التاريخ وعلم الآثار > حضارة اسلامية

الخوارزمي

مكتشف قيمة الصّفر ومبتكر مفهوم اللّوغارتميات وصاحب أوّل خريطة جغرافيا صحيحةٍ في زمانه ومن قال عنه المؤرّخ جورج سارتون في كتابه مقدمة في تاريخ العلوم: "إنّ الخوارزميَّ كان أحدَ أعظمِ رياضيّي ذلكَ العصرِ وإذا أَخَذنَا جميعَ الحالاتِ بعينِ الاعتبارِ فإنّ الخوارزميَّ أحدُ أعظمِ الرياضيّينَ في كلِّ العصورِ".

فلندعه يحدثنا عن نفسه...

أسعد الله أيامكم أبنائيَ الباحثين ومدَّكم بنورِ العلمِ والمعرفة

اسمي أبو عبد الله محمد بن حسن الخوارزميّ، شَهَدتُ النّورَ في مدينةِ خوارزم من إقليمِ خرسان "أوزباكستان حالياً" في القرن الثالث الهجريِّ ورجَّح المؤرِّخونَ أن تكون ولادَتِي ما بينَ عامَي 160-165 هجريّة، وبعدَ ولادتي بفترةٍ قصيرةٍ انتَقَلتُ وعائلَتِي إلى بغدادَ في العراق وهناكَ تلقَّيتُ علومِيَ في بيتِ الحكمة.

فِي بَادئِ الأمرِ كنت أكتب المسائلَ الحسابيَّةَ وأحلُم بالأرقامِ وأُحوِّل كلَّ حركةٍ من حركاتِ الأيام إلى رقمٍ، وبعدَ أن أتمَمتُ تعليميَ عُيِّنتُ من قِبَلِ الخليفةِ المأمون كعالم في مكتبة بيت الحكمة الَّتي كانت تجمع الاختصاصيِّين في مختلِف العلومِ ومن مختلف الأديانِ والأعراقِ بغيّة تحقيقِ التَّقدٌّمِ العِلمِيِّ للإنسانيّةِ وكم كانت فرحتي في ذلك اليوم عظيمةً ففي نفس ذلك اليوم رُزِقت بولدي جعفر فكأنني في عيد.

تعددت جوانب نبوغي ومؤلفاتي في علوم الرياضيات والفلك والجغرافيا. وتعد ابتكاراتي في الرّياضيَّاتِ من الأهمية بمكان فلقد عملت جاهداً على جمع ما تفرق من معارف الجبرِ الهِندِيَّة واليونانيَّة ليشهد العالم ميلادَ علمٍ جديد أَسمَيتُهُ الجبرَ والمقابَلَةَ وقصدت بالجبرِ نقلَ الحدود من أحد طرفَيّ المعادلةِ إلى الطّرفِ الآخر وقصدت بالمقابلةِ مايمكن اختصاره من عملية الجبر ثم إيجادُ نتيجةِ المعادلة.

كما فصلت بين علم الجبر وعلم الحساب ووظفتهما في خدمة علم المواريث فكان كتابي الجبر والمقابلة عملاً يستفاد به في الحياة العملية في مجالات عديدة كالتجارة والميراث ومسح الأراضي.

كما ترجمت كتاب الحساب الهندي الذي حظي باهتمام مترجمي عصر النهضة الأوروبيّة الحديثة والذي دونت فيه العديد من ابتكارتي في الرياضيات كفن العدد كما حولت الصفر من مفهوم اللاقيمة إلى منزلة القيمة فحقّقت منزلة العشرات والمئات والألوف والملايين أو ما يعرف بنظام الترقيم العشري.

وانطلاقا من حبي لنشر العلم والمعرفة وحبي للرياضيات فقد وضعت طرقا علمية لتعليم المبتدئين عمليات الطرح والجمع والقسمة والضرب وأسست الجذر التربيعي.

أما في الفلك فلم تكن إنجازاتي أقل أهميةٍ عن نظيرتها في الرياضيات فكانت ترجمتي لكتاب السند هند الذي يعتبر موسوعة فلكية هندية وحرصت خلال ترجمتي على الصياغة السلسلة السهلة التي تضمن للقارئ سهولة الفهم. كما ألفت كتابا اسميته بالزيج، ولمن لا يعلم منكم فالزيج عبارة عن جداول فلكية ترصد حركات الكواكب ومواقعها وتتبع ما يطرأ عليها من تغيير عبر الزمن. ونظرا لأهمية هذا الكتاب فقد تمت ترجمته عقب النهضة الأوروبية الحديثة ومن خلالها تعرف الغرب على الأرقام العربية التي انتشرت الآن ليس في أوروبا وحسب بل في العالم. كما ألفت كتاباً آخرَ عن الاسطرلاب، والاسطرلاب جهاز يستخدم في قياس الارتفاعات والمسافات وأبعاد النجوم.

في علم الجغرافيا ورسم الخرائط صححت أبحاث العالم الإغريقي بطليموس معتمدا على أبحاثي الخاصة كما أشرفت على عمل مجموعة من الجغرافيين بإنجاز أول خريطة صحيحة للعالم المعروف في عصري، كما وضعت كتاب الربع المعمور أو صورة الأرض الذي قال فيه المستشرق الإيطالي كارلو ألفونسو نَلِّينُو "إن مثل هذا الكتاب لا تقوى على وضعه أمة أوروبية في فجر نهضتها العلمية" ووضعت كتاب أسميته المعرفة وهو كتاب فلكي يبحث في علم النجوم، وكتبت عن الساعة الشمسية.

وكما كان الحال في ميلادي فإن تاريخ وفاتي بقي مجهولا إلا أن ما تركته ورائي من علوم ومعارف كان شاهدا على ما قدمته للعالم.

أنا الخوارزمي علومي صرح شامخ تتناقله الأجيال في كل زمان مكان ... فماذا عنك؟