصميمه عدداً من الجسور والحمَّامات ومبانٍ أُخرى.

Vitruvius: أكثر المعماريين الرُّومان شهرةً بسبب مؤلَّفاته المعماريَّة "10 كتب عن العمارة" إلا أنَّ معظم أعماله بقيت مجهولة.

وفقاً لـ Vitruvius يجب على المعماريّ عند تصميمه للمباني أن يأخذ بعين الاعتبار عوامل المتانة والوظيفة والجمال.

كما يجب على المعماريّ الرُّومانيّ أن يُلمَّ بجميع جوانب العمارة وأساليب الإنشاء وأن يقدِّم المشورة لمن يريد أن يصبح معماريَّاً.

زوَّدتنا العمارة الرُّومانيَّة بهياكل إنشائيَّة عظيمة وقفت أمام اختبار الزَّمن من خلال الجمع بين مجموعةٍ كبيرةٍ من المواد مع تصاميم جريئة وبتقنيَّاتٍ هندسيَّةٍ اعتمدت على فهم قوانين الفيزياء لتنتج مبانٍ بدت كالتُّحف الفنيَّة.

أصبحت العمارة أداة يظهر الرُّومان من خلالها تفوَّقهم الثَّقافي وقوَّة إمبراطوريّتهم وغناها فالابتكارات الرُّومانيَّة كالخرسانة والطُّوب والأقواس والمسارح والبازيلكا والّتي مازالت تؤثِّر على العمارة العالميَّة حتّى يومنا هذا.


المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا