الرياضيات > الرياضيات

مجموعاتُ الأعداد (الجُزءُ الأول)

استمع على ساوندكلاود 🎧

كما ينقسم البشر إلى مجتمعاتٍ تجمع بين أفراد المجتمع الواحد منها سمةٌ خاصّةٌ، كذلك تتوزّع الأعداد على مجموعاتٍ يجمع بين الأعداد الّتي تنتمي إلى كلٍّ منها عاملٌ مُمَيِّزٌ وكأنّه بندٌ مشتركٌ في هُوِيّاتِ كلِّ الأعدادِ المُنتميةِ إلى إحدى هذه المجموعات. وقبلَ أنْ نخوضَ في بيانِ ذلك، وبما أنّنا نتحدّث عن المجموعات فلا بُدَّ لنا مِن أنْ نرسِّخَ فهمنا لمفهوم المجموعة، وبما أنّنا نتحدّث عن مجموعاتِ الأعدادفلا بُدَّ لنا أنْ نتكلّمَ بلغة الأعداد، وأنْ نطَّلِعَ على التّمثيلِ الرّياضيِّ للمجموعات.

يُمْكنُ لأيّ عددٍ من الأفراد أو الأشياء أنْ يُشكِّلوا مجموعةً، وعندها نقول إنّ كلًّا منهم عنصرٌمن عناصر المجموعة. فكما أنّ أيّامَ الأسبوعِ مجموعةٌ، والمحيطاتِ الخمسةَ مجموعةٌ، فإنّنا نستطيع أنْ نرى قِطًّا وطائرةً وتفّاحةً كمجموعةٍ، فنقول إنّ القطَّ ينتمي إلى تلك المجموعة، ونقول إنّ المجموعةَ المكوَّنةَ، مثلًا، من الطّائرة والتّفّاحة فقط محتواةٌ في المجموعة المكوَّنةِ من القطّ والطّائرة والتّفّاحة معًا، لأنّ عنصريِ الثّانيةِ ينتميان إلى الأولى، ونقول في هذه الحالة إنّ المجموعةَ الثّانية مجموعةٌ جزئيّةٌ من الأولى، ولو أنّ أحدَ عُنصُرَيها على الأقلِّ لم ينتمِ إلى الأولى فلا يقالُ عنها ذلك ولا تكونُ محتواةً في الأولى.

أمّا بالنّسبة للتّمثيل الرّياضيِّ لمجموعةٍ ما، فلْنأخذ-على سبيل المثالِ- المجموعةَ الّتي تحوي الأعدادَ 2، 14 ، 25 فقط، ولْنسمّيها ω، عندها نستطيع أنْ نكتبَ:

ونقرأ ذلك بالشّكلِ الآتي: المجموعةُ أوميغا تساوي مجموعة الأعدادِ اثنينِ وأربعةَ عشرَ وخمسةٍ وعشرينَ. ونستطيع أنْ نكتبَ:

ونقرأ ذلك بالتّرتيب من اليسار إلى اليمين: العدد اثنان ينتمي إلى المجموعة أوميغا، العدد خمسة لا ينتمي إلى المجموعة أوميغا، المجموعة الّتي عنصراها اثنان وأربعةَ عشَر محتواة في المجموعة أوميغا، والمجموعة الّتي عُنصُراها أربعةَ عشَر واثنان وعشرينغيرُ محتواةٍ في المجموعة أوميغا.

نستطيع الآنَ العودةَ إلى جولتنا في عالم الأعداد والتّعرّفَ على مجموعاته المختلفة وما يميّزها عن بعضِها البعض.

تستقبلنا عند بابِ هذا العالمِ مجموعةٌ تُدعى مجموعةَ الأعدادِ الطّبيعيّة، وهي المجموعة الّتي عناصرها هي الأعداد الّتي نعدّها واحدًا واحدًا بشكلٍ طبيعيٍّ ابتداءً من الواحدِ، وتُرَمَّزُ رياضيًّا بالشّكلِ:

ولكننا لا نستطيعُ أن نُعبّرَ عن مختلف العمليّاتِ الحسابيّةِفي حياتنا اليوميّة باستخدام هذه الأعدادِ فقط، حيثُ لا يمكننا التّعبير عن مفهوم الخسارة إلّا باستخدام عمليّة الطّرح، فعندما يخسر التّاجر مليونَ لِيرةٍ أو عندما تؤكَلُ تفّاحةٌ من الطّبق نعبّر عن كلٍّ من تلك الخَسارتين بطرح مقدار الخَسارة من المقدار الكلّيّ قبلَ حدوث الخَسارة. ولكن ليست عمليّة طرح عددٍ طبيعيٍّ من آخرَ إلّا عمليّةَ جمعِ قيمةِ النّسخةِ السّالبةِ منه مع العددِ الآخرِ، فعندما نطرح العدد اثنينِ من العدد خمسةٍ إنّما نقوم بجمع (-2) و (5) . وعند إجراء عمليّة طرحٍ بين عددين طبيعيّينِ نلاحظ ثلاثَ حالاتٍ:

- عندما يكون المطروح أصغرَ من المطروحِ منه، عندها تكون نتيجة العمليّة موجبةً، وستنتمي النتيجة حتمًا إلى مجموعة الأعداد الطّبيعيّة.

- عندما يتساوى المطروحُ مع المطروحِ منه، فإنّ نتيجة العمليّة تكون العدد صفرًا، والّذي بدوره لا ينتمي إلى مجموعة الأعدادِ الطّبيعيّة.

- عندما يكون المطروح أكبرَ من المطروحِ منه، فإنّ نتيجة العمليّة تكون سالبةً وغيرَ مُنتَمِيَةٍ إلى مجموعة الأعداد الطّبيعيّة.

هنا نقدّم مجموعة أعدادٍ جديدةٍ تحوي الأعداد جميعها الّتي تمثِّل نواتجَ عمليّات الطّرح المُطَبَّقةِ على أيّ عددين طبيعيّين، وتدعى مجموعةَ الأعدادِ الصّحيحةِ، وتُرَمَّزُ رياضيًّا بالشّكلِ:

ونلاحظ هنا أنّ الأعداد الطّبيعيّة جميعَها تنتمي إلى هذه المجموعة، وبما أنّ الأعداد الطّبيعيّة جميعَها هي عناصرُ مجموعة الأعداد الطّبيعيّة جميعُها فيمكننا أنْ نقول إنّ مجموعة الأعداد الطّبيعيّة محتواةٌ في مجموعة الأعداد الصّحيحة:

N⊂Z

ولكن لا نزال غير قادرين على إجراء الحسابات الأساسيّة في حياتنا اليوميّة باستخدام الأعداد الصّحيحة فقط، فلا بدّ أن نُضْطَرَّ لاستخدام الكسور، حيث قد نقول على سبيل المثال: أكل زيدٌ نصفَ تفّاحةٍ، واشترى عَمرٌو رُبعَ مترٍ من القُماش، ولحساب سعر ما اشترى عمرٌو نقسِّم سعر المتر الواحد من القُماش على 4 ، فإن كان سعر المتر الواحد يقبل القسمة على 4 دون باقٍ، كأن يكون مثلًا 2000 لِيرةٍ فإنّ نتيجة القسمة ستكون 500 ليرةٍ وهو عددٌ صحيحٌ، ولكن تقع المشكلة عندما يكون سعر متر القُماش لا يقبل القسمة على 4 دون باقٍ، كأن يكون مثلًا 2125 لِيرةٍ فعندها ستكون نتيجة القسمة1/4 536 لِيرةٍ وهو مجموع عددين 536 وهو عددٌ صحيحٌ، و1/4 وهو لا ينتمي إلى مجموعة الأعداد الصّحيحة، وبالتّالي مجموعه مع العددِ الأوّلِ الصّحيح لا ينتمي أيضًا إلى مجموعة الأعداد الصّحيحة، ولكن عندما قمنا بعمليّة القسمة بدأنا بالكسر 2125/4 ، وكما نلاحظ ينتمي كلٌّ من بسط هذا الكسر ومقامه مُنفردَينِ إلى مجموعة الأعداد الصّحيحة، وهكذا نقدّم مجموعة أعدادٍ جديدٍ تحوي الأعداد جميعها الّتي تمثّل نواتجَ عمليّات قسمةِ أيّ عددٍ صحيحٍ على أيّ عددٍ صحيحٍ آخر عدا الصّفرَ،وتدعى مجموعةَ الأعدادِ الكسريّةِ، وتُرَمَّزُ رياضيًّا بالشّكل:

ويُقرأُ هذا التّرميز بالشّكل الآتي: مجموعةُ الأعداد الكسريّة هي المجموعة الّتي يمكن كتابة كلّ عددٍ ينتمي إليها على شكل كسرٍ ينتمي كلٌّ من بسطه ومقامه إلى مجموعة الأعداد الصّحيحة بحيثُ لا يمكن للمقام أن يساويَ الصّفرَ. حيث إنّ البسطَ هو العدد n في التّرميز، والمقامَ هو العدد m، والمجموعة *^Z هي المجموعة الّتي تحوي الأعداد الصّحيحة جميعَها عدا الصّفر. ولا يمكن للمقام أن يساوي الصّفرَ لأنّ القسمة على الصّفرِ غيرُ معرَّفةٍ، بتعبيرٍ آخرَ، إن أردنا توزيع ألفِ لِيرةٍ على لا أحدٍ، فكم لِيرةً تكون حصّةُ كلِّ واحدٍ؟ لا معنًى لذلك![1] ونلاحظ في هذه المجموعة ما يلي:

- إنّ أيّ عددٍ ينتمي إلى هذه المجموعة يمكن تمثيله بعددٍ ذي فاصلةٍ عُشريّةٍ، وإمّا يكون هذا التّمثيل العُشريّ متكرّرًا، أي يَظهر عددٌ معيّنٌ من الأرقام بعد الفاصلة العشريّة ومن ثمّ تتكرّر هذه الأرقام إلى ما لا نهايةٍ، كالعدد 1/3 = 0.333…، أو يكون منتهيًا، أي يظهر عددٌ منتهٍ من الأرقام بعد الفاصلة كالعدد 1/2 = 0.5. [2]

- ينتمي الصّفرُ إلى هذه المجموعة، حيث يمكن كتابته على شكلِ كسرٍ بسطُه يساوي الصّفرَ -وهو بحدّ ذاتِه عددٌ صحيحٌ- ومقامُه عددٌ صحيحٌ لا يساوي الصّفرَ، فأيُّ كسرٍ من ذلك الشّكل يساوي الصّفرَ. يمكن للعدد الكسريّ أن يكون سالبًا، فبمجرّد أن يكون بسطُه مخالفًا لمقامِه في الإشارة يتحقّق ذلك، ولا يخالف ذلك شَرطَي أن يكون البسط والمقام عددين صحيحين وأن يكون المقامُ غيرَ مساوٍ للصّفرِ.

- يمكن لأيّ عددٍ صحيحٍ أن يُكتب على شكلِ كسرٍ بسطُه العدد نفسُه ومقامُه الواحد -الّذي هو عددٌ صحيحٌ- وبالتّالي كلُّ عددٍ صحيحٍ هو عددٌ كسريٌّ، فإذًا مجموعةُ الأعداد الصّحيحة محتواةٌ في مجموعة الأعداد الكسريّة.

- ولكنّ مجموعة الأعداد الطّبيعيّة محتواةُ في مجموعة الأعداد الصّحيحة، وبالتّالي هي محتواةٌ أيضًا في مجموعة الأعداد الكسريّة.

N⊂Z⊂Q

قد نظنّ أنّنا غطّينا الأعداد جميعَها الّتي يمكن أن نراها من حولِنا، خصوصًا بعد أن شاهدنا أعدادًا كـ 4، (-105)، 27/44، (-1/83)، حيث أنّ كلًّا منها ينتمي إلى واحدةٍ أو أكثرَ من المجموعات الّتي مرّت معنا. ولكنْ في الحقيقة هذا ليس إلّا جزءًا بسيطًا من الأعداد الّتي قد تتجلّى في الطّبيعة، أو الّتي نستخدمها في الحسابات الّتي نقوم بها في حياتنا اليوميّة[1]. وللخوض أكثر في هذا البحر العميق، ولمشاهدةِ المزيدِ من كائناته والتّعرّفِ على مجتمعاتها، ولكي تكتملَ لديك الصّورةُ، عزيزي القارئ، تابعنا في الجزء الثّاني من هذا المقال (هنا).

المصادر:

[1] هنا

[2] هنا