البيولوجيا والتطوّر > منوعات بيولوجية

مستحاثات الثور الأمريكي تُلقي الضوء على الهجرات البشرية المبكرة إلى أمريكا الشمالية في العصر الجليدي

استمع على ساوندكلاود 🎧

حدّدَ العلماء باستخدام أدلة من مستحاثات الثور الأمريكي الفترة التي فُتح فيها الممر الخالي من الجليد على طول جبال الروكي خلال عصر البليستوسين المتأخر (الأعلى). وقد اعتبر الممر طريقاً محتملاً للهجرات البشرية والحيوانية بين أقصى الشمال (ألاسكا ويوكون) وباقي أمريكا الشمالية، ولكن متى وكيف استُخدم هذا الممر بقي غير مؤكد لفترة طويلة.

تؤرخ هذه الدراسة التحركات الأولى للثور الأمريكي عبر الممر الخالي من الجليد الذي فُتح بين الصفائح الجليدية بعد الحد الجليدي الأقصى الأخير (الذروة الجليدية الأخيرة) The last glacial maximum.*

دمج العلماء نتائج تحديد عمر الكربون المشع مع نتائج تحليل الحمض النووي لتتبع مسار تحركات البيسون في الممر، فتبين أن الممر كان مفتوحاً بالكامل قبل حوالي 13000 سنة. تُشيرُ نتائجهم التي نشرت في السادس من حزيران في دورية وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم (Proceedings of the National Academy of Sciences)، إلى أن الممر لا يمكن أن يفسر الانتشار الأولي للبشر جنوب الصفائح الجليدية، وأنه من الممكن قد استخدم للتحركات اللاحقة للبشر والحيوانات شمالاً وجنوباً على حد سواء.

في سبعينات القرن الماضي، أشارت دراسة جيولوجية إلى احتمال أن يكون هذا الممر طريقاً للانتقال الأول للبشر جنوباً من ألاسكا لاستعمار باقي الأمريكيتين. كما يشير دليل آخر أكثر حداثة إلى أن الصفيحتين الجليديتين Cordilleran و Laurentide التحمتا في ذروة العصر الجليدي الأخير، أي قبل حوالي 21000 سنة، مغلقةً بذلك الممر في وقت أبكر بكثير من وجود أي دليل للبشر جنوب هذه الصفائح الجليدية.

يبدو أن الانتقال الأولي للبشر جنوباً إلى الأمريكيتين ربما كان عبر الطريق الساحلي للمحيط الهادي منذ أكثر من 15000 سنة ، ولكن بقي ممر جبال الروكي موضع اهتمام كطريق محتمل للهجرات اللاحقة.

قال المؤلف الأول في هذا المقال بيتر هينتزمان (Peter Heintzman)، وهو باحث ما بعد الدكتوراه في جامعة كاليفورنيا - سانتا كروز، الذي قاد عملية تحليل الحمض النووي: "أتاح فتح الممر فرصاً جديدة للهجرة وتبادل الأفكار بين الناس الذي يعيشون شمال وجنوب الصفائح الجليدية."

جماعات متميزة:

أظهر عمل سابق قامت به المؤلفة المشاركة بيث شابيرو (Beth Shapiro) أستاذة علم البيئة وعلم الأحياء التطوري في جامعة كاليفورنيا في سانتا كروز، أن جماعات البيسون شمال وجنوب الصفائح الجليدية كانت متميزة وراثياً في الوقت الذي فتح فيه الممر. حيث تمكن الباحثون من تتبع تحركات البيسون الشمالي باتجاه الجنوب، والبيسون الجنوبي باتجاه الشمال، عن طريق تحليل مستحاثات البيسون من داخل منطقة الممر.

ويقولُ هينتزمان: "إن تحديد عمر الكربون المشع كشف لنا عن عمر هذه المستحاثات، لكن التحليل الوراثي كان هو الأساس، لأنه كشف أن الجماعات الشمالية والجنوبية من البيسون كانت قادرة على الالتقاء داخل الممر."

أظهرت النتائج أن الجزء الجنوبي من الممر فُتح أولاً، مما سمح للبيسون الجنوبي ببدء الانتقال شمالاً في وقت أبكر منذ حوالي 13400 سنة، قبل أن يُفتح الممر بشكل كامل. لاحقاً كان هناك بعض التحركات للبيسون الشمالي باتجاه الجنوب، مع تداخل كلتا الجماعات (الشمالية والجنوبية) في الممر قبل 13000 سنة.

ويقول المؤلف المشارك دوان فرويس (Duane Froese) من جامعة ألبرتا، الولايات المتحدة: "إن مستحاثات البيسون هي الثدييات الرباعية الأكثر انتشاراً غرب أمريكا الشمالية، وهي محط اهتمام لأنها نجت من الانقراض في نهاية عصر البليستوسين على عكس معظم الثدييات الكبيرة الأخرى في أمريكا الشمالية." وقال: "كنا قادرين على أخذ عينات من مستحاثات البيسون، من المتاحف إلى حد كبير، بما في ذلك تلك المستحاثة الحاسمة من وسط ألبرتا التي حددت زمن بداية فتح الممر."

الهجرة البشرية:

وفقاً لشابيرو، تشير أدلة علم الآثار إلى أن الهجرة البشرية داخل الممر في الغالب أنها كانت من الجنوب إلى الشمال. ارتبطت المواقع الأثرية بطرق الصيد عند حضارة الكلوفيس (Clovis) وتقنية الرؤوس المحززة المتميزة الخاصة بهم، والتي كانت واسعة الانتشار جنوب الممر قبل حوالي 13000 سنة، وانخفاض غزارتها من الجنوب إلى الشمال ضمن منطقة الممر. لم يتم تحديد عمر موقع الكلوفيس في ألاسكا قبل 12400 سنة.

قالت شابيرو: "عندما فُتح الممر كان البشر يعيشون في الجنوب منه بالفعل. ولأن هؤلاء الناس كانوا يصطادون البيسون، يمكننا أن نفترض أنهم قد لحقوا به عندما انتقل شمالاً إلى الممر."

وقالت: "إن بيسون السهول من عصر البليستوسين (Bison priscus) أكبر بكثير من البيسون الحديث (Bison bison). قبل إغلاق الممر، أي قبل الحد الجليدي الأقصى الأخير، انتقل البيسون بحرية صعوداً وهبوطاً بين المناطق الخالية من الجليد في الشمال والمراعي في الجنوب من الصفائح الجليدية. بعد التحام الصفائح الجليدية، تقلصت الجماعات التي عبرت باتجاه الجنوب مخلفة سلالة جنوبية واحدة مميزة وراثياً."

ركّز تحليل الحمض النووي المستخدم في هذه الدراسة على الحمض النووي الخاص بالجسيمات الكوندرية mitochondrial DNA، لأن الحصول عليه من المستحاثات أسهل من الحمض النووي في الصبغيات، لأن كل خلية لديها آلاف النسخ القصيرة نسبياً من تسلسل الحمض النووي للجسيمات الكوندرية.

إن العديد من المستحاثات التي تم تحليلها جاءت من مجموعات في متحف ألبرتا الملكي في أدمنتون وغيرها من المؤسسات. قال المؤلف المشارك Grant Zazula من برنامج حكومة يوكون لعلم الحفريات في وايت هورس Grant Zazula: "يتم الحصول على الآلاف من أحافير بيسون السهول في شمال كندا كل عام، أغلب هذه المستحاثات غير مغطاة بتعدين أو بحفر تسببها الحصى مما يجعلها متاحة للعلماء من أجل دراستها. تدل هذه النتائج على أهمية جمع وحفظ المستحاثات من أجل فهم أفضل لتاريخنا."

* يشير الحد الجليدي الأقصى الأخير إلى وقت الامتداد الأقصى للصفائح الجليدية خلال العصر الجليدي الأخير أي منذ حوالي ٢١٠٠٠ سنة. (حسب IPCC)

كانت آخر حقبة في تاريخ الأرض المناخي خلال العصر الجليدي الأخير عندما كانت الصفائح الجليدية في أقصى توسع لها.

المصادر:

هنا

البحث الأصلي: هنا