الفنون البصرية > سلسلة ألعاب الطاولة

المونوبولي، لعبةُ الاحتكار واحتكارُ اللّعبة!

استمع على ساوندكلاود 🎧

لا بدَّ أنَّ كثيراً منّا قد جرّب هذه اللعبة المسليّة أو على الأقل شاهدها في أحدِ الأفلامِ أو المسلسلاتِ -الغربيّةِ خصوصاً - إذ تُعتَبرُ جزءاً من الثقافة والتُّراث الشّعبيّ الغربي. الى حدِّ أنَّ الشّركةَ المنتجةَ تُصدِرُ نُسخاً خاصة ً ببعض الدّول، والمدارس ، والجامعات، وحتّى الرّياضات وتواكب دوماً في إصداراتها آخرَ وأهمَّ الأحداثِ والمناسباتِ وحتى أشهرَ الأفلام ِ والمسلسلاتِ والفِرَقِ الموسيقيّة ! لتختلف أسماءُ العقاراتِ والخاناتِ تبعاً للموضوعِ المُختار.

الصورة المرفقة للإصدار الخاص بالمسلسل الشهير Game of Thrones:

ولِمَن لا يعرفها أو خانتهُ الذَّاكرة فالمونوبولي لعبةٌ من ألعابِ الطّاولةِ تتمَحوَرُ حولَ العقارات وهي مخصصة لاثنين إلى ثمان لاعبين. هدفُ اللّعبة أن يبقى اللّاعب متمكناً مالياً مع إجبار خصومه على الإفلاس وذلك عن طريق شراء وتطوير العقارات، واستيفاء الإيجار وحتّى الرّهن.

مكونات اللٌّعبة:

- نقودٌ ورقيّةٌ ملوّنة خاصّةٌ باللّعبة.

- مجسماتٌ صغيرةٌ لتنقل اللّاعبين على اللّوحة.

- بطاقاتُ ملكيةٍ للعقارات بالإضافة الى بطاقات صندوقِ الجماعة وصندوق الحظ.

- مجسّمات لمنازل وفنادق.

- وبالطبع لوحةٌ مربعةٌ مقسّمةٌ الى عشرِ خاناتٍ مستطيلةِ الشكل في كل جانب تضم 28 عقار، وأربع محطات، وخانتان للمؤسسات العامة، وثلاث خانات لصندوق المجتمع، وثلاث خانات لبطاقات الحظ، وخانة الضريبة العُظمى، وخانة ضريبة الدّخل، والذهاب إلى السّجن، والسّجن، وموقفٌ مجانيٌ وخانةُ الانطلاق. كما يبدو في الصورة:

يتنقّل اللّاعبون على اللّوحة تبعاً لرميةِ النّردين فإذا حطَّ على ملكيّةٍ غيرِ مخصصّة بإمكانه شراؤها أما إذا حطَّ على ملكيّة لاعبٍ آخر توجَّبَ عليه دفعُ "إيجار"، وآخرُ لاعب ينجو من الإفلاس هو الرَّابح.

وإلى جانبِ كونِها لعبةَ الطاولةِ الأكثرُ مبيعاً في التّاريخ، للمونوبولي قصّةٌ تؤرِّخُ للحقبةِ التي اختُرِعَت فيها فقد نالت شعبيتها الكبيرة في الولايات المتَّحدة خلال فترةِ "الكسادِ الكبير" عندما قامَ المهندسُ العاطِلُ عن العمل تشارلز دارو ببيعِ الفكرةِ الى شركةِ الأخوين باركر عام 1935. وقد حققت اللعبةُ نجاحاً استثنائياً إذ بيعت حوالي 278000 نسخةً منها خلالَ سنتها الأولى وعادت على دارو بأموالٍ طائلة، إلا أن جهود الباحثين أفضت الى أنّ للّعبةِ أصولاً أقدمُ بعدّةِ عقود إذ كشفوا أن نسخاً منزليةَ الصّنع قد انتشرت في الولايات المتحدة للعبةٍ مشابهةٍ اسمها المالك The Landlord من اختراع الكاتبة والناشطة إليزابيث ماغي والتي نالت عليها براءةَ اختراع عام 1904 والتي تظهر في الصورة:

ليست مجرّد َ لعبة!

تصرِّحُ ماغي أنَّ هدفها من اختراعِ هذهِ اللُعبة هو توعيةُ النَّاسِ الى خطرِ الاحتكار واستغلاله من قبلِ المللّاكين الجَشعين بالإضافةِ الى التَّرويجِ لنظريةِ الضريبةِ المفردة على المللّاكين للعالم الاقتصادي هنري جورج والتي كانت قضيّةً رائدةً بين مُنتقدي عدمِ العدالةِ الاقتصادية. وكنتيجةٍ لذلك كان للّعبةِ شعبيّةٌ كبيرة بين المفكرين اليساريّن لثلاثةِ عقود الى أن وصلت الى تشارلز دارو وآخرين نشروا لعبةً باسم Finance.

ولضمانِ احتكارِ اللُّعبة قامت شركةُ الأخوين باركر بشراء حقوق الملكية، وحصلت ماغي مقابلَ ذلك على مبلغ 500 دولار فقط وبدون حقوق تأليف ! حينها لم تشكّ ماغي في دوافعهم بل كانت متحمسةً لانتشارِ لُعبتها والتّأثيرِ الذي ستحققه في المجتمع. ولكن حين أغفلت الشّركة ذكرها كمؤسسٍ للّعبة ونسبتها لدارو ثارت ثائرتُها وقامت بمقاضاةِ الشّركة، إلا أنَّها بقيت في الظِّل الى أن قام الأكاديمي Ralph Anspach عام 1973 بإجراء أبحاثٍ حول قضيَّتها مُثبتاً بما لا يدَعُ مجالاً للشَّك دورها الأساسي في تاريخِ اللُّعبة.

الصورة التّالية لإليزابيث تحملُ لعبتها ويظهر عليها اسم Monopoly:

ما يلفِتُ النَظر أنَّ إليزابيث ماغي قامت بإنتاجِ إصدارين للّعبةِ، الأولُ ضد الاحتكار وتتوزعُ فيه الأموالُ على الجميع، والثّاني كانَ مُناصراً لنظريةِ الاحتكار ويسعى الَلاعبُ فيه للسّيطرة على الممتلكات وإيصالِ منافسيه الى الإفلاس. وكان هدَفها من ذلك إظهارَ الفروقاتِ الهائلةَ بين الفلسفتين وتوضيحَ مساوئ الاحتكار أمام المجتمع مستفيدةً من شعبيّةِ ألعاب الطَّاولةِ لدى أبناءِ الطّبقةِ الوسطى في ذلك الوقت.

الغريبُ في الموضوع أنَّ الإصدارَ الثّاني هوَ الذي لقيَ الشَّعبيةَ الأكبر والذي ما زال يلقى إقبالاً كبيراً حتى اليوم!

يقودُنا ذلك الى الاستنتاجِ أنَّ الاختراعات والإبداعاتِ ليست مجرّد آثارٍ لمبتكريها بل أنّ تاريخها يُحكى بلسانِ مُستخدميها أيضاً، كما هو الحال بالنّسبة للعبة المونوبولي الذي غيّر لاعبوها مسارها بالكامل، لتبقى معَ ذلك اللّعبة المفضّلة لدى كثيرٍ من العائلاتِ والأصدقاء، فهل جرّبتها عزيزي القارئ؟ وما هو انطباعُك عنها؟

المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا