الكيمياء والصيدلة > صيدلة

علاجٌ واعدٌ للسرطان بلا إقياء أو تساقط للشعر

استمع على ساوندكلاود 🎧

بالعودة إلى العهد القديم للطّب في عام ١٦٠٠ قبل الميلاد، نجد بُرْدِيَّةَ إدوين سميث الشّهيرة Edwin Smith Papyrus والتي تمَّ تدوين أُولى حالات السّرطانِ فيها. لكن لم يكن للمُدوِّنين المجهولينَ لهذه البُرْدِيَّة أن يَصِلوا في أبعد تخيّلاتهم إلى البحث الذي يقوم به العلماء على المستوى الجزيئيّ في الحقبةِ الزّمنيّةِ التي نعيش فيها. إِذ تمكّن علماءُ اليوم بالاستفادة من العالم الدّقيق للجزيئات والتفاعلات الكيميائيّة من الوصولِ إلى جذورِ الأمراض كالسّرطان مثلاً والتّعامل معها من خلال مَنظورٍ جديد. أدّى ذلك إلى تصاعدٍ كبيرٍ للآمال بخصوص المُستجدّات في المجالات المرتبطة بالعلاجات السّرطانية. ساعد الاكتشاف الحديث للآليّة الجديدة التي تُسْتعمل بها أدويةُ العلاجِ الكيماوي أخصّائيي البيولوجيا بشكلٍ هائلٍ لخفض الآثار الجانبيّة لأدوية السّرطان وبذلك يمكن اعتبارها كواحدةٍ من أفضل الإنجازاتِ العلميّةِ لعام ٢٠١٥.

لمحة عن مرض السّرطان

نعلم جميعنا ما هو السّرطان ولدينا فكرةً كافيةً عن عواقبِهِ. يرتبطُ السّرطانُ عادةً بالأورام لكن ليست جميع الأورام سرطانيّةً، إنّما الخبيثة منها فقط. تعود أسبابُ السّرطان إلى العواملِ البيئيّةِ غالباً إذ لا تشكّل الأسبابُ الوراثيةُ سوى العُشرِ تقريباً. فَمن المُذهلِ حقّاً أنّ معظم الحالاتِ حول العالم ناتجةٌ عن البدانة والنظام الغذائي بالإضافة إلى استهلاك التبغ. تشكّل هذه الحالات بعضاً من الأشكال المعلومة من السّرطان فهي "الشّائعة" منها، لكن هناك أكثرُ من مئةِ نوعٍ من السّرطان لم نسمعْ بها حتى.

من الممكنِ لكلٍّ منّا أن يتساءل لماذا لا يوجد شفاءٌ مضمونٌ للسّرطان. تكمن الإجابة الأبسط في حقيقة أنّه لا يوجد علاجٌ دقيقٌ متاحٌ يمكنه العمل من دون أن يطرأَ تغييرٌ على شكله الأصلي المضاد للسّرطان. انطلاقاً من هنا، يستعمل العلماء مصطلحَ طليعة الدواء ‘pro-drug’ بخصوصِ أدوية العلاج الكيماويّ. يعودُ استخدامُ المصطلح إلى أنّ هذا الدواء لا يبقى محافظاً على نفس تركيبه الجزيئي الأصلي فور حقنه في الجسم، وذلك نتيجةَ تفاعله البيولوجي مع العوامل الأخرى داخل الجسم أكثر من تفاعله مع الهدف المُراد. إضافةً إلى ذلك، كانت الخلايا السّرطانيّة وأدويةُ العلاجِ الكيماويّ مرتبطةً ببعضها فقط بالقدْر الذي ترتبط به الأدوية المضادة للسّرطان بالدنا الكروموسومي المنقسم splitting chromosomal DNA، إِذ أنّ العملية هذه تساعد في إبطال التّشكيلِ الوراثيّ لخلايا سرطانية جديدة. وبما أنّ آلية عمل أدوية العلاج الكيماوي كانت معروفةً بشكلٍ أقلّ من هذه الناحية فقد أدّت تلقائياً إلى عدّة آثارٍ جانبيةٍ كفقدان الشعر، والإقياء، وحدوث تنشُّؤاتٍ ثانويةٍ، والتعب، وأذيّة الأعضاء، إلى آخر القائمة.

أظهر الاكتشاف الجديد جُزيئات سيسبلاتين Cisplatin (وهو دواءٌ يستخدم في العلاج الكيماوي) وهي تتفاعل في موقعين آخرين في الخلية بدلاً من الدنا الكروموسومي فقط chromosomal DNA، هما دنا حر free DNA أو كروماتين chromatin وبروتينات هيستون histone proteins.

إن نظريةَ تأثيرِ الأدوية المضادة للسّرطان على الدنا الحر free DNA هي النظرية النمطية والتي يترتب عليها إيقاف الانقسام المتساوي للدنا DNA وبالتالي إيقاف انقسامِ الخلايا. بينما تبيّن الإيضاحات الجديدة في الدراسة أنّ الكروماتين وبروتينات الهيستون أي البروتينات المسؤولة عن تكثيف الدنا (condensation of DNA) هي الأزواج الرئيسة للارتباط في المُعَقَّدات المعدنية التي تنتمي إلى عائلة المعادن الانتقالية. و هكذا فإن العصر الجديد للعلاج الكيماويّ يتضمّن استعمال أدويةٍ حاويةٍ على معدن وذات قوةٍ كافيةٍ للارتباط بالدنا الكروموسومي والكروماتين وبروتينات الهيستون.

كيف يساعد ذلك بالضبط في محاربة السّرطان بشكلٍ فعّال؟

يؤثّر الدواء على الخلية السرطانية قبل أن تبدأَ المادة الوراثية بداخلها بالتكثف، أي الطّور S، أو ما يسمّى بطور الاصطناع حيث تبدأ الخلية للتو بالانشغال. وبذلك فقد قدّم هذا الاكتشاف الفرص للعلماء لفهم أسباب الآثار الجانبيّة الناجمة عن الأدوية المضادة للسّرطان.

لقد فتح ارتباط هذه الأدوية بالدنا، والذي يعتبر التفاعل الرئيس في العلاج الكيماوي، الأبواب أمام أخصائيي البيولوجيا ليبادروا ببحثهم في سبيل اكتشاف أدويةٍ بأقل آثارٍ جانبيةٍ ممكنة. فقد كشفت الدراسة عن انتقائيّة ارتباط الدواء بالبروتينات والدنا بشكلٍ نسبي، مما يعزّز فهم الاختصاصيين البيولوجيين للأسس الجزيئية لأدوية السرطان. وقد تكون الآثار الجانبية المحتملة وترشيد العمليات البيولوجية بدايةً لجانبٍ مشرقٍ في علاج السّرطان.

الجدير بالذكر أنّ معظم الأدوية التي تمّ استخدامها في الدراسة احتوت على معدن الروثينيوم وطُبّقت بشكلٍ رئيسٍ في علاج سرطان الخصية وسرطان المبيض. لذلك يمكننا القول أن هذه الأدوية قد تكون الشّفاء الأمثل لأولئك المرضى في المستقبل القريب ويمكن اعتبارها أملاً جديداً بالشفاء لمن تم تشخيصهم بالمرض الذي يهدّد حياة مريضٍ كلّ أربعِ ثوان.

المصدر:

هنا

الدراسة:

هنا