الفنون البصرية > زيارة إلى متحف الفن

زيارة إلى المتحف الوطنيّ في لندن، لوحة عذراء الورود الزهرية

استمع على ساوندكلاود 🎧

اللوحة التي كانت منسيّةً تماماً إلى أن أُعيد اكتشافها في بدايات التسعينات

الرسّام: رافاييل (1483-1520)

لوحةُ عذراءِ الورودِ الزهرية (عذراء فولينيو) المرسومة ما بين 1506-1507 بالألوان الزيتية على خشب الطقسوس بأبعاد تبلغ 27.9*22.4 سم.

بقيت لوحةُ عذراءِ الورودِ الزهرية Madonna of the Pinks معروفةً كعملٍ أصليٍّ حتى منتصفِ القرنِ التاسعِ عشر. إلّا أنّ مكانتها في النصف الثاني من ذلك القرن قد تبدّلت فأصبحت تعتبرُ نسخةً عن اللوحةِ الأصلية، ذلك إلى أن وُضعت تحت فحصٍ عيانيّ دقيقٍ كشف عن عدّة تعديلاتٍ خفيّةٍ كان قد قام بها الرسامُ داخلَ اللوحة. كشفَ جهازُ فحصِ الأشعةِ تحت الحمراء (الريفليكتوغرام) عن خصائص لرسمٍ تحتيّ يبينُ الخطوطَ العريضةَ للرسم و التي حدّدها الفنانُ كأساسٍ لرسمه. كما أظهرت الإضاءةُ الجيدةُ الجودةَ العاليةَ للرسم. و أكّدت بعدَ ذلكَ الفحوصُ المتتاليةُ أن اللوحةَ ليست إلا عملٍ أصليٍ للفنان رافاييل.

لطالما كانت لوحةُ رافاييل "عذراء الورود الزهرية" مشهورةً كلوحةٍ أصليةٍ إذا ما قورنت باللوحات غير الأصليةِ العديدةِ التي انتشرت في القرنين السادس عشر و السابع عشر. ففي بدايات القرن التاسع عشر اعتُبرت هذه اللوحة كواحدةٍ من أهم اللوحات المعروضةِ في مجموعة كاموتشيني Camuccini في روما.

استمرت هذه اللوحةُ بنيل التقديرِ الجيّدِ من قِبَل ألغيرنون Algernon الدوق الرابع لنورثامبورلاند Northumberland في عام 1853 إلى جانب اللوحات الأخرى المعروضة في مجموعة كاموتشيني، حيث أعطى الدوقُ للوحةِ "عذراء الورود الزهرية" إطاراً ذا قيمةٍ عاليةٍ من تصاميم عصر النهضة للفنان جيوفاني مونتيرولي Giovanni Montiroli . إلا أن شهرةَ اللوحة تناقصت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر و خصوصاً بعد عام 1860 عندما تسبب جوان دافيد باسافمنت Johann David Passavant ، تلميذُ مدرسة رافاييل الفنية، بالإنقاص من قيمة اللوحة باعتباره إياها كنسخة.

إعادةُ اكتشافِ رائعة رافاييل:

لم تلقَ اللوحةُ خلال معظم القرن العشرين أيَّ تقديرٍ إذ كانت معروضةً في إحدى أروقةِ قصرِ ألنويك Alnwick Castle الذي يقطنه دوق نورثامبرلاند. وعند زيارته للقصر في عام 1991 صُعقَ القيّمُ على المعرض في القصر نيكولاس بيني Nicholas Penny عندما اكتشف تعديلاً في اللوحةِ حيث يتداخلُ المنظر الطبيعي بالبرج في خلفية اللوحة. ومن المعروف أنه قلما يوجد مثل هذا التعديل في نسخة، ما أدى لإحضار اللوحة إلى لندن لتوضع تحت الفحص الدقيق، وبعد وضعها تحت الإضاءة المثلى في استديو الفحص وبمساعدة جهاز الريفليكتوغرام ظهرت الجودة الاستثنائية للوحة.

الصورة الموضحة هنا هي لأخر فحص بجهاز الريفليكتوغرام في عام 2009 والتي تظهر الرسم التحتي للوحة بشكل أوضح. (في عام 1992 نُشرت فقط تفاصيل رسم فسيفسائي مرسوم يدوياً للوحة):

أصبحَ للوحةِ بعد ذلك فرصةً كبيرةً لأن تعتبر فعلأ من أعمال الرسام رافاييل إذ أظهر الرسمُ التحتيُ بعد الفحص في الريفليكتوغرام شبهاً كبيراً لأعماله الرسومية، إضافة إلى الشبه الواضح بينها وبين الرسومات التحتية لأعماله الفلورنسية كلوحة "عذراء كوبر الصغير" Small Cowper Madonna المعروضة في المتحف الوطني في واشنطن. و أُطلق على هذه اللوحة المرسومة على خشب عتيق أسم لوحة رافاييل "المفقودة" و ذلك في مقال نشرته مجلة بيرلينغتون The Burlington Magazine في عام 1992. وافق بعد ذلك معظم الرسامين على اعتبار اللوحة كواحدةٍ من أعمال رفاييل.

في عام 2002 أعلن الدوق عن رغبته في بيع اللوحة وما كان من المتحف الوطني إلا أن قام بحملةٍ للحصول عليها. وعندما ازداد الاهتمام الإعلامي بشأن اللوحة حاول البعض الإنقاصَ من قيمتها من خلال إنكار كونها رسمٌ أصليٌ لرفاييل، مما دفع الأقسام العلمية وأقسام فحص اللوحات لإجراء المزيد من الفحوص الدقيقة للوصول بشكل أكثر تأكيداً إلى حقيقة كونها رسم أصلي لرافاييل.

لم يتمكن المتحفُ الوطنيُ من أخذ عيناتٍ لونيّةٍ من اللوحة إذ أن اللوحةَ ليست من ممتلكاته. و لكن ولحسن الحظ فإن حجم اللوح الخشبي الذي رُسمت عليه اللوحة صغيرٌ بما فيه الكفاية للاكتفاء بفحصها بالمجهر والذي أظهر بعض التفاصيل اللونيةِ المشابهة بشكلٍ كبيرٍ لتلك الموجودةِ في أعمال رافاييل المشهورة. فعلى سبيل المثال يمكن رؤية لونٍ أحمرٍ مختلطٍ باللون الأزرق اللازوردي الطبيعي واللون الأبيض وبعض من اللون الأسود في الظلال وذلك في قميص العذراء ذو اللون البنفسجي الرمادي. ويمكن رؤية مثل هذا الدمج في الألوان بشكل متكرر في أعمال رافاييل الأولى.

الصورة المجهرية للحافة العلوية اليسرى مظهرةً الرسم التحتي المرسوم فوق الأرضية اللونية إضافةً إلى اللون البنفسجي الأصلي للستارة قبل أن يُبدل باللون الأخضر:

الصورة المجهرية لكمّ قميص العذراء مظهرةً بودرة البزموث المعدنية المُستخدمة:

وقد تم الكشف عن لونٍ رماديٍ غامق غير اعتياديٍ على كمّ العذراء في اللوحة على أنه بودرة معدنية استُخدمت ذاتها في لوحتي "عذراء أنسيتي" The Ansidei Madonna ولوحة "الموكب إلى الجمجمة" The Procession to Calvary المعروضتين أيضاً في المتحف الوطني. كما أن الستارة الخضراء في لوحة "عذراء الورود الزهرية" كانت قد رُسمت بدايةً باللون البنفسجي وهو تعديلٌ لم يكن ليحدث في نسخةٍ غير أصلية.

منذ فحصها في عام 2004 تم أخذُ عينات من أطرافِ اللوحةِ المخفيّة تحت الإطار. وقد أثبتت هذه العيناتُ وجودَ لونِ قصدير الرصاصِ الأصفر، كما كشفت عن وجودِ مثبّتٍ لونيٍ هو زيتُ الجوز الذي كان قد استُخدم لتسريع جفاف ألوان اللوحة. أظهرت أيضاً العينات المفحوصة أن الرسام كان قد شكل رسماً هيكلياً تحتيّاً بالقصدير والرصاص مثلَ المرسومِ في لوحة "عذراء غارفاغ" The Garvagh Madonna المعروضةِ أيضاً في المعرضِ الوطني. و تبيّن أن الأرضيةَ اللونيةَ الأساسيةَ هي مزيجٌ من الرصاصِ الأبيض والقليل من القصدير الرصاصي الأصفر وبودرة الزجاجِ المحتويةِ على المنغنيز وهو مزيجٌ موجودٌ في جميعِ أعمالِ رافاييل الأولى. وقد تمَّ مؤخراً فحصُ اللوحِ الخشبيِّ الذي رُسمت عليه اللوحةُ ليتبيّنَ أنهُ من خشبِ الطقسوس.

المصدر:

هنا