الفيزياء والفلك > النظريات الأساسية في الفيزياء

الحلقة الأولى: ميكانيك نيوتن

 

اعتمدت الفيزياء في وصف الطبيعة خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر بشكل كبير على القوانين التي وضعها نيوتن في كتابه " الأصول الرياضية للفلسفة الطبيعية" والتي كان من أهمها قوانين الحركة الثلاثة وقانون الجاذبية العام. وأكد نيوتن على مفهوم "القوة" كسبب للتحريك.

وقد جائت قوانين الحركة الثلاث ضمن خط افكار امتد من ارسطو مرورا بغاليليو وحتى نيوتن. أما هذه القوانين فهي:

- القانون الأول : إذا كان مجموع القوى المؤثرة في جسم ما منعدماً فانه يتحرك بحركة مستقيمة وبسرعة ثابتة. ندعو هذا القانون "قانون العطالة". فعطالة الجسم صفة ناتجة عن الكتلة وتعبر عن قابلية الجسم للحفاظ على سرعته، فالأجسام كبيرة الكتلة لا تغير سرعتها بسهولة فبإمكاننا ايقاف كرة صغيرة بسهولة بيدنا ولكن ذلك مستحيل لو كنا نتحدث عن شاحنة متحركة.

- القانون الثاني: ويربط هذا القانون بين القوة وتأثيرها على الحركة. فعندما تؤثر قوة ما على جسم فانها تسبب تغييرا في سرعته، زيادة أو نقصانا او تغير على الأقل جهة الحركة. ندعو هذا التغيير في قيمة السرعة او جهتها "تسارع" وينص القانون الثاني على أن: القوة = الكتلة × التسارع .

فكلما زادت القوة سببت تسارعا اكبر فمثلا اذا زادت قوة المحرك تصبح زيادة السرعة أكبر وبالعكس

كما أن هذا القانون يعني أنه عندما تؤثر قوتين متساويتين على جسمين مختلفين فالجسم الذي كتلته أكبر سيكون تسارعه اقل وحركته ابطأ والجسم ذو الكتلة الأقل تسارعه أكبر وحركته اسرع.

فإذا وجد محركين متشابهين على سيارة كبيرة وسيارة صغيرة فالصغيرة ستملك تسارعا اكبر لأن كتلتها أقل والكبيرة ستملك تسارعا أقل لأن كتلتها أكبر. 

- القانون الثالث: ينص هذا القانون على أن " لكل فعل رد فعل يساويه في القيمة ويعاكسه في الجهة " فإذا اثر جسم على جسم ثاني بقوة ما فإن الجسم الثاني يؤثر على الأول بقوة مساوية بالقيمة وبالجهة المعاكسة وسنرى التطبيق الأوضح لهذا القانون في حديثنا عن قوة الجاذبية.

وضع نيوتن أيضا في كتابه قانون الجاذبية العام بناء على ملاحظات تجريبية قام بها غالليليو سابقا حيث لاحظ أنه بالقرب من سطح الأرض تسقط الأجسام بنفس التسارع حتى لو كانت مختلفة بالكتلة، وبناءعلى تجارب قام بها نيوتن أيضاً و على الأفكار السائدة بين الأكاديميين في تلك الفترة وينص هذا القانون على أن القوة التي يجذب فيها جسم ما (مثل الشمس) جسما أخر (مثل كوكب الأرض) تزداد بزيادة كتلة الجسمين وتتناقص مع مربع المسافة بينهما. أي اذا جعلنا المسافة بين الجسمين ضعف المسافة الحالية ستصبح القوة اقل بـ (2×2) اي اربع مرات. وإذا جعلنا المسافة أكبر ب 3 مرات تصبح القوة اضعف بـ (3×3) اي تسع مرات وهكذا. وقد وضح نيوتن أن قوانين الحركة هذه وقانون الجاذبية تصف حركة الأجسام السماوية كالكواكب والأقمار والنجوم وتصف أيضا حركة الأجسام على الأرض اي انه يصلح في اي نقطة من الكون لذلك يدعى قانون الجاذبية الكوني أو العام. وبالعودة للقانون الثالث لنيوتن فإن الأرض تجذبك بقوة نحو الأسفل (فعل) وأنت تجذبها بنفس القوة نحو الأعلى (رد الفعل) ولكن قيمة هذه القوة لها تأثير ملحوظ على كتلة صغيرة متل كتلتك ، بينما تأثيرها ضعيف جدا جدا على كتلة الأرض الضخمة.

وقد بين نيوتن تطابق فرضياته مع التجارب المقامة على الأرض كما برهن نيوتن أنه يمكن من قوانينه استنتاج ثلاثة قوانين كانت معروفة في ذلك الوقت تدعى "قوانين كبلر" والتي تصف حركة الكواكب في المجموعة الشمسية وقد وضعها كبلر بناء على كم كبير من الملاحظات وقياسات مواضع الكواكب قام بها كبلر ومن قبله تيخو براهي. وقد نصت على أن الكواكب تتحرك بمسارات أهليلجية، وأن سرعة الكوكب تزداد عندما يكون قريبا من الشمس و تنقص عندما يكون بعيدا عنها، و بينت وجود علاقة بين زمن دوران الكوكب حول الشمس وبين القطر الأكبر لمداره .وقد كان استنتاج نيوتن من جديد لهذه القوانين بناء على القوانين التي وضعها هو مساهمة في دعم صحة فرضياته.

يمكن استنادا لقوانين نيوتن معرفة المعادلات التي تحدد حركة الأجسام من معرفة القوى المؤثرة فيها وقد جرت اعادة صباغة فرضيات نيوتن بعدة طرق اهمها ما قام به كل من لاغرانج وهاميلتون.

وباختلاف هذه الصياغات ظاهريا فجمعيها تتفق في النتيجة وفي صورة العالم الذي تصفه فجميعها تفترض أن العالم الذي نعيش فيه "حتمي" اي بمعرفة القوى المؤثرة وحالة الجسم المتحرك في لحظة ما فيمكن معرفة ماضي حركته ومستقبلها عند اي لحظة . كما ان هذه الفرضيات تتفق أن الزمن مفهوم مطلق، أي ان الزمن يجري بنفس الشكل في كل نقطة من الكون وبنفس الطريقة مهما كانت سرعة الشخص المتحرك. وبشكل منفصل عن مسرح الأحداث الفيزيائية.

أدى تطبيق هذه المبادئ التي تعرف بالميكانيك النيوتوني إلى ازدهار صناعة الالات كتطبيق لنتائج هذه القوانين وساهم هذا الفهم لقوانين الحركة في ازدهار الثورة الصناعية التي اجتاحت اوروبا في العقود اللاحقة. 

ولكن نيوتن كان يعتبر ان هذه القوانين غير كافية لوصف الكون كاملا وكأنه ساعة ضخمة. كما ان سبب قوة الجاذبية كان سؤالا يشغله دوما ولم تتم الاجابة عنه في وقته. ولكن تعديل هذه النظرية و حل التناقضات العميقة التي كانت غير ظاهرة وجب ان تنتظر اكثر من 200 عام حتى يتم حلها.

اما نيوتن فقد عبر عن رأيه بنظرياته بقوله " لا أعلم كيف يراني العالم، ولكن بالنسبة لي أبدو كطفل يلعب على الشاطئ وألهو بين الحين والأخر عاثرا على حصاة اكثر نعومة أو صدفة أجمل من المعتاد في حين يمتد محيط الحقيقة العظيم امامي غير مكتشف بعد".

 

مراجع إضافية:

- سلسلة محاضرات فاينمان- الجزء الأول

- Physics for Scientists and Engineers, 6th Edition R.A.Serway