البيولوجيا والتطوّر > منوعات بيولوجية

لعاب البعوض يساعد الفيروسات على إصابتنا بالمرض

استمع على ساوندكلاود 🎧

عندما يلسع البعوض، فإنه يحقن كمية قليلة من اللعاب (أقل من 1 ميكرو ليتر)، يحتوي هذا اللعاب على مزيج فعّال ومتخصص من الجزيئات التي تُعطِّل الشعور بالألم عند اللسع وتمنع الدم من التخثر. تستغل العديد من العوامل الممرضة ذلك وتمر عبر لعاب البعوض إلى جسم المضيف، حيث أن الفئران التي حُقنت بالفيروس عن طريق البعوض أصيبت بالتهاب أشد من الإصابة بالفيروس عند حقنه لوحدهِ من قبل الباحثين بواسطة إبرة، لكن السبب لم يتضح بعد.

في محاول لفهمِ ما يجري، قام المختص بعلم المناعة كلايف ماكيمي (Clive McKimmie) مع زملائه في جامعة ليدز في المملكة المتحدة بحقن الفئران بمجموعة غير ضارة من فَيرُوسُ غَابَةِ سيميليكِي Semliki Forest virus (SFV)، وهو قريب من فيروس شيكونغونيا (chikungunya). عندما تم حقن السلالة في الجلد، لم يصب أي فأر بإصابات شديدة، وبقيت جميع الفئران حية. لكن عندما تم حقنه عن طريق لسعة البعوض، انتشر الفيروس بشكل أسرع وأكثر سهولة إلى باقي الجسم، ومات 4 فئران من أصل 11 فأراً من الإصابة بالالتهاب.

يبدو أن الفيروس احتاج إلى لعاب البعوض للوصول إلى المضيف الجديد، لكن لماذا؟

إحدى النظريات هي أن المركبات الموجودة في اللعاب قد ثبطت نظام المناعة، لكن الباحثين وجدوا أن القضية ليست كذلك، وبدلاً عن ذلك؛ يحفز اللعاب حصول الالتهاب، الأمر الذي ينبه الجسم إلى أن دفاعاته قد انتُهِكَت، فتبدأ فئة من الخلايا المناعية تسمى العدلات (Neutrophils) التي تكون أول المستجيبين في الجسم للتوجه إلى مكان اللسعة وتقوم بدورها بتجنيد البالعات الكبيرة (Macrophages) لتلتهم الميكروبات والأجسام الغريبة التي لا تنتمي إلى الجسم.

اكتشف الباحثون، باستخدام فيروس SFV الموسوم بصبغة الفلورسنت، أن البالعات الكبيرة قد أصيبت بالفيروس وبدأت بنشر المرض. عندما حقن الباحثون فئراناً تفتقر إلى البالعات الكبيرة بفيروس SFV، كان أداء الفئران جيداً سواءً كانت أصيبت في مكان اللسعة أو لم تُصَبْ، ويدل هذا على أن الفيروس استَغَلّ البالعات الكبيرة لصالح تكاثرهُ وانتشارهُ بسرعة في الجسم.

يقول دايفد شنايدر (David Schneider)، وهو خبير في المكروبيولوجيا في جامعة ستانفورد، كالفورنيا، بأن هذا البحث مثير للاهتمام "لأنه أول بحث أعرفه يستخدم فيه الفيروس الاستجابة المناعية للمضيف لزيادة نجاح انتقاله إلى المضيف الجديد". فالفيروسات التي تنتقل عن طريق البعوض تواجه تحدياً خاصاً، لأنها تحتاج إلى إصابة المضيف بانتقال عدد قليل فقط من الفيروسات عن طريق اللسعة، ثم تتكاثر بأعداد تكفي لتؤمِّن انتقالها مرة أخرى عند اللسعة القادمة. ويقول آندرو ريد (Andrew Read) من جامعة بنسلفانيا في الولايات المتحدة: "هذا يظهر لنا أن مقابل كل آلية دفاع من المضيف، سنجد عواملاً ممرضة تحاول استغلال ذلك بما يتناسب مع مصالحها".

ويأمل (ماكيمي) أن تضعف الاستجابة المناعية بعد اللسعة عند دهن كريم مضاد للالتهابات على سبيل المثال، الأمر الذي يقلل من احتمالية حصول التهابات شديدة عند انتقال الفيروسات من لسعة البعوض، لكنه يعلق "من الواضح أننا بحاجة إلى المزيد من الدراسات قبل أن نبدأ بإعطاء أي نصائح صحية عامة".

من جهة أخرى، يُحذِّرُ (شنايدر) من أن كَبْح رد الفعل المناعي قد يكون له سلبيات: "إن الخطر يكمن في وجود التهاب ثانوي خفي سيكون قادراً على النمو خارج نطاق السيطرة وإيذاء المريض، والاستخدام الواسع لهذا العلاج قد يؤدي إلى تطور عوامل ممرضة أكثر ضراوة قادرة على الاستغناء عن مساعدة جهاز المناعة".

وبحسب (ماكيمي): "لا يوجد دليل على أن هذه الاستراتيجية من شأنها أن تدفع الفيروس للتطور بأي شكل من الأشكال. وليس هناك حاجة لكَبْحِ كامل جهاز المناعة، بل فقط في مكان الالتهاب، وحتى لو ثَبُتَ نجاح ذلك يوماً ما، فإن العلاج سيكون خطة بديلة فقط، والطريقة الأفضل لتجنب الإصابة هي عدم التعرض للسع".

المصادر:

هنا

البحث الأصلي: هنا