العمارة والتشييد > التشييد

بدائل جديدة لمادة الإسمنت

استمع على ساوندكلاود 🎧

لا يَخفى على أحد في الوسط المعماري أنَّ المصدر الأكبر للذَّنب الذي يعاني منه المعماريُّون هو اعتمادهم في جزءٍ كبيرٍ من مبانيهم المصمَّمة على الخرسانة الإسمنتية، فالمعماريّون أكثر اطِّلاعاً من غيرهم على الآثار الجانبية لهذه المادة على البيئة، لكنَّهم لا زالوا يستخدمونها وبمعدَّلات متزايدة. فما هي البدائل التي يمكنهم من خلالها تنفيذ تصاميمهم؟

سنستعرض في هذا المقال مجموعة من البدائل التي تملك خصائص تؤهلها لتنافس مادة الإسمنت.

1- مادة Cemfree:

تندرج هذه المادة في قائمة المواد التي يؤمل لها أن تؤمِّن بديلاً حقيقياً لمادة الخرسانة الإسمنتية التقليديَّة. فهي تصنَّع باستخدام حبيبات التربة وبقايا الأفران عالية الانصهار بدلاً من الإسمنت. حيث سيحتاج بعض الصناعييِّن قليلاً من الاقناع قبل تبنِّي فكرة استخدام مادة Cemfree على نطاق واسع، إذ يقول أحد الأشخاص في تشبيهه للخرسانة الخالية من الإسمنت بأنَّها تشبه خبز الكعكة دون استخدام الطَّحين!! لكن التجربة تُظهر أنَّ مادة Cemfree تعطي نفس الفعاليَّة التي نحصل عليها باستخدام الإسمنت التقليدي في معظم المجالات.

تتمتَّع مادة Cemfree بجميع الصفات الهيكليَّة التي تتمتَّع بها الخرسانة التقليدية إضافةً إلى أنَّها أكثر قدرة على التحمل، وأكثراستدامةً، وتحتاج لكميَّات أقل من المياه، بل الأهم أنَّ مادة Cemfree تستخدم نفس تقنيات الإنتاج والتصميم ونفس مبادئ الاستخدام. مما يجعل تبنِّي استخدامه أمراً بسيطاً دون الحاجة للاستثمار في معدَّاتٍ جديدة أو تقنيات استخدام مختلفة.

2- مادة Taktl:

يتركز النهج الأساسي لهذه المادة على فرضيَّة (الأقل هو أكثر). فعلى الرُّغم من أنَّ هذه المادة الخرسانية ذات الأداء العالي جداً ما زالت في النِّهاية اسمنتية إلا أنَّها تُتنج منسوبات أقل من غاز ثاني أوكسيد الكربون CO2 بالمقارنة مع مثيلتها التقليدية، عبر استهلاك كميَّات أقل من المياه وتمتُّعها بقوَّة أكبر، أي أنَّك تحتاج كميات أقل لتحقق نفس مستوى الفعاليَّة. يُذكر أنَّ خطة الشركة المصنِّعة Winkless تقتضي توزيع الإنتاج على العديد من المراكز المحليَّة ممَّا يعني تخفيف انبعاثات CO2 الناتجة عن النقل.

تتمتع مادة Taktl بقوة تماثل أربع أضعاف الخرسانة التقليدية الجاهزة، إضافة إلى أداء فعَّال يلبِّي مختلف المتطلَّبات، وتَرجِع هذه القوة الى المُعايرة الدَّقيقة لنسب المكونات الهندسية والتسلسل المتبع عند مزج المواد، بحيث تتوضَّع وتتكدَّس الذرات بشكل متقارب ممَّا يخلق روابط متماسكة فيما بينها. هذه الكثافة في التموضع تعطي فعاليَّة كبيرة فيما يتعلق بالضَّغط والانحناء ويغلق عمليَّاً المسامات والفراغات المسبِّبة للتجمُّد والذوبان والتي تَهتُك بالخرسانة المُسبقة الصَّب وألواح ال GFRC (Glass fiber reinforced concrete).

لقد أصبح بإمكاننا نتيجةً لاعتماد تصنيع Taktl على مجموعة من العناصر كتصميم القوالب والتَّصنيع الآلي واستخدام صيغ الإسمنت العالي الفعاليَّة UHPC (Ultra High Performance Concrete )، تصنيع منتجات ذات فعاليَّة أكبر وبتكاليفٍ أقل وبأداءٍ بيئيٍ ممتاز، لتقدِّم بفضلِ هندستها خياراتٍ عديدة فيما يتعلق بالتَّشطيبات والإكساء والألوان.

3- Bioreceptive Concrete:

تهتم مادة Bioreceptive الخرسانية بالشكل الخارجي أكثر من اهتمامها بالأمور التقنيَّة كانبعاث الكربون CO2، إلا أنَّه من الضروري التَّذكير بأنَّ الشكل الخارجي للإسمنت يعتبر عائقاً أمام الكثيرين. تم تطوير هذا المنتج من قبل Dr Sandra Manso-Blanco، حيث يتطلَّب النِّظام المستخدم في الانتاج على نواة انشائيَّة خرسانية، بينما يتوضَّع فوقها مجموعة من الطبقات التي تشجِّع على نمو الطَّحالب والأشنيَّات، محوِّلاً الجدار المُصنَّع من المادة الى جدار متغيِّر باستمرار كسجَّادة طبيعيَّة متحولَّة دائماً.

يُعتبر نمو الأشنيات والطحالب بجانب البناء إشارة سيئة بالنسبة لكثير من المعماريين، فمواد البناء مصمَّمة بشكلٍ خاص لمنع نمو مثل هذه النباتات عليها، كما يوجد الكثير من الأبحاث لتطوير أنواع من الطِّلاء التي تحوي على مبيدات تمنع استعمار الإسمنت والخشب والبلوك من قبل هذه الكائنات الحيَّة. لكن مجموعة جديدة من الباحثين تحاول تغيير هذه الرؤية. فبدلاً من تطوير أسطح مقاومة لنمو الأشنيَّات والطحالب، يريد الباحثون في BiotA lab بناء واجهات موائمة للنشاطات الحيوية bioreceptive"".

يضم المختبر الموجود في مدرسة Bartlett للعمارة في جامعة لندن على مجموعة من المعماريين والمهندسين اللذين يعملون على تصنيع مواد تؤمِّن مكاناً مناسباً لنمو الكائنات الحيَّة كالطَّحالب والأشنيَّات. حيث يأملون من خلال هذه الفكرة الوصول الى بناء مباني تستطيع مجموعة كبيرة من هذه النباتات النمو عليها. أمَّا الآن فهم يركِّزون على تصميم خرسانة مناسبة لهذه الكائنات " bioreceptive concrete".

يصرِّح Marcos Cruz أحد مدراء مختبر BiotA حول اهتمامه القديم بما يسمِّيه النِّزاع أو المعضلة بطريقة التفكير فيما يتعلق بالمباني والجمال: انَّنا نُعجبُ بالطَّحالب التي تنمو على المباني القديمة لأنَّها تذكِّرنا بماضي رومانسي، لكنَّنا لا نحبِّذها على مبانينا المعاصرة لأنَّنا نراها كمصدر للأمراض!! يأمل السيد Cruz بأن يدفع المشروع الحالي مجدَّداً باتجاه يناقض فكرة أن النظافة هي الهدف الذي علينا أن نسعى اليه في مبانينا حيث يقول: لقد اعتاد المعماريون منذ الأزل على لبس السترات، لكنهم لم يبدؤا بتمزيقها الّا في ال20 سنة الأخيرة.

أما السيِّد Richard Beckett وهو المدير الآخر للمشروع فهو مهتم بكيفيِّة قلب المشروع لطريقة تفكيرنا فيما يتعلَّق بتصميم المباني، حتَّى ولو على مقياسٍ صغير. حيث يقول: لطالما كانت عمليَّة التَّصميم المعماري عمليَّة تبدأ من الأعلى الى الأسفل، فأنت تقِّرر ما سيبدو عليه مبناك ثم تبنيه، أمّا هنا فنحن نصمِّم لمجموعة محدَّدة من الأنواع، فالمواد والهندسة التي نستخدمها محدَّدة لدرجة كبيرة بحيث لا تسمح إلَّا لأنواع محدَّدة من الكائنات بالنُّمو. هي فوضى متحكمٌ بها.

يتحدَّث كلا مديريّ المشروع Marcos Cruz و Richard Beckettعن الطريقة التي يتبعونها في تصميم مبانيهم والمختلفة عن النَّمط التقليدي فيقول السيد Beckett: أيّ معماري تتحدَّث معه يكلِّمك عن القشرة الخارجية للمبنى، وهذه هي الاستعارة التي يستخدمها الجميع بطرقٍ مختلفة. وهذا ما يسعيان لتغييره، فبدلاً من القشرة التي يعتبرها الجميع كجلد للمبنى يحاول المختبر التفكير بها على أنَّها لُحاء. فهي لا تحمي المبنى فقط بل تتصرف كمضيف يسمح للأشياء بالنمو عليه ليدمجَ الوظيفتين معاً.

في النِّهاية لابدَّ لنا من العمل على تبنِّي مثل هذه الحلول التي تخفِّف من اعتمادنا على الخرسانة التَّقليدية كخطوة أولى للتَّخلص من أثاره السلبيَّة على البيئة، واكتشاف الإمكانات التي يمكن للمواد البديلة توفيرها لنا، على أمل أن تعطي دفعة جديدة للإبداع في عالم التصميم والعمارة.

المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا