الفلسفة وعلم الاجتماع > علم الاجتماع

الذُّعْرُ الأخلاقيّ

استمع على ساوندكلاود 🎧

اعتُمِد مصطلحُ (الذُّعْرِ الأخلاقيّ) على نطاقٍ واسعٍ من قبل وسائلِ الإعلامِ، ومن خلال الاستعمالِ اليوميّ؛ للإشارةِ إلى ردودِ الفعلِ الاجتماعيّة المبالَغِ فيها تجاه أنشطةِ أفرادٍ أو جماعاتٍ معيّنة. يُنظَرُ إلى تلك الأفعالِ (عند حدوثِها) على أنها مصدرٌ رئيسيُّ للقلقِ في المجتمع، كما تضخِّمُ وسائلُ الإعلامِ (الذعرَ) المحيطَ بها. وعلى الرغمِ من شُيوعِ استخدامِ المصطلحِ أكاديميًّا وفي الحياةِ اليوميةِ على حدٍّ سواء، إلّا أنّه في الواقعِ لم يصبحْ دارجًا إلّا منذ بدايةِ السبعينيّاتِ وحسب؛ إثرَ نشرِ أعمالِ عالمِ الاجتماع ستان كوهين Stan Cohen عن ثقافاتِ الشباب. يمكنُ للأنشطةِ المرتبطةِ بمصطلحِ (الذعرِ الأخلاقيّ) أن تكونَ بسيطةً إلى حدٍّ ما، إلا أنّ طريقةَ نقلِها في وسائلِ الإعلامِ أدّت إلى تسليطِ الضوءِ عليها بوصفِها سببًا لإثارةِ حفيظةِ المجتمع.

يشرحُ كوهين (الذعرَ الأخلاقيَّ) كما يلي:

يبدو أن المجتمعاتِ تتعرّضُ بين الفينةِ والأخرى إلى أحيانٍ من الذعرِ الأخلاقيّ؛ إذْ تنبثقُ حالةٌ، أو مرحلةٌ، أو شخصٌ، أو مجموعةٌ من الأشخاصِ الذين يُعَرَّفون على أنهم يشكّلون تهديدًا للقيمِ والمصالحِ الاجتماعيّة. تقدِّمُ وسائلُ الإعلامِ هذا التهديدَ بطريقةٍ نمطيّة، كما أنّ المحرِّرين، ورجالَ الدينِ والسياسةِ، وغيرَهم من أصحابِ التفكيرِ الصحيح؛ يَسُنُّون الحدودَ الأخلاقيّة، بينما يعطي خبراءُ أكْفاءٌ تشخيصاتِهم وحلولَهم. تُطَوَّرُ وسائلُ للتعايُش، أو -على الأغلبِ- يُلجَأُ إليها، ثمّ تختفي الحالةُ، أو تتدهورُ، أو تتلاشى... وفي بعضِ الأحيان، يكونُ موضوعُ الذعرِ جديدًا تمامًا، وأحيانًا أخرى، يكونُ شيئًا موجودًا منذ مدّةٍ طويلة، إلا أنه صار فجأةً محطَّ الانتباه. أحيانًا، ينتهي الذعرُ ويُنسى، تاركًا بصمتَه في (الفولكلور) والذاكرةِ الجَمْعيّة فحسب، وأحيانًا أخرى، تَنجُمُ عنه آثارٌ أخطرُ وأطولُ أمدًا، والتي يمكنُ أنْ تُسفِرَ عن تغيُّراتٍ على الصعيدِ القانونيِّ، أو في السياسةِ الاجتماعيّة، وكذلك في الطرقِ التي يرى المجتمعُ من خلالِها ذاتَه [Cohen].

حتى يتسنّى للإعلامِ أو المؤسساتِ المجتمعيّةِ أن تحوِّلَ شخصًا أو مجموعةً ما إلى موضوعٍ مناسبٍ ليكونَ محطًّا للذعرِ الأخلاقيّ؛ فعلى هذا الشخصِ أو المجموعةِ أن يتَّسِمَ بثلاثِ صفات:

1- أن يشكّلَ عدوًّا مناسبًا: فيكونَ ضحيّةً بسيطة، يسهلُ التغلُّبُ عليها، لا تمتلكُ إلا القليلَ من القوة، وغالبًا دونَ صلةٍ بساحاتِ السياساتِ الثقافية.

2- أن يشكّلَ ضحيّةً مناسبة: فعليه أن يكونَ شخصًا تستطيعُ تخيُّلَ نفسِك مكانَه، أو شخصًا عاديًّا يمثّلُ الجميع.

3- يجبُ أن يكونَ هنالك إجماعٌ على أنّ نشاطاتِ هذا الشخصِ أو المجموعةِ، أو معتقَداتِهم؛ ليست كينونةً منفصلة، بل تشكِّلُ جزءًا جوهريًّا من المجتمع، أو يمكنُ لها أن تصبحَ كذلك إن لم تُتَّخَذ التدابيرُ المناسبة.

يقسم كوهين حالاتِ الذعرِ الأخلاقيِّ إلى عدّةِ أصنافٍ، لا شكّ أن أغلبَها يبدو مألوفًا للقارئ؛ لوجودِه -بصورةٍ أو بأخرى- في أغلبِ المجتمعات. بعضٌ منها:

1- العقاقيرُ الخاطئة: التي يستخدمُها الأشخاصُ الخطأُ في الأماكنِ الخطأ:

لطالما كان الذعرُ الأخلاقيُّ المحيطُ بالأدويةِ النفسيّةِ متجانسًا بشكلٍ ملفتٍ للنظر، خلالَ القرنِ الماضي؛ فهنالك المحرِّضُ الشرير، والمتعاطي الضعيف، وهنالك الانحدارُ من العقاقيرِ الخفيفةِ إلى عقاقيرِ العيارِ الثقيل، ومن الأمانِ إلى الخطر.

2- استغلالُ الأطفال، والطقوسُ الشيطانيّةُ، والبيدوفيليا (التحرشُ الجنسيُّ بالأطفال):

إن عبارة (استغلال الأطفال - child abuse) تغطّي أنواعًا عديدةً من ممارسةِ العنفِ تجاه الأطفال؛ كالإهمالِ، والعنفِ الجسديِّ، أو الاستغلالِ الجنسيِّ، داخلَ نطاقِ العائلةِ أو خارجَها على حدٍّ سواء. ومن الجديرِ بالذكرِ أنه منذ الستينيّات، انصبّ اهتمامُ العامّةِ بالمشكلةِ على الشكلِ الجنسيِّ لاستغلالِ الأطفال، وخصوصًا من قبلِ الغرباء. وفي موجةٍ أخرى، مُغْرِقةٍ في الخياليّة، ومشكِّلةٍ مثالًا كلاسيكيًّا عن الذعرِ الأخلاقيّ؛ انبثقت حالةٌ من الاهتمامِ المتزايدِ بـ(الذكرياتِ المسترجَعةِ) للبالغين والأطفالِ من خلال جلساتٍ علاجيّة، نحوَ عامِ 1983 في الولاياتِ المتحدةِ الأمريكية، والتي ركّزت على موضوعِ (استغلالِ الأطفالِ ضمن طقوسٍ سرّيّة). وقد زعم مَن خَضعوا لهذه الجلساتِ أنهم تعرّضوا للاستغلالِ الجنسيِّ، جزءًا من طقوسٍ خاصّةٍ أو شيطانيّة، تضمّنت التعذيبَ، وأكلَ لحومِ البشر، وتقديمَ الأضاحي البشريّة. تروي الذكرياتُ المسترجَعةُ لهذه الطقوسِ تعرُّضَ أطفالٍ لتشويهِ أعضائِهم التناسلية، وإجبارَهم على تناولِ البراز، وتقطيعَ أوصالِهم وإطعامَها للمشاركين في الطقوس، الذين اتّضح أنهم أقاربُ، وأصدقاءُ، وجيرانٌ، وأعضاءٌ بارزون في المجتمع.

3- الجنسُ والعنف، ولومُ وسائلِ الإعلام:

ثَمّةَ تاريخٌ طويلٌ للذعرِ الأخلاقيِّ حولَ الآثارِ السلبيّةِ المزعومةِ المرتبطةِ بالتعرُّضِ لوسائلِ الإعلامِ الشعبيّة؛ كالقصصِ الهزْليّة، وأفلامِ الكرتون، والسينما، وموسيقا الروك، وألعابِ الفيديو، والأفلامِ الإباحيّة. هنالك دومًا رؤيتان متعارضتان؛ فالمحافظون يَرَوْن أنّ وسائلَ الإعلامِ تمجِّدُ الجريمةَ، وتستهزئُ بمخاوفِ العامّة، وتُضْعِفُ السلطةَ الأخلاقية. أما الليبراليّون، فيقولون إنها تُهوِّلُ مخاطرَ الجريمة، وتستفزُّ ظاهرةَ الذعرِ الأخلاقيِّ؛ لتبرِّرَ المنحى الاستبداديَّ الذي تسلُكُه سياسةُ التحكُّمِ بالجريمة. إنّ النمطَ الذي يسلُكُه الذعرُ الأخلاقيُّ المرتبطُ بوسائلِ الإعلامِ يتَّسِمُ بالتَّكرار؛ فآخِرُ صيحةٍ رائجةٍ تخطَفُ الأضواءَ مِن سابقتِها، مُسَهِّلةً عبورَها إلى دائرةِ القبول.

4- اللاجئون، والباحثون عن اللجوءِ السياسيّ:

إنّ حالاتِ الذعرِ الأخلاقيِّ التي تُصيبُ البلدَ المستضيفَ للاجئين تسيرُ كما يلي:

تبدأُ الحكوماتُ ووسائلُ الإعلامِ في الإجماعِ على عدّةِ قواعد: أولًا، يجبُ إبعادُ اللاجئين الأجانبِ قدرَ الإمكان. ثانيًا، فإنّ هؤلاء يكذبون دائمًا ليُقبَلوا. وأخيرًا، لا بدّ من استخدامِ معاييرَ صارمةٍ للقبول، بما في ذلك إجراءُ فحوصاتٍ للمصداقيّة.

ختامًا، فإنّ ظاهرةَ الذعرِ الأخلاقيِّ ليست شيئًا مبتكَرًا أو جديدًا، بل لطالما وُجدت، وستستمرُّ في الوجود في المجتمعاتِ على اختلافِها. إلا أنّ مستوى الوعيِ الشخصيِّ ونبْذَ عقليّةِ القطيع -رغمَ صعوبةِ ذلك- هما ما سيحميان الأفرادَ في مواجهةِ مواقفَ مشابِهة.

المصادر:

Folk Devils and Moral Panics by Stanley Cohen

هنا