علم النفس > المنوعات وعلم النفس الحديث

العلاقة الحقيقية التي تربط المال بالسعادة

استمع على ساوندكلاود 🎧

بحثت دراساتٌ كاملة ،فيما يدعى باقتصاد السعادة ، في العلاقة الحقيقية التي تربط المال بالسعادة . توصلنا قراءتنا لنص هذه الدراسات إلى نتيجة حتمية واحدة وهي مايلي : يجعل" اقتصاد السعادة" بعض الأكاديميين سعداء لأن باستطاعتهم نشر أبحاثهم العلمية المنافسة التي تساعدهم على تولي مناصب جيدة.

لكنّ العلاقة الحقيقية بين السعادة و الدخل أكثر دقة و قياس المشاعر الانسانية ( ومنها السعادة ) أمر شائك. فعندما يسئل مشاركو الدراسة عن رأيهم في مستوى سعادة الناس على اختلاف دخلهم المادي نلاحظ تجاهلاً واضحاً لسعادة الفقراء بشكل عام . إذ تعتمد هذه الدراسات متغيرين فقط و هما الدخل من جهة و السعادة من جهة أخرى مع إهمالها للمتغيرات و العوامل الأخرى التي قد تجعلنا سعداء كالعلاقات الشخصية و الصحة.

وإحدى أهم الدراسات التي أُجريت على الموضوع دراسةٌ قام بها كل من عالم الاقتصاد Angus Deaton و عالم النفس Daniel Kahneman الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد. و قد وجد كلّا من الأستاذين في جامعة Princeton University أنّ السعادة اليومية ازدادت مع وصول معدل الدخل إلى 75000 دولار في السنة و بعد ذلك لم يزدد معدل السعادة مهما ازداد الدخل عن هذا الرقم .

وفسّرت هذه النتيجة كما يلي: يساهم الدخل المرتفع في التغلب على مشاكل الحياة فنشعر بضغط و حزن أقل، و لكن بوصول معدل الدخل إلى 75000دولار في السنة تصل السعادة إلى الذروة و النهاية القاطعة حيث لم يعد للمال أي أهمية أو تأثير عليها لا زيادة و لا نقصان .

ميزت هذه الدراسة أيضاً بين السعادة اليومية و الرضا الحياتي . إذ يرى الناس أنفسهم ناجحين أكثر مع كل زيادة يكسبونها في الدخل . اذاً مع كل 10% زيادة في الدخل يزداد الشعور بالرضا بنسبة 10% سواء أكانت هذه الزيادة 50000 دولار أو 500000 دولار.

و خلصا إلى ما يلي : " لا يمنحك الدخل العالي السعادة وإنّما يمنحك الحياة التي تعتقد أنها الأفضل ." و أعتقد أن تصريحهما هذا قد أهمل بعداً آخر.و استطاع Todd Buchholz ، مدرس علم الاقتصاد السابق في هارفرد والمستشار السابق في البيت الأبيض ، أن يثبت في كتابه “Rush: Why You Need and Love the Rat Race” أنّ الكفاح و الإنجاز المرتبطان عادة برواتب أعلى هو المسؤول عن ازدياد سعادتنا . يقول Buchholz : " الحقيقة أنّ لدى معظم الناس حاجة عميقة للعمل و الإبداع."إلاّ أنّه لم يقل أنّ امتلاك الأشياء يجعلنا أسعد.

وفي هذا السياق يقول Thomas Gilovich أستاذ علم النفس في جامعة Cornell إنّ امتلاكنا لأشياء أكثر لا يجعلنا أسعد و إن فعل فليس لفترة طويلة .

و يضيف Gilovich مؤلف كتاب “How We Know What Isn’t So” أنّ الممتلكات تمنحنا متعةً عابرة لأننا نتكيف مع مممتلكاتنا الجديدة بسرعة مذهلة . تعد القدرة على التكيف أمراً مفيداً عندما نواجه ظرفاّ سيئاً - لنجاري الظروق السيئة حتى لا تعد تزعجنا . و لكن الأمر مختلف عندما يتعلق الحديث بالتكيف مع الممتلكات المادية ،كشاشة تلفاز كبيرة، لأن المتعة التي تأخذنا للوهلة الأولى سرعان ما تخبو . إنّ الناس الذين يبتغون امتلاك الكثير من الأشياء المادية ينتهي بهم الأمر بالدوران في" حلقة المتعة المفرغة”. امتلاك —> متعة —> اعتياد وهكذا.

و يتابع أنّه من الأفضل أن نصرف المال على الفعل أكثر من الشراء . فالتجارب ،كقضاء عطلة مع الأصدقاء أو مشاركتهم في حفلة شواء، كلها تجارب لا تستطيع قدرتنا على التكيف التقليل من قيمتها بسهولة . “ إذ تمنحك هذه التجارب قيمةً اجتماعية أكبر " . " يشعر الناس بالمتعة عندما يتحدثون عن تجاربهم أكثر مما يشعرون بها عندما يتحدثون عما تبضعوه من أشياء مادية."

و تجاربنا التي نعيشها قيّمة إلى درجة أنّها لا تُقارن و هذا ما يعطيها قيمة فريدة .و قد أشار Gilovich إلى أنه عندما يتعلق الأمر بشيءٍ مادي كسيارة تُصبح المقارنة أسهل بكثير : " تكلفة سيارتك قليلة ؟ و تقطع مسافات أطول؟ و موثوقة ؟ هنيئاً لك فأنت تملك سيارة أفضل من التي أملك !!!".

ماذا لو ذهبت أنت في رحلة جبلية و ذهبت أنا إلى البحر؟ حسناً، تبدو رحلتك الجبلية مثيرة للاهتمام و لم أجربها من قبل و لكني ذهبت إلى البحر مع أصدقائي و لديّ ذكريات جميلة هناك! وبصراحة لن تقلقني حينها مقارنةٌ كهذه .

المصادر:

هنا

هنا