كتاب > روايات ومقالات

مراجعة رواية (مرتفعات وذرينغ): الوجه الآخر للحب.

تشهدُ مرتفعاتُ وذرينغ الضبابيةُ أعنفَ قصةٍ من قصصِ الحبّ، وأكثرَها تراجيديّةً وكآبة، بين بطلَي القصة؛ هيثكليف، وكاثرين إيرنشو. كاثرين هي ابنةُ الرجلِ الطيب؛ السيدِ إيرنشو، الذي يقرّرُ ذاتَ يومٍ أنْ يُدخلَ إلى عائلتِه فردًا جديدًا يعوّضُه عن فِقدانِ ابنِه الأكبر، طفلًا غجريًّا داكنَ البشرة؛ اسمُه هيثكليف، أحضره من شوارعِ ليفربول فقيرًا ومتّسخًا ليعتنيَ به. يجدُ هيثكليف في كاثرين صديقةً مقرّبةً تشاركُه اندفاعَه ومغامراتِه، لتصبحَ فيما بعدُ حبَّ حياتِه ومصدرَ بؤسِه. كما يجدُ في السيدِ إيرنشو أبًا حنونًا، وراعيًا صادقًا، لا يفرّقُ في معاملتِه بينَه وبين ابنتِه وابنِه؛ كاثرين وهندلي؛ ممّا يؤجِّجُ مشاعرَ الغَيْرةَ في نفْسِ هندلي. وبعدَ وفاةِ الأب، يعودُ ابنُه هندلي -بعدَ سفرِه للدراسة- إلى مرتفعاتِ وذرينغ؛ ليمارسَ تسلُّطَه على هيثكليف، فيعاملُه كالخدم، ويمنعُه من قضاءِ الوقتِ مع كاثرين كما سَبق، وهنا تبدأُ بَذرةُ الانتقامِ في قلبِ هيثكليف بالنموّ.

يزدادُ الأمرُ سوءًا عندما تقودُ إحدى مغامراتِ هيثكليف وكاثرين إلى تَعرُّضِ كاثرين للهجومِ مِن كلبِ الحراسةِ في بيتِ عائلةِ لنتن في ثرشكروس غرانج، البيتِ الريفيِّ المجاورِ لمرتفعاتِ وذرينغ، وتُضطرُّ إلى المكوثِ ضيفةً هناك لعدّةِ أسابيعَ، تقرِّرُ بعدَها وبعد تردُّدٍ الزواجَ من الشابِّ إدغار لنتن، رغمَ حبِّها لهيثكليف. يدفع هذا هيثكليف إلى الرحيل، فيغيبُ لثلاثةِ أعوام، ويعودُ رجلًا غنيًّا ونبيلًا باحثًا عن الانتقامِ من الجميع، كذلك كاثرين.

تبدأُ الراويةُ في الزمنِ الحاضرِ معَ زيارةِ السيدِ لوكوود، المستأجِرِ للمنزلِ الريفيِّ في ثرشكروس غرانج؛ لهيثكليف صاحبِ المنزلِ الحاليّ، إذْ تروي المربّيةُ إيلين له ما حدث منذ عشرين عامًا بين عائلتَي إيرنشو ولنتن. ثم نعودُ إلى الحاضرِ لاستكمالِ الأحداثِ مع أبنائِهم؛ كاثي ابنةِ كاثرين وإدغار، وهاريتن ابنِ هندلي، ولنتن ابنِ هيثكليف من إيزابيلا (شقيقةِ إدغار)، وانتقامِ هيثكليف منهم. ممّا يميّزُ هذه الروايةَ الازدواجيّةُ والثنائيّاتُ على عدّةِ مستويات؛ فلدينا مثلًا راوِيَان؛ إذْ يروي المستأجِرُ لوكوود بعضَ أجزاءِ الرواية، ونجدُ أيضًا جيلَيْن؛ جيلَ الآباءِ وجيلَ الأبناء، وفي كلٍّ منهما ثلاثيّةُ حبٍّ تجمعُ شابّين وفتاةً تدعى كاثي، ومنزلين؛ ثرشكروس غرانج، حيث تقطنُ عائلةُ لنتن بهدوئِها، ومرتفعاتِ وذرينغ بصخبِها. ترمُزُ الثنائيّاتُ إلى صراعٍ كامنٍ في كلِّ ركنٍ من أركانِ الرواية.

يُعدّ هيثكليف الشخصيةَ الأكثرَ غموضًا وتعقيدًا في الرواية، وتدفعُنا تصرُّفاتُه إلى التساؤلِ عن دوافعِه الحقيقيّة؛ فما الذي جَعله يتحوّلُ من عاشقٍ بطوليٍّ في بدايةِ الرواية، إلى باحثٍ عن الانتقامِ في القسمِ الآخر منها؟ وما الذي يدفعُه إلى الاستمرارِ في انتقامِه من شخصيّاتٍ بريئةٍ مِن الجيلِ الثاني؟ يمكنُ القولُ إنّ تصرُّفاتِ هيثكليف تعتمدُ على ثنائيّةِ (الرفضِ والقبولِ) السائدةِ في الرواية؛ فحينما تقبّلتْه عائلةُ إيرنشو، أبْدى العاطفةَ الصادقةَ والإخلاصَ للسيدِ إيرنشو وكاثرين، وبعدَ وفاةِ الأبِ وقرارِ كاثرين التخلي عنه والزواجَ من إدغار، أظْهَر طبيعةً جافّةً قاسيةً كقسوةِ رفضٍ لا يَعرفُ إلا الحقدَ والخيانةَ والانتقام. وبالفعل، فإننا إذا قارنّا بين عائلتَي لنتن وإيرنشو، نجدُ طفلَيْ لنتن؛ إدغار وإيزابيلا، بحبِّهما وإخلاصِهما؛ نتاجَ العطفِ والحنانِ والقبولِ من بيئتِهما، بينما نجدُ هيثكليف وكاثرين وكذلك هندلي بقسوتِهم وبؤسِهم؛ نتاجَ الرفضِ والإهمال. أما كاثرين فهي حينما رَفضت ذاتَها وطبيعتَها الجامِحةَ مع هيثكليف، وقرّرت الزواجَ من إدغار لإرضاءِ أخيها ومجتمعِها؛ دَمّرتْ ذاتَها ومَن حولَها.

تتميّزُ الروايةُ بوصفِها الآسرِ للطبيعةِ في مرتفعاتِ وذرينغ وأراضي يوركشاير البُور، ويكادُ يكونُ هذا الوصفُ أجملَ ما يمكنُ أن يجدَه القارئُ في (مرتفعات وذرينغ)، لكنْ تحتوي الروايةُ على وصفٍ معقّدٍ وفريدٍ للمشاعرِ الإنسانيةِ وعلاقاتِها المعقدة، التي يعتقدُ البعضُ أنها تقتربُ من الواقعيّة، ويتّفقُ كثيرون أنها تجعلُها تستحقُّ شهرتَها في الأدبِ الإنجليزي.

معلومات الرواية:

العنوان: مرتفعات وذرينغ.

الكاتب: إيميلي برونتي .

دار النشر: المركز الثقافي العربي

عدد الصفحات: 350 صفحة