الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة

بكتيريا متناهية الصغر لمواجهة التحدي البيئي العالمي بالغ الكبر!

استمع على ساوندكلاود 🎧

يُعتبر غاز ثنائي أوكسيد الكربون CO2 المساهمَ الأكبرَ في ظاهرة الاحتباس الحراري، ومعظم الموجودِ منه في الغلاف الجوّي ناتجٌ عن احتراق الوقود الأحفوري المستخدَم في الصناعة إذ يَنبعث إلى الجو من مداخن المصانع. يُمكن أن يَتمّ التقاطه وإزالته من غازات المداخن بعمليةٍ تُدعى "الحجز" sequestration. يمكنكم مشاهدة تفاصيل هذه العمليّة بالفيديو : هنا

يَتطلّب تحويلُ CO2 إلى مادّةٍ أقلَّ ضرراً بالبيئة وجودَ أنزيمٍ مُتحمِّلٍ ومُقاومٍ للحرارة، وقد تَوصّل باحثون في جامعة فلوريدا إلى أنزيمٍ قادرٍ على إزالةِ CO2 في الكائنات الحيّة يُدعى أنهيدراز الكربونيك الّذي تُنتجُه بكتيريا تعيش في قاع المحيط تُدعى "ثايومايكروسبايرا كرونوجينا Thiomicrospira crunogena".

السببُ وراءَ اهتمام الباحثين بدراسة بكتيريا المياه العميقة:

تعيشُ هذه البكتيريا بالقرب من المنافِس الحرارية المائية* ممّا يجعلُ الأنزيمَ الذي تُنتِجُه متأقلِماً مع الدرجات المرتفعة من الحرارة وهذا بالضبط ما يَتطلّبُه الأنزيم الواجب استخدامه في تخفيض انبعاث CO2 من العمليّات الصناعية، بالإضافة إلى أنّ هذه البكتيريا قد تطوّرتْ للتعامل مع المشاكل الناتجةِ عن الدرجات القصوى من الضغط والحرارة كما أنها تكيّفتْ مُسبَقاً مع بعض الظروف التي قد تواجهُهَا في البيئات الصناعية.

الآليّة التي تعمل وِفقَها كيمياء الحجز:

يُحفّزُ أنزيم أنهيدراز الكربونيك التفاعل الكيميائي بين CO2 والماء، ويقوم الأنزيم بتحويل CO2 من غازٍ مُسبِّبٍ للاحتباس الحراري إلى بيكربونات، ويعتقدُ الباحثون أنّه في البيئة الصناعيّة يمكن التقاط أنزيم أنهيدراز الكربونيك ووضعُه مع مذيبٍ داخلَ مفاعلٍ يعملُ عملَ عمودِ تنقيةٍ كبيرٍ، وعند دخول غازات المدخنة خلالَ المذيب يقومُ الأنزيم بتحويل CO2 إلى بيكربونات. ولاحقاً تُستخدَم البيكربونات لإنتاج موادَ مفيدةٍ كصودا الخَبْزِ أو الطباشير.

لإزالة CO2 الناتجِ عن الصناعة ومنعهِ من الوصول إلى الجو، نحتاجُ إلى كميّاتٍ كبيرةٍ من أنهيدراز الكربونيك مما يتطلّبُ حَصَادَه باستمرار من قاع البحر، ولحلِّ هذا الإشكال تَمكّن الباحثون من الوصول إلى طريقةٍ لإنتاج أنهيدراز الكربونيك مخبريّاً باستخدام سُلالةٍ مُعدّلةٍ وراثيّاً من بكتيريا الإشريشيا كولاي، وقد تمّ إنتاجُ ميليغراماتٍ عديدةٍ منه بهذه الطريقة ولكن لابدَّ من إنتاج كميّاتٍ أكبرَ لتغطّي الحاجة لإزالة CO2 على الصعيد الصناعيّ. هذا فقط واحدٌ من التحدّيات التي تواجه الباحثين قبل وضعِ الأنزيم في الاستخدام بشكلٍ عمليّ، إذ على الرغم من كون أنهيدراز الكربونيك مقاوِماً جيّداً لدرجات الحرارة إلّا أنّه لا يَتمتَّع بالمستوى المطلوب من الفعاليّة، ولكن تَمَتّعَه باستقرارٍ حراري مرتفع رشَّحَه ليكون محطَّ اهتمام العلماء في البحث والدراسة بهدف تطويره ليصبحَ مقاوِماً للحرارة وأكثرَ فعاليّةً في نفس الوقت بحيث يمكن استخدامه في الصناعة على أرض الواقع. كما ويَدرسُ الباحثون إمكانيّةَ زيادةِ استقرار الأنزيم وإطالةِ عمره على اعتبارها قضايا هامّةً لابدّ من تناولها قبل البدء باستخدام الأنزيم بشكلٍ عملي.

لقد تمّت دراسةُ قدرة أنزيم أنهيدراز الكربونيك على إزالة CO2حول العالم لبعض الوقت ولطالما شكّلَ إيجادُ الأنزيم الأفضلِ للاستخدام في أنظمةِ حجزِ الكربون من حيث الفعالية والسعرِ المعقول تحدّياً للباحثين، ولكنَّ ما شجّعهم على متابعة الدراسات هو احتماليّةُ الوصول إلى اكتشافاتٍ قد تكون مفيدةً لكوكب الأرض في مجال الحدّ من ظاهرة الاحتباس الحراري. حيث أظهرتِ الأبحاث التي قاموا بها إمكانيةً ماديةً للاستفادة من الأنزيمات المعروفة كأنزيم أنهيدراز الكربونيك في إزالة CO2 من غازات المداخن، وكلنا أملٌ في أنْ تتمخّضَ الدراسات عن نتائجَ ملموسةٍ على أرض الواقع من شأنها حمايةُ كوكبنا من تَبِعات الاحتباس الحراري على المناخ والبيئة.

فيديو:

هنا

hr />

هامش:

*المنافس الحرارية المائية: فتحات تشبه المدخنة في قاع المحيط تنفث المياه المعدنية الحارة، يتنفّس منها باطن الأرض وتخرج منها غازات معدنيّة ساخنة.

المصدر:

هنا