الطب > طب الأطفال

الارضاع الطبيعي وعلاقته بمعدل الذكاء

استمع على ساوندكلاود 🎧

الإرضاعُ الطبيعي هو عمليةٌ أساسيةٌ في سياق حماية الطفل وتنميته للوصول إلى مرحلة البلوغ بما يقدمه من عناصرَ غذائيةٍ ومقوياتٍ للمناعة، في حين أنَّ الكثيرَ من الأمهات قد يُفضلْنَ طرقَ الإرضاع الأخرى كالإرضاع عن طريق الزجاجات التي تحرم الرضيع من هذه العناصر المفيدة، ولكن هل لمصدر حليب الرضاعة أثرٌ آخر على صحة الطفل؟ وهل هنالك فروقٌ أخرى لم نكن نتوقَّعُها بين الطريقتين؟

تقترح بعضُ الدراسات وجودَ دور إضافي للرضاعة الطبيعية على معدل الذكاء، وعدد سنوات الدراسة، والمدخول السنوي...

يتغذى الطفل بعد الولادة على حليب أمه، ويوفر هذا الحليب غذاءً كاملاً له في شهوره الأولى، بل ويتجاوز كونَه مجرَّدَ غذاءٍ ليصبحَ جزءاً من الدرع الذي يحمي الطفل من أخطر أعداء الإنسان (البكتريا)، بما يحمله من أضدادٍ مختلفة. ولكن قد تضطر الأمهات في بعض الأحيان بسبب إصابتهن بمرضٍ ما أو لوضعهن الاقتصادي السيء إلى العمل لتوفير المال؛ فيؤدي عدم توافر الوقت الكافي لإرضاع الطفل إلى اللجوء إلى الحل "المثالي" في هذه الحالة ألا وهو استخدامُ زجاجات الحليب.

ولكنَّ بعضَ الدراساتِ تنظر إلى هذا الحل "المثالي" على أنَّه ليس مثالياً تماماً، فمعدَّلُ الذكاءِ وما يتبعه من عدد سنين الدراسة (مستوى التحصيل العلمي)، ومستوى الدخل في المستقبل كانوا أوَّلَ ضحايا هذا الحل "المثالي" ليس لأنَّ استخدامَ الزجاجات للرضاعة سوف يضرُّهم، ولكن لأنَّ الرضاعةَ الطبيعيةَ تسهمُ بدعمهم، فبعد سنينَ عديدة من التشكيك بدور الرضاعة الطبيعية على معدل الذكاء (IQ) جاءت دراسةٌ جديدة أقرت بوجود علاقة بينهما.

قامت هذه الدراسة بـ:

• تسجيلِ 5914 طفلاً من حديثي الولادة في 5 مستشفياتٍ في بيلوتاس بالبرازيل في عام 1982 من مستويات اجتماعية واقتصادية لا على التعيين.

• قياسِ مدَّة الإرضاع مرتين، مرةً بعد 19 شهراً ومرةً بعد 3 سنواتٍ ونصف.

• دراسةِ نتائجِ الإرضاع على هؤلاء الأطفال بعد أن أصبحوا في حدود سن الثلاثين في عامي 2012 و2013

وبعد ثلاثين عاماً من بدء الدراسة والانتظار، كان معدَّلُ الاستجابة 59%، وبلغ عددُ الأفرادِ المُستجيبين لتوضيحِ أحوالهم للدراسة 3493. كان جزءٌ لا بأس به من النساء اللواتي ينتمين إلى طبقة اجتماعية متوسطة، ولكنَّ هذا لم يكن ذا دلالةٍ إحصائيةٍ هامة.

وجدت الدراسةُ أنَّ الأطفالَ الذين رضَعوا مدةً زمنية تصل إلى12 شهراً أو أكثر قد حققوا فروقاً ملحوظةً في معدَّل الذكاء، وعدد سنوات الدراسة والمدخول السنوي؛ إذ يعودُ 72% من زيادة معدل الدَّخل السنوي إلى زيادة معدل الذكاء. والمثيرُ للاهتمام أنَّ الرجالَ حظوا بارتفاعِ طفيفٍ في معدلات الذكاء مقارنةً بالنساء، وارتفاعٍ أكثرَ بمستوى الدخل، في حين أنَّ عدد سنوات الدراسة عند النساء كان أكبر.

وسَّعت هذه الدراسةُ نظرتَها لتشمَلَ العواملَ الاقتصادية والاجتماعية، وتنقُضَ بعضَ الاعتبارات الخاطئة ومنها: الظنُّ أنَّ هذا الفرق الذي لُوحِظَ في دراسةٍ أخرى تم إجراؤها في بريطانيا كان بسبب الأوضاع الاقتصادية الجيدة، وما يترتّب عليها من قدرة العائلة على توفير حاجات الطفل، ونُفيَت هذه العلاقة من خلال إجراء دراسة في البرازيل أثبتت أنَّ هذه الزيادة ليست متأثرة بمعلومات عن مكان الإقامة وبالتالي مستوى الدخل.

اقتصر دور العلماء في الدراسة التي تم إجراؤها على تسجيل مدة الإرضاع من دون تدخل، وظهرت البيانات بشكل مشابه للمخطط البياني التالي:

وكانت النتائج واضحةً نسبياً إذ تبيَّن أنَّ أفضلَ مدة للإرضاع هي بين 6 أشهر و11.9 شهراً (أي 11 شهراً و27 يوماً)، فقد حقَّقَ كلٌّ من معدل الذكاء، وعددِ سنين الدراسة، والدخلِ السنوي أعظمَ قيمةٍ وفق المخططات التالية:

وهكذا استنتج الباحثون أنَّ: "الإرضاعُ الطبيعيُّ مرتبطٌ مع الأداء الجيد في فحوصات الذكاء بعد ثلاثين عاماً، وقد يكون لهذا أثراً هاماً على الحياة الواقعية بعلاقته مع عدد سنوات الدراسة والمدخول السنوي".

وفي نفس الوقت صرَّح بين غيبس (Ben Gibbs) أحد مؤلفي دراسة أخرى تتعلَّقُ بمستوى الذكاء عند الأطفال نُشِرَت في مجلة Sciencedaily: "ما يقوم به الوالدان هو ما يشكُّل الفرق" إذ إنَّ القراءةَ لرضيع ابتداءً من عمر 9 أشهر، والانتباهَ لحركاتِ الطفل وإشاراته خلال التفاعلات الاجتماعية تنبّئ بشكل كبير باستعداده لتعلُّم القراءة بعمر 4 سنوات.

في النهاية نضع لكم ملخصاً للموضوع:

 عددُ أشهر الإرضاع مرتبطٌ بمعدل الذكاء الذي يؤثّر على عدد سنوات الدراسة ومستوى الدخل.

 أفضلُ مدة زمنيةٍ للإرضاع هي من 6 إلى 11.9 أشهر.

 للوالدين دورٌ مهم في تنمية مهارات الطفل من خلال التواصل التفاعلي معه.

هامش:

مستوى التحصيل العلمي وعددُ سنوات الدراسة مصطلحان متكافئان، لا نقصدُ بزيادة عدد سنين الدراسة الرسوبَ بأحد المستويات، بل نشيرُ إلى أنظمة التعليم المختلفة التي قد لا تجعل التعليم إلزامياً وبالتالي يتمُّ قياسه بعدد سنوات الدراسة، وأنظمة التعليم التي قد تجعل التعليم إلزامياً وبالتالي نشير إلى مستوى التحصيل العلمي.

المصادر:

هنا

هنا