الطب > ‫‏كيف يعمل جسم الإنسان‬؟

سلسلة كيف يعمل جسم الانسان؟- الغدّة الدرقية

استمع على ساوندكلاود 🎧

لمحة تشريحية:

تتوضعُ في أسفلِ عنقكَ كتلةٌ بشكلِ الفراشة بلونٍ أحمرَ بنيٍّ معانقة الوجهَ الأمامي للرغامى وتُدعى الدرق. تتوضعُ الغدةُ الدرقيةُ في مقدمةِ العنقِ على امتدادِ الفقراتِ الرقبية والصدرية، بدءاً من الرقبيةِ الخامسةِ وحتى الصدريةِ الأولى بطول 12-15 مم. وتتألف من فصين، فص في كل جهة، يصلُ بينهما جزءٌ يدعى البرزخ، والذي قد يغيب في بعض الأحيان، فيتواجد الفصانِ سابقا الذكر مفصولَيْن عن بعضهما البعض، كما قد يتواجد في بعض الأحيان بروزٌ إضافي على البرزخ يتجه نحو الأعلى مشكلاً فصاً إضافياً يدعى بالفص الهرمي.

ومن الجدير بالذكر أن موقع الدرق في العنق يجعلها على تماسٍ مع العديد من الأعضاء الهامة، من الأوعية الدمويةِ والغدد جارات الدرقِ التي تلتصقُ على وجهها الخلفيّ وبالطبع الرغامى، كما تقع بالقرب من الأعصابِ المسؤولةِ عن إنتاج الصوت مما يجعل موقعها حساساً نوعاً ما.

صورة توضّح التوضع التشريحي للدرق

البنية النسيجية:

تتألف الغدة الدرقية نسيجياً من فصوصٍ تتكون بدورها من حويصلات تشكل البنيةَ الأساسيةَ لنسيج الدرق، لهذه الحويصلات جدارٌ مكون من صف واحد من الخلايا التي تحيط بجوفٍ مملوءٍ بسائلٍ يدعى السائلَ الغرواني colloid، وهو سائلٌ يحوي بروتيناً سكرياً مضافاً إليه اليود يدعى يودوتيروغلوبولين والذي يشكل سلفاً للهرمونات التي تنتجها هذه الغدة. تحيط بهذه الحويصلات شبكة كثيفة من الشعريات الدموية والأوعية اللمفية والأعصاب، بالإضافة لتجمعات من خلايا بين الحويصلات تدعى بالخلايا C.

صورة توضّح النسيج الدرقي

هل هي بهذه الأهمية؟

لعلنا لا يمكننا أن نتخيل أهميةَ وظيفة الدرقِ إلا إذا ما ذكرنا دورها الرئيسيّ في تطور الكائنات الحية. تشير الدراسات إلى أن لليود (الموجود في هرمونات الدرق) الدورَ في تفضيلِ تطورِ الكائنات التي تعيش على اليابسة، حيث يتدخل في تحول البرمائيات من خلال تحويل الشراغيف المائية إلى ضفادعَ بالغةٍ لاحمةٍ تعيش على اليابسة مع قدرات عصبيةٍ وبصريةٍ وشميةٍ أكبرَ تساعدها على الصيد. الأمر ذاته ينعكسُ على تطور دماغ الإنسان كما سنرى.

وظيفة الدرق:

تقوم الدرقُ بشكل رئيسي بإفراز نوعين من الهرمونات من الحويصلات الدرقية، هما التيروكسين T4 والترييودوتيرونين T3 المسؤولان بشكلٍ رئيسي عن تنظيم عمليات الاستقلاب (البناء والهدم) والتنفسِ الخلوي واستهلاكِ الطاقة والنموِ وتطورِ الأنسجة،. كما تفرِز في الوقت نفسهِ هرموناً آخرَ من الخلايا C هو الكالسيتونين.

ويشكلُ اليودُ مكوناً أساسياً للهرمونَيْن الأولين، حيث تصطادُه خلايا الغدةِ الدرقية من مجرى الدم، وتقوم في الوقت نفسهِ بإنتاجِ بروتينٍ سكريٍّ يدعى الغلوبولين لتربطه مع اليود وتختزنه في السائل الغرواني. وتكفي هذه الهرمونات المختزَنة في الحويصلات لمدة شهرين إلى ثلاثة أشهر، حيث تفرزها مباشرة إلى الدم. تمارس هاتان المادتان فعلَهما على خلايا الجسم من خلال زيادة الفعالية الاستقلابية لكل الأنسجة تقريباً، وتسريعِ استهلاك الطعام لتوليد الطاقة. فيشمل تأثيرُهما في ضوء ذلك معظمَ الأنسجة في الجسم:

- النمو يتأثر بالدرق: يظهرُ تأثيرُ الهرمون الدرقيّ بشكل كبيرٍ عند الأطفال خلال نموهم، حيثُ ينخفضُ نموّ الأطفالِ المصابين بقصور الدرقِ بشكل كبيرٍ، بينما يحدث نموٌّ هيكلي مفرِط لدى مفرطي الدرق مما يجعلهم أطولَ بكثيرٍ من أقرانهم في نفس السن، ولكن في الوقت نفسه يتسرعُ نموّ العظام لتنغلق مشاشاتها (الجزء النامي من العظم) باكراً فتقصرُ بذلك مدةُ النمو الكلي وتؤدي في النهايةِ إلى قصر البالغ. إلا أن تأثيرَها الأساسيَّ يتجلى في الدماغ سواءً خلالَ الحياة الجنينية قبل الولادة أو خلال السنواتِ الأولى من العمر، فإذا لم يفرز الجنينُ كمياتٍ كافيةً من الهرمونات الدرقية سينعكس ذلك سلباً على نمو الدماغ، وإذا لم يعالَج باكراً فسيبقى ناقصَ القدراتِ العقليةِ طيلة حياته.

- وزن الجسم يتأثر بالدرق: إن زيادةَ هرموناتِ الدرق تنقِص من وزنِ الجسم وتزيدُ الشهيةَ في الوقت نفسه.

- الدرق والجهاز القلبي الوعائي: تؤدي زيادةُ الهرموناتِ الدرقيةِ إلى زيادةِ سرعة القلب وشدة ضرباته.

- الدرق والجهاز العصبي: يزيدُ الهرمون الدرقي من سرعةِ النشاطِ الفكري، ولكنه غالباً ما يؤدي إلى زيادة تشتت الانتباه أيضاً، وتؤدي زيادةُ الدرق إلى العصبيةِ الشديدةِ والرجفان، كما يُصاب بالتعبِ المستمرِ، ولكن بسبب التنبيه الزائد يصاب المريضُ بالأرقِ أيضاً فلا يستطيع النوم.

- الدرق والحياة الجنسية: لكي تكون الوظائف الجنسية سليمةً لا بد للدرق أن تكون سويةً حتماً، حيث يسبب نقص هرمون الدرقِ فقدانَ الرغبةِ الجنسية، كما من الممكن أيضاً لزيادته المفرطة أن تسبب العنانة (ضعف الانتصاب)، أما لدى النساء فإن شذوذاتِ الهرموناتِ الدرقيةِ تنعكس سلباً على الدورة الطمثية التي قد تتظاهر بغزارةِ الطمث أو تعدد الطموث أو عدم انتظام الدورة الشهرية.

- وعلى جانب آخر يساهم هرمون الكالسيتونين في المحافظة على توازن الكالسيوم والفوسفور في الجسم، وذلك عن طريقِ تثبيتِ الكالسيوم داخلَ النسيجِ العظميِّ مساعداً للفيتامين D. وقد يؤدي نقص الكالستونين إلى الكُساح وهشاشة العظام.

لمعرفة المزيد عن قصور الغذة الدقية هنا

إزالة الدرق جراحياً :

في بعضِ الحالات تكون إزالة الغدة الدرقية أمراً ضرورياً، كالفرطِ الشديدِ في نشاط الغدة أو السرطان، ولكن يجب الانتباه أثناء الجراحةِ إلى الأعصاب المغذية لعضلات الأحبال الصوتيةِ كي لا يتأثرَ صوتُ المريضِ أو يفقده نهائياً، كما يجب الانتباه الشديد للغدد جارات الدرقية المتوضعة خلف الدرق كي لا تُزال خطأً مما قد يؤدي لمضاعفات عديدة .

لمعرفة المزيد عن فرط نشاط الدرق: هنا

لمعرفة المزيد عن فرط نشاط الدرق: هنا

كما يمكنكم قراءة المزيد من المقالات ضمن سلسلة كيف يعمل جسم الانسان: هنا

المصادر:

هنا

هنا

هنا

Guyton Textbook of Medical Physiology 11th edition