منوعات علمية > العلم الزائف

لقد رأيت هذا مسبقاً ( الديجافو - Déjà vu )

استمع على ساوندكلاود 🎧

رأيتُ هذا مسبقاً ... الديجافو

تعرفتُ في حفل تخرُّج صديقتي على شابةٍ وأُصبتُ حينها لوهلةٍ بحالةٍ من عدم الإدراك كأنَّني لا أعي ما يحدثُ لي وكأنَّ هذا المشهد بنفس الملامح ونفس المكان قد حدث لي من قبل، أحسستُ بالفعل بأنني أرى مشهداً متكرراً من أحد الأفلام التي اعتدتُ على مشاهدتها.

ربما تكرّرت هذه القصة مع أحدكم في وقت ما وشعرتم بنفس الشعور الغريب الذي خالج بطلةَ قصتنا، وكأنَّ كل ما ترونه قد سبقَ لكم رؤيته في زمنٍ آخر. يعتقدُ البعض أن هذا الشعور هو نتيجة تخاطرٍ روحيٍّ وربما ذهنيٍّ من المستقبل، بينما يظنُ آخرون أنها مشاهدٌ قديمةٌ لم نعد نذكُرُها فعادت إلينا بقوةٍ لتهاجمَ نسيانها، ولكن دائماً ما يكونُ للعلمِ وجهةُ نظرٍ أخرى، حيث يُطلق على هذا النوع من الشعور ب " الديجافو" والذي يعني بالفرنسية (رأيتُ هذا مسبقاً). وهو شعورٌ غريبٌ أو وهمٌ تشعرُ من خلاله أنّك قد رأيتَ أو اختبرتَ هذا المكان والزمان من قبل حتى ولو كنتَ تُجرِّبُ ذلك الحدث لأول مرة في حياتك.

وإن كنّا نعتقد أنّ التجربة أو الخبرة التي نحصل عليها نتيجةَ ممارسة شيء هي عبارةٌ عن حدثٍ في الذاكرة فإنّ الديجافو يحدثُ لأن التجربة الأصلية والأولية لم تُركَّز بشكلٍ متقنٍ في الذاكرة. وإن كان الأمر كذلك فإن الومضة التي شعرتْ بها الفتاة هي عبارةٌ عن تجمُّعٍ من أجزاءَ معينة من ذاكرةِ الماضي وهذا ما يجعل التجربةَ غريبة لأن الذاكرة مشتتة ومجمّعة بدون أيِّ صلاتٍ قريبةٍ بين الجزء الوارد إلى الذهن وبين الذكريات الأخرى.

وهكذا فشعور الإنسان بأنّه رأى ذلك الشخص من قبل يرجع إلى حقيقة أنّه بالفعل شاهده من قبل وسببُ النسيان هو عدم التركيز في المرة الأولى وبما أن الخبرة الأصليَّة هي ذاكرةٌ قصيرةٌ تتراوح بين ثوانٍ ودقائق فلا يستطيع الإنسان تذكُّرَ مكان رؤية ذلك الشخص بالتحديد. ومن ناحيةٍ أخرى يُمكن أن يرجعَ الأمر إلى أنّك رأيتَ صوراًَ أو شاهدت قصصاً حيَّةً قبل عدة سنوات وتركَّزت تلك الصور والقصص في أرشيف الذاكرة وفي لحظاتٍ معينةٍ تدفَّقت إلى الدماغ مع شعورٍ بالاستغراب.

ويرى آخرون أن الإنسان قد تعرّض في طفولته لذكريات قاتمة اختفت وظهرت في أوقاتٍ أخرى مع السنوات فمثلاً يتراءى لي رؤيةُ حديقة منزلنا القديمة رغم أنني لم أعاصر تلك الحديقة أبداً خلال حياتي.

ومع ذلك يُمكن أن يكون شعور الديجافو يرجِعُ إلى ردودِ أفعالٍ كيميائيةٍ عصبية تحدثُ في الدماغ وغَيرِ مرتبطةٍ بأيّة خبرةٍ عمليةٍ في الماضي، فيشعر الإنسان بالغرابة ويقوم بربطه بالذاكرة طويلة الأمد حتى لو كانت هذه التجربة الأولى له.

الديجافو شعورٌ مرتبطٌ بالغرابة فحسب!

وصُمم هذا المصطلح" الديجافو" من قبل " إميل بواراك " الذي امتلك اهتماماتٍ واسعةً بالظواهر النفسيّة ولديه كتاب يسمى " مستقبل العلوم النفسية" وعلى الرغم من أن انعكاس الديجافو ليس شيئاً من الماضي بل هو شيءٌ مرتبطٌ بالحاضر إلا أن بواراك حاول توجيه انتباه البشر إلى الماضي وأطلق عليه "الشعور الغريب الذي يمتلكه كل شخص". فنحن غالباً ما يكون لدينا تجاربُ حديثةٌ غير واضحة، مما يجعلنا نسأل أنفسنا بعض الأسئلة في حالاتٍ معينة؛ لنفترض أنّك دخلت إلى مكتبةٍ ورأيتَ صديقك الذي يحاول إبداء انبهاره بكتابٍ معينٍّ قد قرأه، ربما يتبادر إلى ذهنك سؤالٌ مثل "هل قرأتُ هذا الكتاب من قبل"، "هل رأيتُ هذه الحلقة من هذا المسلسل من قبل"، هذا المكان يبدو مألوفَاً هل كنتُ هنا من قبل؟ ربما مررتَ بحالاتٍ تشبه الحالات السابقة ولم تكن تلك التجارب مصحوبة بشعور غريب، يمكننا أن نشعر ببعض التوتر والتشتت ولكنَّ الشعورَ المرتبطَ بالديجافو ليس مُربكاً وإنّما غريب بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

فمن المعقول أن تشعر بأنك مشوش حول هل قرأت ذلك الكتاب من قبل أم لا خلال حياتك خاصةً إن كنتَ قد تخطيت الخمسين من العمر، وكنت قد قرأت الآلاف من الكتب خلال حياتك. أما في تجربة الديجافو، نحن نشعر بالغرابة بسبب أننا لا نستطيع تحديد الشعور المناسب للوضع الحالي، مما يتكون لدينا إحساس بعدم التلاؤم (عدم التناسب) حول وضوح الأمر.

أخيراً يمكننا أن نشرح تجربة الديجافو بذاكرةٍ مفقودة، حَيَوَات من عالم الماضي، استبصارٍ وهلُّمَ جراً من الأمور المضلِّلَة. ولكن من الأفضل أن نتكلم عن الديجافو كشعور، الشعور الذي يحدثُ نتيجة حالةٍ عقليةٍ حدثت بواسطة عوامل كيميائيةٍ عصبيةٍ خلال الفترة التي يكون فيه دماغنا في حالة فراغ ولا يوجد ما نفكر به.

ومن الجدير ذكره أن الديجافو من المشاعر الشائعة لدى المرضى النفسيين، كما أنه من المشاعر التي تسبق نوبات الصرع الذهنية ويرجع ارتباطه بنوبات الصرع إلى تجربة وايلدر بينفيلد المشهورة وهي تحفيز الفصِّ الصَّدغي بالكهرباء في عام 1955. وقد وجد بينفيلد أن 60% من المرضى قد اختبروا الرؤى الغريبة والهلوسة، ولكنّه فسّرها بذكرياتٍ معلّقةٍ في الأذهان، ولكنها رُجحت فيما بعد بردودٍ عصبيةٍ ذهنيةٍ، أي ما يطلق عليه بالديجافو.

هناك العديد من النظريات لمحاولة شرح الديجافو و ليس هناك دلائلُ قاطعةٌ حول ماهيّته، فلا يزال هذا المجال ميداناً للكثير من التفسيرات.

فيديو للمشاهدة:

هنا

المراجع:

هنا

مراجع داعمة:

هنا