كتاب > روايات ومقالات

مراجعة رواية (الأبله): الأبله السليم في مجتمع البلهاء.

تدور أحداث الرواية في مدينة بطرسبورج، بوصول الأمير ليون نيكولايفيتش ميشكين إليها ولكنه يكون فقيراً جداً رغم أنه سليل أسرة ميشكين العريقة. يصل من سويسرا حيث كان يتعالج من الصرع. ويتعرف في القطار على بارفيون روجوبين الذي ورث عن أبيه ثروة طائلة. يخطط الأمير ميشكين لزيارة قريبته الوحيدة من سلالة عائلته الجنرالة اليزابيت بروكوفيفنا وزوجة الجنرال ايبانتشين ووالدة ثلاثة بنات من أجمل بنات بطرسبورج. تدور بعد ذلك الأحداث بشكلٍ بطيء ولكننا نصطدم دائماً بوصف "الأبله" للأمير ميشكين، وذلك بسبب أنه لا يعرف تقاليد المجتمع بشكل جيد، ودائماً ما يتصرف بشكلٍ عفوي بعيداً عن التكلف والتملّق.

أما الأمير ميشكين فنرى أنه يقع بين نارين حبه لأناستاسيا فيليبوفنا التي يحبها ويريدها كل من في الرواية، وحبه لآجلايا إيفانوفنا بنت الجنرال إيبانتشين! ترتفع الأحداث بين هؤلاء الثلاثة إلى درجة عالية من التوتر تجعل كل شخصيات الرواية تدور حول هذا الثلاثي والعلاقة التي بينهم. إلى درجة قد يضيع القارئ تماماً مع من يجب أن يتعاطف؟ هل مع آجلايا إيفانوفنا التي تسخر من الأمير ميشكين بشكل دائم ولكنها مولعة به؟ أم مع أناستاسيا فيليبوفنا التي يحبها الأمير ميشكين بدافع التعاطف، حيث يصفها دائماً بالإنسانة المُعتلة والمريضة.

الحب الذي يبينه لنا دوستويفسكي هنا هو نوعان من الحب، الحب الصافي الرومانسي المتمثل بعلاقة الأمير بآجلايا إيفانوفنا. وحب الرأفة والعاطفة والحنو الذي يصبغ علاقة الأمير بأناستازيا فيليبوفنا.

"أبله" دوستويفسكي هو أبله لما يتصف به من صفات إنسانيةٍ رفيعة، يفتقد لها معظم الشخصيات في الرواية بشكل واضح، فهو الشخصية التي تتصف بالبراءة، الإيثار، اللطف، الأخلاق الرفيعة، الصدق، الوضوح، العطف، ومحبة كل من حوله حيث أنه لا يملك ضغينة تجاه أحد حتى من يحاول قتله. هو الإنسان في براءته الأولى، في صفائه الأول، دون منغصات والضغوط التي تفرضها الحياة على الإنسان، هو مسيح دوستويفسكي، هو دوستويفسكي نفسه الذي كان مريضاً بالصرع وهو الأمير الي لا يملك شروى نقير، وإن ملك كل شيء فهو يوزع بغير حسبان لكل من يطلب منه. بالمختصر هو الإنسان المثالي الذي يبحث عنه دوستويفسكي.

هذا الإنسان المثالي الذي خرج من القوقعة التي كان يعيش فيها ليرى نفسه وسط المجتمع المُنحط والفاسد والمليء بالقذارة الأخلاقية، يضع نفسه في صراعٍ مباشر مع هذا المجتمع الذي يتلاعب تماماً بشخصية مثل شخصية الأمير الأبله فيقلب الأمور رأساً على عقب، ويقود هذا الأمير المثالي إلى مصير لا يلقاه أي شخص آخر في هذا المجتمع، مجتمعٌ مليء بشخوصٍ فاسدة أخلاقياً والأمير هو الدخيل على هذا المجتمع.

ربما أجمل وصف وُصِف به الأمير ميشكين هو وصف أوجين بافلوفتش: "إنني لا أرى رأي أولئك الذين يعدُونك أبله. حتى أنني أستاء حين أسمع كلامهم. إنك أذكى من أن توصف بهذه الصفة". هنا يبرهن لنا أوجين بافلوفتش أن من عشنا معه على مدى ألف صفحة ليس بالأبله! إنما المجتمع الذي يحيط به هو المجتمع "الأبله" وليس هو كما وُصف، هو الشخص الوحيد الذي يتكلم ويتعامل بصدق مع ذلك المجتمع.

معلومات الكتاب:

الكتاب: الأبله.

الكاتب: فيودور دوستويفسكي

المترجم: الدكتور سامي الدروبي

عدد الصفحات: جزأين من القطع الكبير 1140 صفحة

الطباعة: دار ابن رشد للطباعة والنشر