الطب > مقالات طبية

مرضى السكري والتوتر...انعكاساته والحدّ منه

استمع على ساوندكلاود 🎧

ماذا يحدث في حالة التوتر والضغط النفسي؟

عند تعرُّضك للتوترِ النفسيّ، يتصرَّف جسمُك وكأنه يتعرَّض إلى هجوم، فترتفع مستوياتُ سكر الدم نتيجةً لارتفاع مستويات هرمونات الشدة (كالابنفرين والكورتيزول) التي من مهامها الأساسية: رفعُ مستويات سكر الدم بهدف تعزيز مستويات الطاقة عند الحاجة الماسة إليها، وهذا كلُّه يقعُ ضمن إطار ما يُسمَّى: استجابةُ "واجِه أو اهرب" fight or flight، التي تهدفُ إلى توفير الطاقة الكافية للخلايا للتعامل مع الأذية أو بمعنىً آخر: "مواجهةُ الهجوم".

لماذا يُعدُّ مرضى السكري معنيين بالأمر أكثرَ من غيرهم؟

للأشخاص الطبيعيين العديدُ من الآليات للحفاظ على تلك المستويات المرتفعة من سكر الدم تحت السيطرة، أما لدى مرضى السكري، فالعديدُ من هذه الآليات مضطربةٌ أو حتى معدومة؛ ما يؤدي إلى وصول غلوكوز الدم لديهم إلى مستويات خارجةٍ عن السيطرة، بالإضافة إلى ذلك، قد يميلُ الأشخاصُ تحت ضغط التوتر النفسي إلى ضبط أنفسهم بشكلٍ أقل عن طريق تناول بعض المواد المضرة، أو ممارسة الرياضة بشكلٍ غير كافٍ، أو نسيان مواعيد بعض قياساتهم الروتينية لسكر الدم، أو سوء تنظيم وجباتهم، وهذا ما يُمثّل الآليةَ الثانيةَ لاضطراب مستويات السكر لديهم في حالات القلق والتوتر.

ما تفاصيلُ الدراسة؟

أُجريَت العديدُ من الدراسات في محاولةٍ لتوضيح العلاقة بين التوتر النفسي والسكري بشكل أدق، ومن بينها دراسةٌ أُجريت في جامعة رايس Rice University ونُشرت الشهرَ الماضي، وهي الدراسة الأولى من نوعها ـ على حد علمنا ـ التي تُوضّحُ هذه العلاقةَ على المستوى البيولوجي. قامت الدراسة بمعايرة الخضاب الغلكوزي HbA1c (اختبارٌ يفيد في تقييم الفعالية طويلة الأمد لضبط غلوكوز الدم عند مرضى السكري) والانترليوكين6 لدى 835 مشاركاً، واختبرت قدراتِهم المعرفية، كما تطلَّبت الدراسةُ منهم إتمامَ تقييمٍ ذاتي لمستوى إثارة القلق لديهم. في الأحوال الطبيعية، يقوم الدماغ بما يُسمى: تثبيطُ "inhibition" التوترِ، كجزءٍ من وظائفِ الدماغ العليا، وبالتالي فإنَّ حدوثَ تثبيطٍ منخفضٍ يعني حدوثَ التوتر والقلق بتواتر أكبرَ، وهذا ما أثبتته العديدُ من الدراسات السابقة.

ما نتائج الدراسة؟

وجدت دراسةُ جامعة رايس أنَّ الأشخاصَ ذوي التثبيط المنخفض كانوا أكثرَ عرضةً للإصابة بالداء السكري من ذوي التثبيط المرتفع، وقد بقيت هذه العلاقة موجودةً عند إضافة الباحثين قدراتٍ معرفيةً أخرى كعواملَ مشاركةٍ في دراستهم الإحصائية، ما سمح لهم باستنتاج أنَّ عاملَ التثبيطِ هو القدرةُ المعرفيةُ الوحيدةُ التي ترتبطُ مع حدوث مرض السكري.

تفسير النتائج:

فُسّرَت هذه النتائج بأنَّ التثبيطَ المنخفضَ لدى شخص يؤدي إلى حدوث القلق بتواترٍ أكبرَ، ومن المعروف أنَّ القلقَ يحرُّض على إنتاج وسائطَ التهابيةٍ كالسيتوكينات والانترلوكين6 (بروتينٌ ينتجه الجسمُ لتحريض الاستجابة المناعية والتعافي ويُعدُّ واسماً حيوياً للتوتر أو الضغط النفسي الحاد والمزمن، كما يترافق مع احتماليةٍ أكبرَ لحدوث الداء السكري وارتفاع غلوكوز الدم). بمعنىً آخر: وضَّحت هذه الدراسةُ أنَّ هناك تفاعلاً استقلابياً متسلسلاً يبدأ بالتثبيطِ المنخفض، ثم زيادةِ تواتر حدوث القلق ومنه إلى تحريض الالتهاب، وبالتالي إلى الداء السكري (الذي نحن بصدد الحديث عنه) الصورة المرافقة توضّح الآلية.

لذا على مرضى السكري - خاصةً النمط الثاني - معرفةُ كيفيةِ التعامل مع التوتر والتخفيف منه، وفيما يلي بعضُ النصائح التي قد تساعد على ذلك:

• محاولةُ الابتعاد عن مصادر التوتر قدر الإمكان، وتغييرُ الطريق المزدحم، وإيجادُ الحلول لجو التوتر في العمل، وتسوية العلاقات مع الأصدقاء والأقارب.

• ممارسةُ هواية جديدة تساعد على الاسترخاء (كاليوغا أو الرقص).

• التطوّعُ ضمن مشفىً أو جمعيةٍ خيرية.

• استبدالُ طريقة التعامل مع المشكلات، ومحاولةُ النظر إلى الأمور من منظورٍ أكثرَ إيجابية.

• ممارسةُ تمارين التنفُّس، والاستلقاءُ مع مدِّ الطرفين العلويين والسفليين، وأخذُ شهيقٍ عميقٍ ثم زفيرٍ مع إرخاء العضلات وتكرارُ هذه العملية مدةَ 5 دقائقَ أو15 دقيقةً مرةً يومياً.

• ممارسةُ التمارين الرياضية.

• استبدالُ الأفكار الإيجابية بالأفكار السلبية: يُمكن الاستعانةُ على ذلك بحفظ أغنية أو بيت شعر أو غير ذلك ممَّا يستهوي المرءَ، وترديدِه عند التعرُّض لفكرة سلبية في محاولةٍ لتجاهلها.

في النهاية، لا مهربَ من التعرُّض للتوتر في بعض الأحيان، لذا قد يكون من الجيد التفكيرُ بالانضمامِ إلى مجموعات دعمٍ نفسيّ أو استشارةُ معالجٍ نفسيٍ، فقد يكون لهذا فائدةً كبيرةً.

المصادر :

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا