الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة

كيف نقلل من الملوثات البيئية المُسرطنة في اللحوم؟

استمع على ساوندكلاود 🎧

نعلم أن اللحوم ومنتجاتها تمتلك قيمةً غذائيةً عاليةً بما تحتويه من بروتينٍ وأحماضٍ أمينيةٍ وفيتاميناتٍ "فيتامين ب12" بالإضافة للحديد الذي يعد عنصرًا غذائيًا مهمًا في السلسلة الغذائية، لكن الاستهلاك اليومي للحوم يؤدي أيضًا إلى التعرض للمواد السامة الموجودة فيها والمنتقلة إليها عن طريق الغذاء أو الماء أو الهواء، حيث أعلنت الوكالة الدولية لبحوث السرطان في أكتوبر من العام الماضي أن استهلاك كلٍ من اللحوم الحمراء واللحوم المُصنَّعة (المُحضَّرة) مرتبطٌ بزيادة خطر الإصابة بالسرطان، بالرغم من أن تحليلاتها لم تقم بالإشارة للملوثات البيئية المُسرطنة الموجودة مسبقًا في اللحوم النيئة وغير المُصنّعة، حيث بينت دراسةٌ أخرى أن عمليات الطبخ التي تزيل الدهون من اللحوم هي فقط التي بإمكانها تقليل تراكيز هذه المواد المُسرطنة.

دفع هذا منظمة الصحة العالمية "WHO" لمراجعة أكثر من 800 دراسةٍ تم بعدها تصنيف اللحوم الحمراء على أنها "مُسرطنة مُحتَمَلة للإنسان" (المجموعة 2A) واللحوم المُصنَّعة على أنها "مسرطنة للإنسان" (المجموعة 1). مع دليلٍ واضحٍ أن استهلاك هذه اللحوم قد يسبب سرطان القولون.

وهنا يُطرح سؤالان حول علاقة اللحوم بالسرطان، هل التسبب بالسرطان متعلق باللحوم نفسها؟ أم بطريقة تحضيرها؟

وفقاً لدراسةٍ نُشرت في مجلة "The Lancet Oncology" المتخصصة بعلم الأورام، فإن المواد المسؤولة عن السرطان تنشأ خلال عمليات تحضير اللحم مثل تجفيفه أو تمليحه أو تدخينه أو عندما يُسخن إلى درجاتٍ عاليةٍ من الحرارة، مما يسمح بتحرر عدة موادَ سامةٍ كمركبات النيتروز والهيدروكربونات الأروماتية متعددة الحلقات "PAHs" والأمينات الأروماتية الحلقية غير المتجانسة و غيرها.

لكن كيف يزيد مستوى هذه المواد وأي نوع من عمليات الطهي هي المتسببة بذلك ؟

يجيب عن هذا السؤال علماءٌ من جامعة رافيورا أي فيرجيالي "URV"الإسبانية قاموا بتحليل دور هذه المواد الملوثة لمعرفة مدى علاقتها بالتسبب بمرض السرطان وذلك من خلال فحص تأثير عمليات الطهي على تواجد الملوثات في اللحوم والتي تشمل القلي والشوي والغلي، وقد اختار العلماء اللحوم الغنية بالدهون كشرائح اللحم ولحوم الخنزير واللحوم الأقل دهنًا كصدور الدجاج وأفخادها وتبين خلال النتائج أن الأنواع المختلفة من الطهي تؤثر على تراكيز السموم بشكل مختلفٍ وذلك تبعًا لنوع اللحوم المستخدمة، فمثلًا لا يحدث أي تغييرٍ يذكر في مستوى الملوثات العضوية الثابتة "POPS"* قبل وبعد عملية الطهي وهذا ينطبق على باقي المركبات العضوية الأخرى، فقد أظهرت الدراسة أن عمليات الطهي التي تعمل على تقليل الدهون أو تحريرها من اللحم هي فقط المسؤولة عن إنقاص التراكيز الكلية للمُلوِثات في اللحم المطهي.

الدهون موطن السموم:

يتعرض المستهلك لهذه السموم نتيجة النشاطات البشرية السلبية مثل السلوكيات الخاطئة في تربية الحيوانات والتدجين، والمعالجات البيطرية بالأدوية السامة، بما فيها العناصر غير العضوية كالزرنيخ والكادميوم والرصاص...الخ، أو الهيدروكربونات العطرية عديدة الحلقات أوالسموم الأخرى الكيميائية الصناعية والتي تظهر كواحدة من بين أكثر 12 مادة مُلوِثة تُنتَج من قبل الإنسان وفقًا لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة.

مع العلم أن هذه المواد محبةٌ للذوبان في الدهون، لذلك أي طعامٍ يحتوي على كمياتٍ كبيرةٍ من الدهون يراكم كمياتٍ من المواد المسرطنة أكثر من تلك الموجودة في المواد النباتية، وإن استهلاك الإنسان لكمياتٍ أقل من اللحوم الغنية بالدهون يعني مستوىً أقل من هذه الملوثات مع التذكر أن تراكيز الملوثات لا تعتمد بشكل أساسي على طرق تحضير الطعام بقدر ما تعتمد أيضاً على البيئة المحيطة بالحيوانات من مياه وهواء وتربة ، فالسموم التي يتعرض لها الطعام قبل الطهي تختبئ في زوايا الدهون في جسم الحيوان منتظرةً الفرصة للتحرر داخل جسم الإنسان.

ولذلك يُنصح بتخفيف الكميات اليومية المستهلكة من دهون اللحوم لتقليل خطر الإصابة بكلٍ من أمراض القلب والأمراض الوعائية والسرطان على حدٍ سواء، و تجنب تلك اللحوم خاصةً المعرضة للملوثات البيئية التي لا تتعلق تراكيزها فقط بطريقة تحضير اللحم بل أيضاً بكمياتها الأساسية في اللحوم قبل عملية التحضير، حيث لا تكون كل اللحوم متساوية بكميات الملوثات المُكتسبة من المصدر.

هل ما زلت تفكر بتناول تلك القطعة من اللحم الغنية بالدهون ؟

هامش:

الملوثات العضوية الثابتة "POPS":هي موادٌ كيميائيةٌ سامةٌ تؤثر سلبًا على صحة الإنسان والبيئة. ونظرًا لقدرتها على الانتقال بواسطة الرياح والمياه، و ثباتها لفترات طويلة في الطبيعة دون أن تتفكك لا يكون تأثيرها محصوراً فقط بمكان استخدامها بل تستطيع تلويث أماكن بعيدةٍ جداً عن هذا المكان، وتتراكم في الكائنات الحية عبر الانتقال من نوعٍ لآخر في السلسلة الغذائية.

المصادر:

1- Domingo, José L. Nadal, Martí. Carcinogenicity of consumption of red and processed meat: What about environmental contaminants? Environmental Research, 2016; 145: 109

هنا

2- WHO.Q&A on the carcinogenicity of the consumption of red meat and processed meat هنا

3- Plataforma SINC, 2016.How to remove environmental pollutants from raw meat.6 May.sciencedaily. {Accessed 12 May 2016}.available:

هنا

4- هنا