العمارة والتشييد > التصميم المعماري

خمسة مبانٍ تنضح بالموسيقى

استمع على ساوندكلاود 🎧

تناولنا في مقالات سابقة تأثير الفن المعماري على فني الموسيقى والسينما،

حيث كانت العمارة تؤد فيها دوراً ثانوياً أثرى المشهد السينمائي أو الموسيقي: هنا هنا هنا و هنا.

واليوم نضع بين أيديكم خمسة أمثلة مختارة تلعب فيها العمارة دور البطولة، بينما ترفدها الموسيقا بقيمة جمالية مُضافة، فقد وجد هؤلاء المعماريون إلهاماً كبيراً في الموسيقى، فجعلوا من مبانيهم آلات موسيقية تنضح بألحان سجية تدغدغ آذان زائريها، هادفين بذلك إلى لفت انتباه هؤلاء الزوار إلى أدق التفاصيل التي تشكل بمجموعها العالم المحيط بنا، حيث تتنوع الإبداعات من حاوية للنقل تحاكي تجربة الدخول لجوف آلة الغيتار، إلى واجهة مبنى تطرب مسامعنا بصوت رنين حبات المطر المتساقطة في الأيام الماطرة، إلى جناح يحوي مفاتيح موسيقية تمكن الزوار من عزف الألحان التي يرغبون.

1- جناح كوكا كولا في لندن- موسيقا أولمبية يمكنك عزفها بنفسك:

يجمع هذا المبنى الذي صممه الثنائي المعماري Asif Khan وPernilla Ohrstedt بين كل من العمارة، والموسيقى، والرياضة، والتقنيات الحديثة، في بناء واحد مذهل، حيث سمح تصميمه الفريد للزوار بأن يعزفوا ما يشاؤون من الألحان من خلال لمسهم لمئتان من الوسائد الهوائية الشفافة، مما يجعل من هذا المبنى آلة موسيقية ضخمة، فكان بذلك أيقونة معمارية أنشأتها شركة كوكا كولا احتفاءً بالألعاب الأولمبية المقامة في لندن.

تستقي الوسائد الملونة ألحانها من أنغام الأغنية الأولمبية ‘Anywhere in the World’ لـ Mark Ronson إضافة لأصوات مسجلة كضربات قلب الرياضيين، وأزيز احتكاك أحذيتهم بأرضية الملاعب، وأصوات السهام عند إصابة أهدافها، وستمزج هذه الأصوات بألحان أخرى يمكن عزفها من قبل الزوار عند ملامستهم لهذه الوسائد أثناء اعتلائهم لمنحدر داخل المبنى بطول 200 م يقودهم لإطلالة خلابة على الحديقة الأولمبية من خلال هذه البنية الكريستالية، ومن ثم يهبطون نزولاً إلى قلب الجناح ليستمتعوا بمجموعة من أضواء led التفاعلية والتي تضاء بشكل اتوماتيكي مع ألحان أغنية Mark Ronson ، كما تحاكي هذه الأضواء الطاقة المتحررة نتيجة فتح زجاجة الكوكا كولا، و تُغني الأجواء الاحتفالية المرافقة للألعاب الأولمبية.

2- غيتار حاوية الشحن CargoGuitar – لتشعر وكأنك تعيش داخل الغيتار:

فكرة تحويل حاويات الشحن إلى استعمالات معمارية هي فكرة قديمة، فقد رأينا حاويات للشحن تتحول إلى مكاتب ومنازل، بل حتّى إلى مطاعم فخمة. لكنّ هذا الاستخدام لحاويات الشحن في المبنى الذي سنتحدث عنه لم يخطر على بال أحدٍ من قبل، حيث تم تحويل حاوية شحن إلى غيتار ضخم يمكن العزف عليه، تمنح الزائر تجربة الإحساس وكأنّه يعيش داخل الغيتار.

يتكون الغيتار- الذي صممه كل من Marcelo Ertorteguy, Takahiro Fukuda و Sara Valente في اليابان - من ثمان أوتار فولاذية مشدودة بشكل ملتوٍ داخل حاوية للنقل، وتقوم عارضة أفقية بتثبيت هذه الأوتار من جهة المدخل، فيما تثبتها من الجهة الأخرى عارضة شاقولية مزودة بأذرع تمكن الزائرين من تغيير طبقات الصوت التي تصدرها الأوتار، كما حرص المصممون أن يكون لتجربة الدخول لهذا الغيتار تأثيراً أكبر على حواس الزائرين فقاموا بإضافة عناصر إضاءة تجعل من الأوتار مشعة في الظلام، مما يعطيها شكلا جميلاً أثناء اهتزازها، ويسمح للزوار باستشعار التجربة الصوتية ضمن بيئات بصرية مختلفة.

3- صندوق موسيقا Dithyrambalina - قرية الأكواخ الموسيقية:

تشتهر New Orleans بموسيقا الجاز وبوفرة الطرز المعمارية فيها، غير أنّ فناني Dithyrambalina انتقلوا بها إلى مستوىً آخر من خلال إنشاء منازل تستخدم كصناديق موسيقا.

بنيت هذه الأكواخ من خليط من النوافذ المأخوذة من الأنقاض، والأخشاب المُستصلحة، وأجزاء من آلات موسيقية، والعديد من الأشياء المجموعة من منطقة New Orleans، حيث صمم مهندس الصوت هذه الأكواخ لتعمل كآلات موسيقية تفاعلية، إذ تحتوي جدرانها وأرضياتها وأدراجها على هذه الآلات، مما يسمح للزوار بعزف الألحان خلال جولتهم في منازل هذه القرية، كما يمكن للموسيقيين المحترفين أن يخلقوا تناغماً بين هذه الألحان ليشكلوا من أصواتها مقطوعة موسيقية جميلة، وقد استوحى المصممون هذه المنازل من العمارة المزخرفة لمنطقة New Orleans، وأضافوا لها الموسيقى المحلية ليشعر الزائر أثناء تجوله بين هذه الجدران المغنية كأنّه في حلم، من خلال الآلات التي تبداً العزف عند تحسسها لضربات القلب، أو عند تغيير حالة الطقس من خلال لواقط للذبذبات.

هذه القرية الريفية تمنح الزائرين تجربة خاطفة في منحوتة فنية ضخمة تبدو وكأنها مأخوذة من مشهد سينمائي.

4- ساحة الماء Court of Water في درسدن- موسيقا مياه الأمطار للجماهير:

لقد شاهدنا العديد من الموسيقين المحترفين في حياتنا، إلا أننا لم نشاهد يوماً حائطاً يقوم بدور موسيقيٍّ بارع، فقد جهّز المصمم Heike Bottcher عام 1999 واجهة المبنى بمتتالية من أنابيب الصرف (المزاريب) المزودة بأقماع لتقوم بجمع مياه المطر وتنقلها عبرها، فتعزف أثناء حركتها ألحاناً تطرب المارة في ساحة الماء "Court of Water" في مدينة درسدن الألمانية.

5- الاوتار التفاعلية في احتفالية نيويوك الموسيقية:

ضمن فعاليات مهرجان الموسيقا المرئية 92y قام المعماري Gabriel Calatrava بتصميم الديكور المحيط بالمشهد المسرحي لعرض أوبرالي راقص لمقطوعة الموسيقار باخ The Art of the Fugue مستوحياً التصميم خطوط باخ المتسلسلة، ومن أوتار الآلات الموسيقية، ولعبة الخيوط Cat’s Cradle، فقد كان تصميمه يتمحور بشكل أساسي حول تشكيلات متنوعة بهذه الحبال من خلال ضغطها وشدها وتقاطعاتها، ويقولGabriel Calatrav هذه التصميم يتيح للجمهور سماع وتفسير الموسيقى المعزوفة على المسرح بطريقة جديدة، وذلك من خلال مزج عدد من الفنون المختلفة لتكمّل بعضها وتعطي قيمة جمالية مضافة للمنتج النهائي الذي يتلقاه الجمهور.

لطالما ارتبطت الفنون السبعة ببعضها بشكل كبير، وتسمى حينها الفنون المركبة، فالأغنيات مثلاً هي عبارة عن مزيج بين فني الأدب والشعر، وبين الموسيقى، بينما المسرح فهو مزيج بين عدة فنون منها الأدب والرقص والرسم والنحت والتلوين والموسيقى وحتى العمارة، وهكذا نجد أنه للعمارة ارتباطاً وثيقاً بالفنون الباقية وأنه على المعماري أن يلمّ بأخوات مهنته الستة ليتمكن من ربط منتجه المعماري بسياقه الفني.

شاركونا بآرائكم.


المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا