الاقتصاد والعلوم الإدارية > اقتصاد

أزمة البحر الجنوبي

استمع على ساوندكلاود 🎧

فقاعة البحار الجنوبي

الزمان: عام 1711

المكان: المملكة المتحدة

تعتبر هذه الفقاعة من أكبر الفقاعات المالية في القرن الثامن عشر. وصلت قيمة سهم شركة South Sea Company أو SSC إلى ما يعادل 1000 جنيه استرليني للسهم الواحد حيث كانت مقيّمة بأكبر بكثير من قيمتها الحقيقية لتنهار بعد ذلك قيمتها بحلول 1720 لتصبح بلا قيمة تقريباً مما أدّى إلى ضياع كميات كبيرة من الأموال في مهب الريح.

بدايةً .. من هي SSC ؟

هي شركة مساهمة انكليزية تأسست بالمشاركة بين القطاعين العام وخاص وكانت فكرتها بأن أي شخص يملك سندات حكومية يستطيع مبادلتها بأسهم هذه الشركة ومن ثم تقوم شركة SSC باستخدام هذه الأموال وإعطاءها للمستثمرين على أنها عائدات على أسهمهم!!

ولكن كيف لنا أن نقنع شخصاً يملك سندات حكومية بمعدلات فائدة أعلى من معدلات العائد على الأسهم في شركة SSC بأن يبادل هذه السندات بأسهم في شركة حديثة وليست معروفة وأن يتخلى عن المبلغ الذي أقرضته للحكومة البريطانية؟

يمكن ذلك بأن نقنعهم بأن قيمة السهم الذي سيحصل عليه المستثمر أعلى بكثير من قيمة القرض الأساسي ونتيجة لذلك أعطت الحكومة البريطانية لشركة SSC حقوق المتاجرة لوحدها في البحار الجنوبية (قارة أمريكا الجنوبية) مما يعني منح سيطرة كاملة لهذه الشركة دون وجود منافس لها. جعلت هذه الخطوة الجميع يتحدث عن SSC والربح الخيالي الذي سيأتي معها عندما تتأسس هذه الشركة حيث تنبأ الجميع بأنها ستكون كشركة الهند الشرقية وستكون أرباحها خيالية كتلك الأرباح التي حصل عليها حملة أسهم شركة الهند الشرقية، حيث كانت هنا الفرصة قوية للحصول على شيء مماثل.

كانت الشركات التي تعرض أسهمها للتداول في ذلك الوقت قوية جداً ولكنها قليلة ومن الصعب جداً للعامة الاستثمار فيها. على سبيل المثال: شركة الهند كانت معفاة من الضرائب وتدفع الأرباح لمستثمريها المحدودين جدا والبالغ عددهم 499 مستثمر. كل هذه العوامل ساعدت شركة SSC لتطفو وتتربع على قمة ماكان يتم التحضير له ليكون الاحتكار الأكثر ربحا في العالم.

عندما طرحت الشركة أسهمها على الاكتتاب، تهافت عليها المضاربين النخبة بشدة ولم يشبع كامل الاكتتاب شهيتهم للاستثمار. ناهيك عن اقتناع المستثمرين العاديين بأن الـSSC ستحتكر السوق كلّه. حيث كان الاعتقاد السائد آنذاك بأن المكسيكيين وسكان أميركا الجنوبية ينتظرون بفارغ الصبر شخصاً ما ليعرفهم على التمدن والألبسة المصنوعة من الصوف والوبر مقابل أكوام الذهب والفضة التي يمتلكونها (عملة المكسيك وأميريكا الجنوبية في ذلك الوقت) لذا لم يشكك أحد في شركة SSC عندما سمحت لها الحكومة بإعادة إصدار أسهمها مرة أخرى لتبتلع الناس الأسهم الجديدة بمجرد ماتم عرضها. ولم يهتم المستثمرون حتى بكفاءة الكادر الإداري للشركة والذي لم يكن يمتلك الخبرة الادارية، حيث أن جلّ ما امتلكه كان علاقات عامة قوية ومكاتب معدة بأفخم الأثاث وفي أكثر الأحياء رقي في بريطانيا، بمجرد ما كان العامة يرون الاندفاع على هذه الأسهم بالإضافة الى مكاتب الشركة المترفة لم تستطيع الناس مقاومة هذا الاغراء ليندفعوا ويضعوا مدخراتهم فيها.

وبعد بروز شركة SSC بوقت وجيز، ظهرت شركة بريطانية أخرى تحت اسم The Mississippi Company والتي تأسست في فرنسا. والتي كانت من بنات أفكار شخص بريطاني اسمه John Law، وفكرة مشروعه لم تكن تجارية إلى حدٍ كبير، بل دارت حول تبديل النظام النقدي من الذهب والفضة إلى عملة ورقية. جذبت هذه الشركة اهتمام المستثمرين العالميين ليضعوا أموالهم التي كسبوها بشق الأنفس في هذه الشركة لتصبح فيما بعد قيمة أسهم شركة المسيسيسبي أكبر بثمانين ضعف من كل الذهب والفضة في فرنسا، كما بدأ جون بالاستحواذ على شركات أخرى متعثرة مالياً ليضيفها إلى هذه الشركة لتشكل تكتلاً ضخماً من الشركات.

وكان هذا النجاح البريطاني مدعاة فخر للبريطانيين على مستوى القارة بأكملها بل وأصبح هناك مقولة مفادها بأن الشركات البريطانية غير آيلة للسقوط. وكان المستثمرون البريطانيون متحمسين ليستثمروا أموالهم إلى درجة كبيرة جداً، ولم يدرك أحد بروز العديد من المؤشرات التي كانت تنذر بأن شركة SSC تدار بشكل سيء، كأن تُضيّع عدة سفن محملة بالصوف وجهتها لتترك لتتعفن في الموانئ الأجنبية.

استمر الناس بالسعي وراء امتلاك المزيد من الأسهم، وحققت شركة SSC والشركات الأخرى البريطانية النجاح في إعطاء المستثمرين ماكانوا بحاجة إليه (وهو صنع الثروة) حيث كانت هناك شركات جديدة تولد كل يوم لتلبي جميع طلبات المستثمرين بما في ذلك شركات وعدت باستخراج أشعة الشمس من الفواكه والخضار!! بل وحتى بناء القصور العائمة لزيادة رقعة الامبراطورية البريطانية، وجميع ما أُصدر من الاسهم تم بيعه بشكل جنوني.

وأخيراً، أدرك فريق إدارة SSCبأن قيمة أسهم شركتهم لاتعكس أبداً وبأي شكل القيمة الحقيقية لأسهمها أو حتى أرباحها الخيالية والمثيرة للاكتئاب للأشخاص الذين فاتهم الأوان ولم يستثمروا أموالهم فيها، ليبيعوا ما يملكوه من أسهم في صيف 1720 على أمل بأن لايسرب أحد هذا الخبر لباقي حملة الاسهم. ولكن ككل الاخبار السيئة والتي تنتشر بسرعة، انتشر خبر ماقامت به إدارة SSC لينتشر الذعر والتهافت على بيع هذه الأسهم مما تسبب بالذعر لحملة أسهم شركة الميسيسبي أيضاً لتنهار الشركتان معاً، وكان ليحدث انهيار سوقي كبير جداً لوحت به البنوك لولا الوضع الاقتصادي القوي للحكومة البريطانية حيث تدخلت لتجنّب بريطانيا انهياراً سوقيا مالياً كبيراَ ولتساعد في المحافظة على استقرار القطاع المصرفي، ومُنع فيما بعد إصدار الأسهم حيث لم يلغى هذا الاجراء حتى عام 1825.

المصادر

هنا

هنا