الفنون البصرية > فن وتراث

قصبة الأوداية، نموذجٌ لروعةِ العمارةِ المغربيةِ وهيبتِها

استمع على ساوندكلاود 🎧

بإمكاننا استكشاف التنوع والتاريخ الغني والتراث الثقافي للمغرب عبر العديد من معالمه الجذابة، التي تسمح للزائرين بالعودة إلى ماضي المغرب العريق. أحد أهم هذه المعالم الراسخة هي قصبة الأوداية، التي تقع على نهر أبو رقراق وتطل على الساحل الأطلسي، وتشغل 4.5 هكتاراً من العاصمة الرباط. اعترف اليونسكو بأهمية هذا الموقع الثقافي القديم وصنفه في عام 2012 في لائحة التراث العالمي.

ذكر الجغرافي ابن حوقل في وثائقه الرباط الأولى التي بنيت في هذا الموضع عام 977م، ووفقاً لروايته كان المجمع قادراً على إيواء ما يقرب من مائة ألف جندي. شيّد المرابطون القصبة عام 1140م، بينما كانوا يقاتلون الموحّدين، الذين حاولوا الاستحواذ على السلطة منهم. كسب الموحدون المعركة في نهاية المطاف، وباشروا بإعادة إعمار القصبة وتطويرها عام 1150م، وأضافوا إليها مسجداً وقصراً، وأطلقوا عليها اسم المهدية، تكريماً للمهدي بن تومرت زعيمهم الروحي.

في عهد الموحّدين، أُحدثت تغييرات عديدة للرباط. لكن بعد وفاة يعقوب المنصور في 1199 م، هجر السكان القصبة وتدهورت أحوالها. وفي القرن السابع عشر أحياها المورسكيون الذين طُردوا من إسبانيا كمكان للجوء، وأسسوا فيها نوعاً من "الجمهورية المستقلة" واشتهرت باعتمادها على القرصنة البحرية.

تظهر بصمات المورسكيين الأندلسية واضحة في فنون المعمار، وأنواع الزخرفة، وتزيين واجهات المساكن، والاعتناء بأغراس النوافذ.

تتألف القصبة حالياً من قسم علوي أسسه الموحّدون، يضم السور والبوابة بشكل أساسي، وقسم سفلي أنشئه العلويون، يضم الأسوار الرشيدية والقصر الأميري وبرج صقالة العسكري. يحيط السور القصبة ويحميها، بُني بالحجر الدبش وطُلي بالطين، يترك السور انطباعاً مهيباً، فسماكته 2.50 متر، وارتفاعه من 8 إلى 10 أمتار. لا تزال بعض المدافع القديمة ماثلةً في الساحة العامة المائلة المحاذية للسور.

توجد داخل القصبة حديقة ساحرة، أندلسية الطابع، مزروعاتها متنوعة من نخيل وحمضيات وأشجار زهرية، أما المساكن فأغلبها مصبوغ بأبيض ناصع وأزرق جذاب يشبه كثيراً ألوان المدن الساحلية المتوسطية.

وسيعجب الزوار من رؤية البوابة الضخمة للقصبة التي تجثم على تلة تشرف على المدينة، وقد زُينت بقدر كبير من التفصيل، يحيطها برجان تتخلّلهما نوافذ صغيرة الحجم تبرز منها فوهات مدافع حربية ما يدل على الدور الدفاعي الذي لعبته لحماية الرباط.

تتكون البوابة من عقد من الحجر المنحوت المغر الأحمر، وتحمل زخرفة منحوتة معادة على الواجهة الداخلية، فيما تحيط نقوش عربية وكتابات كوفية بديعة بركنيتي العقد. وتتواجد عند منشأ العقود المزينة بأشكال أكاليل من الزهريات، زخارف أفعوانية تشكل عنصراً نادراً ضمن الزخرفة المغربية.

حالما يمرُّ الزوار عبر البوابة، سيصلون إلى ثلاث قاعاتٍ مربعةٍ متتالية ومنفصلة عن بعضها البعض بدرجات. تعلو القاعة الأولى قبة تتّكئُ على حنيات ركنية، وتغطى الثانية بقبةٍ تقوم على مثلثاتٍ كرويةٍ والثالثة بقبوةٍ أسطوانية. هناك أبواب تفضي إلى القلعة، في حين يوصل درج إلى السطح.

قصبة الأوداية هي موطن أقدم مسجد في المدينة يُدعى بالجامع العتيق 1150م، ويأوي الجناح الأميري متحف الفنون التقليدية.

إنها بلا ريب نقطةُ جذبٍ جديرةٍ بالزيارة ولن تخيّب آمال عشاق التاريخ والعمارة.

المصادر:

هنا

هنا

هنا