الطبيعة والعلوم البيئية > زراعة

كيف تنمو النباتات دون توقف؟

استمع على ساوندكلاود 🎧

تعيش الأشجار حتى أعمار كبيرة جداً ومن المفترض أن تكون خلايا كائنات بهذه الأعمار مصابةً بالشيخوخة الشديدة لكن وجود خلايا "جذعية" مولدة على الدوام يفسر بقائها حية الأمر الذي يطرح في الوقت عينه مشكلة تعرض الانقسام المستمر لكل هذه السنين إلى انعزالات وشذوذات خلوية أو طفرات، فكيف تبقى هذه النباتات معمرةً دون أن يصيبها مكروه؟

توجد في النبات خلايا "جذعية" كما ذكرنا، البعض منها نادر الانقسام الأمر الذي يحول دون إمكانية تراكم التحولات الجينية الضارة في بعض الأنواع. كان هذا ملخص الدراسة الحديثة التي تحاول تفسير وصول النبات إلى أعمار طويلةٍ جداً، وفيما يلي تفاصيلها.

مقارنة بدورة حياة الإنسان القصيرة نسبياً والتي لا تزيد عن قرن، فإن بعض النباتات –دائمة الخضرة تحديداً– تملك القدرة على الحياة لوقت طويل استثنائي قد يصل لألف عام.

أظهرت دراسةٌ حديثة قام بها علماء جامعة بيرن السويسرية وجود آلية محتملة لتفسير امتداد دورة حياة بعض النباتات لفترات طويلةٍ جداً عن طريق التقليل الشديد بالانقسامات الخلوية لتجنب الطفرات الضارة.

إذا راقبت بعض النباتات فستلاحظ خروج الأوراق والأفرع الجديدة من آباط الأوراق وذلك عائد لتوضع البراعم فيها والتي تحوي على النسج الميرستيمية المولّدة وهي النسج التي ركزت عليها الدراسة التي نتحدث عنها. وبالطبع فإن نمو النبات العمودي عائدٌ لوجود أنسجة مماثلة في قمة النبات. تمت دراسة هذه النسج في كل من نباتي البندورة والأرابيدوبسيس Arabidopsis thaliana فوجدوا قلة الانقسامات في الميرستيم القمي عنه في الأبطي؛ الأمر الذي يقلل كثيراً من احتمالية نشو طفرات ضارة.

إن التقادم العمري للنسج الميرستيمية ليس مشكلةً في النباتات المعمرة وبالتالي فإن الميرستيم هو وحدة النمو التي إذا لم تتضرر أو تتأثر فسيستمر النبات بالتجدد والنمو إلى الأبد على الأقل نظرياً إذا ما استبعدنا حدوث عيوب بنائية أو أمراض تقتل النبات.

يرى باحثون آخرون أن الموضوع صحيح تماماً إذا ما أردنا تفسير طول فترة بقاء البذور على قيد الحياة وفقاً لنفس النظرية بينما قد لا تفسر طول دورة حياة النبات.

قدمت الدراسة أيضاً تطويراً لتقنية تصوير تتبع الخلايا الميرستيمية مع مرور الوقت ووُجدَ بأن الأنسجة الميرستيمية القميــّـة تنقسم فقط 7 – 9 مرات قبل أن تكون الأنسجة الإبطية. ففي الطماطم، تجهد الخلايا لتنقسم انقسامات خلوية كثيرة تشكل الأوراق والساق بينما تتخصص خلايا قليلة لتصبح أنسجة نمو ميرستيمية أبطية لا تنقسم كثيراً.

يتساءل الباحثون ماذا لو كان ما وُجد في هذين النباتين صحيحاً في الفصائل النباتية الأخرى؟!. لو تم إثبات ذلك فسيكون لمعظم النباتات ما يشابه الخط الجنسي (germline) الموجود في الحيوانات وهو خط (تسلسل) الخلايا المنتشة التي لديها مواد وراثية يمكن توريثها للنسل. أي أن النبات بنحي بعض الخلايا جانباً لتقليل تراكم الطفرات.

كيف يمكن لذلك أن يطبق على الأشجار؟

يمكن للطفرات في الخلايا الميرستيمية القمية أن تتثبت عند تحولها لميرستيمات أبطية وبالتالي في الأفرع الناشئة عنها لكن الطفرة لن تنتشر لكل الأفرع لكونها تنشأ عن ميرستيمات مختلفة وبالتالي فالشجرة تغدو أشبه بمجموعةٍ من الميرستيمات كل منها متفرد جينياً. تسمح هذه الصفات الحيوية للشجرة أن توسع الاختلافات الوراثية بين فروعها وربما تمتلك بعض الفروع القدرة على مواجهة مرض معين بينما تستسلم فروع أخرى له.

للتأكيد على هذه النتائج ظهر مشروعٌ يهدف لجمع المنظومة الجينية الكاملة لشجرة بلوط عمرها 238 عام حيث تمكن الباحثون بالفعل من تعقب مورثين (جينوم) من أجزاء مختلفة من الشجرة لرؤية التحولات المختلفة فيها وكيفية عملها وآثارها.

إذاً فهي فرضية جذابة للغاية إذ لم يملك أحد قبل الآن فكرة عن كيفية حياة شجرة قديمة لأكثر من مئة عام.

المصدر:

هنا