الفلسفة وعلم الاجتماع > الفلسفة

التعميمُ المتسرِّع

استمع على ساوندكلاود 🎧

في استبانةٍ إحصائيّةٍ لمعرفةِ نسبةِ القرّاءِ في بلدين عربيَّين، كانت النتيجةُ أنّ 70% من سكانِ هذين البلدين لا يقرؤون الكتب!

بعدَ قراءةِ نتيجةِ الاستبانة، قد تقولُ في نفسك إنّ العربَ أمّةٌ لا تقرأ، أي إنك قد تطلقُ أحكامَك جِزَافًا، وتعمّمُ من خلالِ اطّلاعِك على النسبةِ في بلدين فقط دون البقية، وهذا ما يُسمى التعميمَ الاستقرائيّ، الذي نحكُمُ به على خصائصِ وصفاتِ مجموعةٍ من خلالِ ملاحظاتٍ عن بعضِ أعضائِها.

هل يمكنُ أنْ يساعدَنا (التعميمُ الاستقرائيُّ) في الناحيةِ العلْميةِ، أو الإحصائية؟

نعم بالطبع؛ فلو فرضْنا أنّنا نريدُ إجراءَ دراسةٍ نفسيةٍ حولَ طبيعةِ المراهقين، أو حولَ خصوصيةِ مدةِ المراهقة، فهل من المعقولِ أن نُجريَها على جميعِ مُراهِقي كوكبِ الأرض؟!

عندما تكونُ المجموعةُ المرادُ دراستُها كبيرةً جدًّا؛ سيكونُ الأمرُ مكلّفًا، وصعبًا للغاية؛ لذا قد نلجأُ إلى أخذِ عيّنةٍ من هذه المجموعةِ وإجراءِ الدراساتِ عليها. ولكنْ حتى يكونَ الأمرُ منصفًا، ونتجنبَ أنْ نحكمَ على المجموعةِ من خلالِ عيّنةٍ فقط؛ يجب أنْ تُختارَ العيّنةُ بدقة، وأنْ تكون حقًّا (مُمثِّلةً) للمجموعة، أيْ ألّا تُختارَ بشكلٍ عشوائيٍّ وغيرِ مدروس.

ماذا لو كانت العينةُ المأخوذةُ غيرَ مُمثِّلةٍ للفئة، أو غيرَ مدروسةٍ بشكلٍ دقيق، أو ليست على قدرٍ كافٍ من الكفاءةِ لتكونَ عينةً تُمثّلُ مجموعةً كاملة؟

هناك مصطلحٌ يُلحَقُ بالتعميمِ المتسرِّع، يُطلقُ عليه (النُّصوعُ المضلِّل)، ونقولُه عندما يأخذُ الشخصُ الأمثلةَ إثرَ حادثةٍ مرّتْ به وتركتْ فيه أثرًا نفسيًّا دراميًّا، أي إنها قد لا تكونُ جديرةً بأنْ تكونَ عينةً للدراسة. فمثلًا عندما يخفقُ أحدُ الطلابِ في المدارسِ العامة، قد يقولُ إنّ كلَّ المدارسِ العامةِ ليست جيّدة، وإنّ مستواها كلِّها أقلَّ من مستوى بقيةِ المدارس، كالمدارسِ الخاصةِ مثلًا!

أو قد ينجو أحدُ الأشخاصِ من حادثِ تحطُّمِ طائرة، ويميلُ إلى الاعتقادِ بأنّ معدلاتِ كوارثِ الطيرانِ أكبرُ من معدلاتِ غيرِها من الكوارث، وأنّ السفرَ بالطائرةِ أخطرُ من السفرِ بأيِّ وسيلةِ نقلٍ أخرى!

في هاتين الحالتين، ربّما يكونُ الشخصُ متعنِّتًا برأيه، وقد يتجاهلُ كلَّ الإحصائياتِ التي قد تثبتُ عكسَ كلامِه، ولكنّه تَبَعًا للأثرِ النفسيِّ الناتجِ من الموقفِ الذي مرَّ به؛ نراه يطلقُ الأحكامَ والتعميمات؛ فهو يؤمنُ بما يعتقدُه ويراهُ صحيحًا، ولا تعنيه الحقيقةُ مهما كانت.

رغمَ المشاكلِ التي قد تواجهُنا -بصفتِنا أفرادًا- في التعميمِ المتسرِّع، نجدُ أنفسَنا بشكلٍ شبهِ يوميٍّ تقريبًا؛ نميلُ إلى هذا التعميم. في واقعِ الأمر، لا ضيرَ في ذلك إنْ كنّا نتّبعُ الأساليبَ العلْمية، ومناهجَ البحثِ الدقيقة، وشرطَ أنْ نمتلكَ نحن التعميماتِ، لا أنْ تمتلكَنا.

يقولُ شكسبير: «ولا تشيِّدْ صرحًا من الأوهامِ المزعجةِ على أساسٍ غيرِ متينٍ من ملاحظاتِك الناقصة».

المرجع:

المغالطات المنطقية، عادل مصطفى، 2007، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، الطبعة الأولى.