الطبيعة والعلوم البيئية > عجائب الأحياء

عنكبوتٌ يضرب فرائسه بسرعة البرق

استمع على ساوندكلاود 🎧

اكتشف فريقٌ من الباحثين بقيادة العالمة هانا وود أن العناكب ذات الفك المصيدة لديها قدرةٌ مثيرةٌ للدهشة، تتجلى في ضرب فرائسها بقوة فائقةٍ وبسرعة البرق.

للوهلة الأولى، قد لا تَظهر العناكب التي تنتمي إلى عائلة Mecysmaucheniidae بسهولةٍ للعين المجردة، فهي عناكبٌ دقيقةٌ تعيش وتصطاد فرائسها على الأرض، ومن الصعب التقاطها وملاحظتها على الفور، حتى بالعيون المدربة على البحث والعثور عليها.

تعيش هذه العناكب حصرياً في نيوزيلندا والمناطق الجنوبية من أمريكا الجنوبية.

في سياق دراسة الناحية التطورية واستنتاج كيفية ظهور هذه الصفة المميزة، قام الفريق بتحليل الـDNA لهذه العناكب، ووجد أن تلك الضربات المدهشة القوية ذات السرعة العالية، قد تطورت بشكلٍ مستقلٍ داخل عائلة Mecysmaucheniid، على الأقل أربع مراتٍ مختلفة، عبر ظاهرةٍ تعرف باسم "التطور المتقارب".

التطور المتقارب: هو العملية التي تقوم بواسطتها كائناتٌ مختلفةٌ لا تربطها أواصر قرابة (لا تملك سلفًا مشتركًا) بتطوير صفاتٍ متشابهة وبشكلٍ مستقلٍ كنتيجةٍ لتكيفها مع بيئاتٍ متشابهةٍ.

وقد بينت الدراسة أننا لا نعرف الكثير عن العناكب، وأن هنالك الكثير لاكتشافه، وساهمت نتائجها في التحقيق والبحث الموسع في تفاصيل تطور شجرة حياة العنكبوت، بإلقائها ضوءًا جديدًا على كيفية سماح البنية التشريحية الفريدة لرأس العنكبوت، بتطوير قدرةٍ فريدةٍ على البقاء على قيد الحياة، تتجلى في امتلاك هذه العناكب لميزة الضربات القوية المُضخَمة، سواء في العناكب ذات الفك المصيدة، أو تلك الأخرى التي تمتلك صلة قرابة بها.

في مدغشقر عام 2005، كانت الباحثة هانا وود مفتونةً ومهتمةً بنوع من العناكب يسمى بعناكب البجع، وهي مجموعةٌ ذات قرابة بالعناكب ذات الفك المصيدة، ولكنها منفصلة عنها.

لدى عناكب البجع فكٌ غير عادي؛ فهو يمتلك أجزاءً فمويةً معروفةً علميًا باسم الخطافات Chelicerae، تمنح الفك قدرةً على المناورة بشكل مدهشٍ أثناء صيد الفريسة.

تطارد عناكب البجع فرائسها من العناكب الأخرى خلسةً، وتُهاجمها من مسافة بعيدة، و تستطيع أن تصل فريستها أولًا بخطافاتها الطويلة، ثم تطعنها بالأنياب التي تقع على حافتها.

افترضَ الباحثون أن طريقة توجيه عضلات "الرأس المتطاول " في عنكبوت البجع، هو ما يسمح لها بالقيام بهذه الحركات السريعة غير الاعتيادية باستخدام الخطافات.

بعد اهتمامها بعناكب البجع، بدأت وود بفحص نوع آخر ذو قرابةٍ منها، هو العناكب ذات الفك المصيدة، التي تمتلك رأساً مشابهاً. وعندما حققت في كيفية استخدام العناكب الأخيرة لهيكل الرأس غير العادي، لاحظت أنها تطارد فرائسها بخطافاتها المفتوحة باتساعٍ على مصراعيها، ثم تطبقها مرةً واحدةً عندما تصبح فرائسها قريبةً بما فيه الكفاية، على غرار مصيدة الفئران.

استُخدمت في دراسة هذه العناكب كاميرات فيديو عالية السرعة (تصل إلى 40000 لقطةٍ في الثانية) من أجل تسجيل وتصوير حركتها بطريقةٍ دقيقة.

وأظهرت أشرطة الفيديو بعض تفاصيل الانقضاض، فكما هو مُتوقع؛ عندما تصبح الفريسة الهدف قريبةً بما فيه الكفاية، ينقض العنكبوت مطبقاً عليها خطافاته بقوةٍ وسرعةٍ هائلة.

كما كشفت أشرطة الفيديو في دراسةٍ لـِ 14 نوعًا من العناكب التي تنتمي إلى عائلة Mecysmaucheniid وتتميز بامتلاكها أجزاء الفم المفترسة المذكورة، أن أسرع أنواع العنكبوت ذات الفك المصيدة، تُطبِق أجزاءها الفموية بسرعة تفوق سرعة قريناتها البطيئة بمئة مرة.

وقد لوحظ هذا النوع من السلوك الافتراسي من قبل في مجموعةٍ من النمل ذات قرابةٍ بعيدة، ولكن ليس في صف العنكبوتيات، ولا في أي فرعٍ من شجرة الحياة التي تشمل العناكب.

بعيدًا عن السرعة الهائلة التي تميز ضربات العنكبوت الانقضاضية، أظهرت الدراسات في أربعة أنواعٍ عنكبوتية، أن الطاقة اللازمة لهذه الحركة القوية تتجاوز وتفوق الطاقة التي تستطيع عضلات العنكبوت الصغيرة أن تنتجها في لحظة الانقضاض، هذا يعني أن حركات العناكب القوية لا تُزود بالطاقة في الحال من قبل عضلات العناكب الصغيرة، وبدلاً من ذلك، لابد أن هنالك آلياتٍ هيكليةٍ أخرى قد تطورت لتُمكن العناكب ذات الفك المصيدة من تخزين الطاقة اللازمة لإنتاج الحركات المفاجئة السريعة، من خلال قدرةٍ بيولوجيةٍ تُميزها وتمكنها من تحرير و إطلاق الطاقة المحتجزة بشكل فوري، مما يُنتج طاقةً مضاعفةً في الضربة الواحدة.

توصلت أبحاث وود وفريقها، إلى توصيف بعض الاختلافات التشريحية بين العناكب ذات الفك المصيدة والأنواع الأخرى التي تملك صلة قرابةٍ معها، وأجرى فريق البحث تحقيقات إضافية للتوصل إلى فهمٍ أفضل للآلية الأساسية في تخزين الطاقة المستخدمة في طريقة الاصطياد عند العنكبوت ذو الفك المصيدة، و لماذا طورت هذه العناكب بالذات هذا السلوك في الأصل؟ وما هي نوعية الفرائس التي تتغذى عليها في البرية؟

بالإضافة إلى تقديم رؤى جديدة في تطور العناكب، قد يكون للنتائج الجديدة آثارٌ أوسع نطاقًا في مجال علم التاريخ الطبيعي.

وبما أن العديد من الابتكارات العظيمة تأخذ إلهامها من الطبيعة، فدراسة هذه العناكب قد تعطينا أفكارًا تُلهمنا في تصميم الأدوات أو الروبوتات التي تتحرك وتعمل بطرق جديدة.

صورة للعنكبوت ذو الفك المصيدة

المصدر:

هنا

هنا