التوعية الجنسية > الحياة والحقوق الجنسية والجندرية

الدماغ أثناء النشوة الجنسية

استمع على ساوندكلاود 🎧

على الرغم من اختلاف الأسباب التي تدفع إلى ممارسة الجنس وتنوّعها وتعقيدها؛ فإنَّ بلوغ النشوة الجنسية عادةً ما يكون هو الهدف منها. ولمّا كنَّا جميعًا مختلفين؛ فإنّ الإتيان بوصفٍ شاملٍ للنشوة الجنسية يكاد يكون مستحيلًا. والشيء الوحيد الذي يتفق عليه معظم الناس هو أنّها "إحساسٌ عظيمٌ بالمتعة".

تُعرَّف النشوة الجنسية (هِزّة الجِماع أو الإرجاز Orgasm) بأنّها سلسلةٌ من التقلُّصات العضلية في منطقة الأعضاء التناسلية تترافق مع إطلاقٍ مفاجئٍ للإندروفينات (endrophins)، وتترافق النشوة الجنسية عادةً بالقَذْف عند الرجال، وتحدث عند النساء نتيجةً للتحفيز الجنسي. ويمكن عَدُّ النشوةِ الجنسيةِ بأنّها "ذروةُ الإثارةِ الجنسية". وتجدر الإشارة إلى اختلاف تعريفات النشوة الجنسية باختلاف المعايير الطبية والنفسية التي يمكن الاستناد إليها، لذلك لا يوجد في يومنا هذا تعريفٌ دقيقٌ وشاملٌ يصف هذه العملية.

يمكن القول إنّنا ندرك جيّدًا ما يحدث في جسم الإنسان في أثناء النشوة الجنسية، ومن غير المفاجئ أن يكونَ للدماغ الدورُ الأعظمُ في بلوغها. ومع ذلك؛ لا يزال العلماء يخوضون في بحثهم عمّا يحدث تمامًا في الدماغ إبّان النشوة الجنسية. لِنبدأ رحلتنا بالنظر إلى الرسائل التي يُرسِلها الجسم إلى الدماغ.

النشوة الجنسية والأعصاب

دون وجود أعصابٍ تُرسِلُ الدفعات العصبية إلى النخاع الشوكي والدماغ؛ لا يمكن بلوغُ النشوة الجنسية. وتمتلك الأعضاء التناسلية -كأيّ بقعةٍ أخرى من الجسم- العديد من الأعصاب التي ترسل معلوماتٍ إلى الدماغ لإخباره عن الإحساس الذي يُختبَر. وهذا يساعد على تفسير الاختلاف في الإحساس بناءً على المكان الذي يُلمَس. فعلى سبيل المثال؛ تختلف النشوة الناتجة عن تنبيه البظر عن تلك الناتجة عن تنبيه المهبل بسبب اختلاف الأعصاب المعنيّة.

تحتوي جميع الأعضاء التناسلية عددًا كبيرًا جدًّا من النهايات العصبية (يحتوي البظر وحدَه أكثر من 8،000 نهاية عصبية)، التي ترتبط بدورها بكثير من الأعصاب التي تَعبُر الجسم وصولًا إلى النخاع الشوكي (الاستثناء الوحيد هو العصب المُبهَم الذي يتجاوز النخاع الشوكي)، وهذه هي الأعصاب والمناطق المرتبطة بها من الأعضاء التناسلية:

العصب الخَتَلِيّ: ينقل الإشارات من الرَّحِم وعنق الرحم عند المرأة، ومن البروستات عند الرجل.

العصب الحوضيّ: ينقل الإشارات من المهبل وعنق الرحم عند المرأة، ومن المستقيم عند كلا الجنسين.

العصب الفَرْجيّ: ينقل الإشارات من البظر عند المرأة، ومن القضيب والصَّفَن عند الرجل.

العصب المُبْهَم: ينقل الإشارات من الرَّحِم وعنق الرَّحِم والمهبل.

ويُعَدُّ دور العصب المُبْهَم في النشوة الجنسية اكتشافًا حديثًا، ولا يزال لدينا كمٌّ كبيرٌ من المجهول عن ذلك الدور، فحتى وقتٍ قريب؛ لم يعرف العلماء بمرور هذا العصب في منطقة الحوض على الإطلاق!

ونظرًا لكون معظم هذه الأعصاب على ارتباطٍ بالنخاع الشوكي؛ فمن المرجح أن يتبادر إلى أذهاننا بأنّ شخصًا مُصابًا بأذيّة حادّة في النخاع الشوكي لن يكونَ قادرًا على بلوغ النشوة الجنسية. حسنًا؛ هذا ما كان يُخبَرُ به المصابون بهذه الأذيّات مدَّةً طويلةً من الزمن. ولكن وجدت الدراسات الحديثة أنَّ الأشخاص المصابين بأذيّاتٍ في النخاع الشوكي –حتّى المصابين بالشلل السّفلي paraplegia– يُمكن لهم أن يبلغوا النشوة الجنسية.

وجدت دراسةٌ في عام 2004 أنَّ النساء المصابات بهذه الأذيّات يُمكن أن يستجِبن للتنبيهات الواقعة في منطقة عنق الرحم، بل وحتى يمكن لهنَّ بلوغ النشوة الجنسية. وكلّ ذلك على الرغم من عدم وجود أي طريقٍ يمكن للدماغ به تلقّي المعلومات من العصبين الخَتَلِيّ والحوضيّ. فكيف يُعقل ذلك؟ أظهرت فحوصاتُ التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) لأدمغة النساء أنّ المنطقة التي تستقبل الإشارات من العصب المُبْهم كانت نشِطة. ولمّا كان العصب المُبْهم لا يعبر النخاع الشوكي؛ فقد كان بمقدور النساء الإحساس بالتنبيهات الواقعة على عنق الرحم.

بناءً على ذلك؛ تستقبل مناطقُ مختلفةٌ من الدماغ في أثناء النشوة والتنبيه الجنسي جميعَ هذه المعلومات لتسمحَ للدماغ بمعرفة ما يحدث بالضبط، وتمنحَ صاحبها ذلك الشعور الممتع. لكن حتى وقتٍ قريب؛ لم نكن نُدرك ما يحدث في الدماغ في خلال اللحظة التي يبلغ فيها الجسم النشوة الجنسية. سنطلعكم فيما يأتي على آخر الأبحاث في هذا المجال.

مركز المتعة

لعلَّك سمعت من قبلُ بوجود مركزٍ للمتعة (pleasure center) في الدماغ يمكِّننا من الإحساس بشيءٍ ممتعٍ ويعزّز الرغبة في إنجاز الفعل نفسه من جديد. إنَّ هذا نفسَهُ ما يُدعى بدارة المكافأة (reward circuit)، التي تتضمّن جميع أصناف المتعة؛ ابتداءً من الجنس إلى الضحك، وصولًا إلى بعض الأنماط من تناول المخدّرات.

أمّا مناطق الدماغ التي ترتبط بإحساس المتعة فتتضمن:

اللوزة الدماغية amygdala: تنظّم المشاعر.

النواة المتّكئة nucleus accumbens: تتحكّم بتحرير الدوبامين.

الباحة السقيفية البطنية ventral tegmental area (VTA): تحرّر الدوبامين.

المُخيخ cerebellum: يتحكّم بوظائف العضلات.

الغدّة النُخاميّة pituitary gland: تحرّر الإندروفينات من النمط بيتا ß-endrophins التي تخّفف الإحساس بالألم، والأوكسيتوسين oxytocin الذي يعزّز الشعور بالثقة، والفازوبريسين vasopressin الذي يعزّز العلاقة.

أنجزَ الباحثون دراسة "مركز المتعة" مدّةً طويلة من الزمن، لكن مع ذلك؛ لم تُجرَ أبحاثٌ كثيرة في ارتباط هذا المركز بالنشوة الجنسية. وفي خلال الفترة الممتدة بين أواخر تسعينيات ومنتصف الألفية الجديدة؛ أنجز فريقٌ من العلماء في جامعة غرونينغن في هولندا العديد من الدراسات عند الرجال والنساء على حدٍّ سواء، بهدف تحديد النشاط الدماغي في أثناء التحريض الجنسي.

وجد الباحثون -وعلى نحوٍ مثير للاهتمام- أن أدمغة الرجال والنساء لا تختلف كثيرًا فيما بينها عندما يتعلّق الأمر بممارسةِ الجنس؛ إذ يحدث تثبيطٌ للمنطقة الدماغية الواقعة خلف العين اليسرى -التي تدعى القشرة الجبهيّة-الحجاجية الوحشية (lateral orbitofrontal cortex)- عند كلا الجنسين. ويصف أحد الباحثين حدوث ذلك الأمر بـ"فقدانٍ للسيطرة"، ثمَّ إنّه يشابه بنسبةٍ كبيرةٍ الحالة الدماغية لشخصٍ يتعاطى الهيروين.

لا يخلو الأمر من بعضِ الاختلافات بطبيعة الحال، فعند ممارسة المرأة للجنس تُنشَّطُ المنطقة من جذع الدماغ التي تُدعى المادة الرمادية المحيطة بالمسال (periaqueductal gray)، وهذه المنطقة تسيطر على استجابة "المواجهة أو الهروب". وقد أظهرت أدمغة النساء تناقصًا في فعالية كلٍّ من اللوزة والحصين (وهي مناطق تتوافق مع مشاعر الخوف والقلق). ويفترض الباحثون أن وجود هذه الاختلافات يأتي من حاجة المرأة إلى الشعور بالأمان والراحة لكي تتمكّن من الاستمتاع بالممارسة الجنسية. إضافة إلى ذلك؛ فإنّ منطقة القشرة المسؤولة عن الألم أظهرت فعالية عند النساء، مما يعني وجود صلةٍ وثيقة بين المتعة والألم.

وجدت الدراسات أيضًا أنّه على الرغم من قدرة بعض النساء على خداع شركائهنَّ وإيهامهم ببلوغهنَّ النشوة الجنسية، لكن لا يمكن لأدمغتهنَّ إلَّا أن تُظهِر الحقيقة؛ إذ تتنشط مناطق الدماغ المسؤولة عن التحكم الإرادي بالحركة (المخيخ)، ولا يُبدي الدماغ الفعالية ذاتها التي يُبديها عند بلوغ المرأة لنشوةٍ حقيقية.

ولكن؛ ماذا عن الأشخاص الذين لا يُمكنهم بلوغ النشوة الجنسيّة؟

(عدم بلوغ النشوة الجنسية Anorgasmia والنشوة الجنسية الناتجة عن الأعضاء غير التناسلية).

يُعرَّف عدمُ بلوغ النشوة الجنسية Anorgasmia بأنّه عجزٌ في الوصول إلى مرحلة النشوة الجنسية لأسبابٍ مختلفة. ففي بعض الحالات، قد ينتج ذلك عن تناول أصنافٍ معينة من الأدوية، مثل مثبطات إعادة قبط (التقاط) السيروتونين الانتقائية (SSRIs)، التي تُستَطبُّ لعلاج الاكتئاب والقلق وغيرها من الأمراض النفسية، إذ يمكن أن تسبّب تأثيراتٍ جانبيةً تتضمن عجز المريض عن بلوغ النشوة الجنسية. ويحدث ذلك بسبب قدرة هذه المثبطات على تقليل إنتاج الدوبامين من الدماغ، وهو ناقلٌ عصبيٌّ يُعدُّ مسؤولًا عن الأحاسيس الممتعة، ويعزّز رغبة الشخص بتكرار الفعل الذي يجلب تلك الأحاسيس.

تزول هذه المشكلة في بعض الحالات من تلقاء نفسها، أو يمكن التخلُّص منها بالتبديل إلى صنفٍ آخر من مضادات الاكتئاب، أو حتى بتناول صنفٍ آخر من الأدوية إلى جانب مثبطات إعادة قبط السيروتونين الانتقائية.

وهناك مفهومٌ آخرُ قد يبدو أكثرَ غرابةً لكنه موجود؛ هو النشوة الجنسية غير المرتبطة بالأعضاء التناسلية؛ إذ يمكن لبعض الأشخاص أن يبلغوا نشوتهم الجنسية عن طريق ملامستهم أو مداعبتهم في مواقعَ أخرى من الجسم، كالحِلمتَين على سبيل المثال. ويعتقد الباحثون أنّه في هذه الحالة يحدث انتقالٌ للإحساس المُحدَث في الحلمتين إلى مناطق الدماغ ذاتها التي تستقبل المعلوماتِ من الأعضاء التناسلية. غير أنّه قد سُجِّلت حالاتٌ حقيقية من بلوغ النشوة الجنسية لبعض الأشخاص في أماكن مختلفة من أجسامهم، كالقدمين أو اليدين. حتَّى أنَّ العديد من الأشخاص تحدثوا عن بلوغهم للنشوةِ الجنسيةِ عبر أطرافٍ لم تَعُد موجودةً لديهم.

ومن الأسباب التي تفسّر حدوثَ ذلك قد يكون التأثير الناجم عمّا يعرف بالأُنيْسيان القِشري (cortical homunculus)، وهو رسمٌ خرائطيٌّ يُظهِر الأماكن المختلفة من القشرتين الدماغيتين الحسّية والحركيّة وكيفية ارتباطها مع أعضاء الجسم. فعلى سبيل المثال؛ بالنسبة إلى شخصٍ يشعر بنشوةٍ جنسية مترافقة مع طرفٍ وهمي؛ فإنّه قد يكون خضع لإعادة توزيعٍ لحواسّه بسبب توضّع القدم والأعضاء التناسلية في موقعين متجاورين على الأُنَيْسيان. وفي هذه الحالة، يؤدّي فقدان الطرف إلى غياب الأحاسيس المُرسَلة من قِبله، ومن ثَمَّ يستولي موقع أحاسيس الأعضاء التناسلية على كامل المساحة.

ختامًا؛ وعلى الرغم من معرفتنا بكيفية تأثير النشوة الجنسية على الدماغ أكثر من أيّ وقتٍ مضى؛ فنحن لا نزال نجهل كثيرًا عنها.

مصادر إضافية من موقعنا:

دورة الاستجابة الجنسية هنا

تعرّف على النواقل العصبية هنا

قراءات إضافية:

هنا

مصادر المقال:

هنا

هنا

هنا