الاقتصاد والعلوم الإدارية > موارد بشريّة

الإبداع في عناوين الوظائف يمكن أن يزيد من طاقة الموظفين

استمع على ساوندكلاود 🎧

العناوين الوظيفية عادةً لا تثير الكثير من الانتباه، سواء كانت هذه العناوين مطبوعة على بطاقات العمل، مصممة على صفحات موقع LinkedIn، أو مستخدمة للتعريف عن النفس بصورة رسمية. بيد أن بعض المنظمات، يعتبرونها فرصة للإبداع فمثلا Disney، التي تلقب عمال حديقتها بـ “Cast members” أو باللغة العربية "أعضاء فريق العمل" ومهندسيها وخبراء الوسائط المتعددة”Imagineers” أما سلسلة مطاعم Subway فتلقب بعض موظفيها ب "فنانين الساندويتش". وفي بعض الشركات، يُلقب موظفي الاستقبال بـ "مديري الانطباعات الأولى" وموظفي العلاقات العامة بـ "مبشري العلامة التجارية".

لعله من السهل وصف هذه العملية بالسخيفة، ولكن على مدى العقد الماضي يرى دان كيبل البروفيسور في كيلة لندن لادارة الأعمال أن هذه العملية تحسن من تصرف العمال وتدفع بعملية التوظيف الى الأمام. فهو يقول أن وجهة النظر التقليدية من تسمية الوظائف تُعنى بتوحيد وتحديد المعايير، واضاف "لكن أسماء الوظائف غالبا ما ترسل إشارات خاطئة وتفشل في استقطاب أفضل المتقدمين للعمل، لذلك يتعين على الشركات أن تدرك أنهم رموز في تمثيل هويتنا وما يمكننا القيام به، وما يمكن للآخرين أن يتوقعوا منا".

عام 2014 نشر كيبل واثنين من زملائه دراسة عن العناوين الوظيفية أو "الألقاب الوظيفية" التي "تعكس الذات"، منذ ذلك الحين توسع كيبل في هذا المجال و أجرى بحث بالتعاون مع مؤسسة “Make A Wish” لمعرفة ما اذا كانت للألقاب الأكثر متعة للموظفن أثر نفسي فعلي عليهم. فقد شرح الموظفون كيف كان للمسميات الوظيفية الجديدة دور في جعل عملهم يحمل معناً انسانياً في مساعدة الناس والتأقلم مع التحديات العاطفية في خدمة العائلات التي لديها أطفال مريضة أو على وشك الموت. لقد خلص البحث أن هذه المبادرة قللت نسبة التوتر لأنها ساعدت الموظفين على الشعور بهدف عملهم وبالجوانب الانسانية المحيطة به.

لمعرفة ما اذا كانت هذه الديناميكية يمكن ان تصمد أمام تجربة كاملة، عمل الباحثون مع واحدة من سلسلة مستشفيات ضمن فريق واحد، شرح الباحثون الأثر الإيجابي على حياة الناس في مؤسسة "Make A Wish" ثم طلبوا منهم أن يختاروا ألقاباً لأنفسهم. فمثلا خبير الأمراض المعدية أصبح لقبه الجديد "قاتل الجرثومة" و الممرضة التي كانت تعطي الكثير من التطعيمات أصبح لقبها "الجرعة السريعة" و خبير تقنية الأشعة أصبح لقبه "الباحث عن العظام". اختبر الباحثون هؤلاء العاملين وأعضاءاً من مجموعتين مرجعيتين ممن لم يتم تغيير ألقابهم لمقارنة سلوكهم قبل تغيير الألقاب مع سلوكهم بعد تغييرها بخمسة أسابيع، فوجدوا انخفاضا ملحوظا في نسبة الإجهاد العاطفي لمن تم تغيير ألقابهم، كما أنهم شعروا بأهميتهم ومكانتهم في عملهم، إضافة إلى شعورهم بطمأنينة أكبر مما جعل عملية تبادل المعلومات أسهل. وخلص الباحثون الى أنه عوضا عن النظر إلى الألقاب على أنها مصادر وانعكاسات شكلية أو انها آليات تمثل كيفية العمل البيروقراطي، فإن هذا البحث ينظر لهذه الألقاب على أنها محركات للطاقة، الإبداع والتأقلم.

استمر كيبل في البحث عن إمكانية استفادة الشركات من تغيير الألقاب، فقام باختبار أسلوب جديد على مصنع من كبار مصانع الجعة في أوربا. فعوضا عن جعل كل موظف يأخذ لقباً مميزاً لنفسه، طلب من الموظفين الذين يتشاركوا في تنفيذ نفس الوظيفة أن يتفقوا على لقبٍ واحدٍ مشترك. في اختبار أُجري عليهم بعد ثلاثة أشهر، أظهر أن هؤلاء الموظفين كانوا أكثر رضاً عن عملهم بنسبة ١٦٪‏ و أكثر اندماجاً مع شركتهم مقارنة مع الموظفين الآخرين بنسبة ١١٪‏.

منذ ذلك الحين، أنشأ كيبل منهجية للشركات التي تتطلع لبدء مبادرة "تغيير الألقاب". في الخطوة الأولى، على الموظفين أن يدركوا الهدف من وراء وظيفتهم (من هم الذين يخدمونهم، من هو المتأثر بجودة عملهم، وما هي القيمة الناتجة عن عملهم) وأيضا هنالك الأسئلة المتعلقة (بجوانب العمل التي يمكن للموظفين ان يؤدوها بشكل جيد أو بشكل مختلف عن بقية الموظفين أو المنافسين). في الخطوة الثانية، يقوم الموظفون بطرح كمية كبيرة من الألقاب، ثم اختيار الأنسب منها ربما بالأخذ برأي مديريهم أو بمشورة موظفين آخرين. القيمة من وراء هذا الإجراء ليست باختيار ألقاب جديدة، وإنما الكثير منها ينطوي تحت العملية المؤدية لذلك كما يقول كيبل، فالموظفين عليهم أن يسألوا أنفسهم ما هو الهدف من عملهم؟ و ما هو الرابط المميز بهذا العمل؟ "يعتقد كيبل أن أغلب الموظفين قد علموا إجابات هذه الأسئلة في مرحلة من المراحل ولكنهم نسوها في خضم الأعمال اليومية المتتالية".

من الممكن أن يكون البعض غير متحمس للفكرة. فمثلاً بعض الشكوك كانت لدى Lasazlo Bock الموظف في شركة "Google" حول ما إذا كان عنوان الوظيفة لا يشير إلى مجال العمل (الموارد البشرية مثلاً) فمن الممكن أن يكون إيجاد عمل جديد صعباً اذا ما قرر ترك وظيفته الحالية. ولكنه يستطيع أن يرى الآن الفوائد ومنها أن اللقب أصبح يعطي انطباعاً أقل بالروتينية و أكثر بالاستراتيجية.

تغيير الألقاب لن يجدي في كل الشركات، فقد كانت هذه العملية موجودة أكثر في الشركات الحديثة التأسيس والشركات ذات الهيمنة الأكبر مثل Disney و Google. اقترح كيبل أن تقوم الشركات الكبيرة بتجريبها مع وحدات صغيرة لرصد رد فعل الموظفين. أما عن الذين يريدون اختبار "تغيير الألقاب" هنالك فائدة مهمة أخرى: على خلاف العديد من مبادرات الموارد البشرية، فتكلفة هذه المبادرة قد تكون قليلة جداً. يقول كيبل " إعادة تسمية عناوين الوظائف عندما تدور حول 'مغزى الوظيفة'، الجوانب الثقافية المميزة المحيطة بها، وصفات الموظفين الشخصية، يمكن أن يكون لها تأثير مهم على استجابة المتقدمين للوظيفة وعلى الذين يعملون في الوظيفة أيضاً".

المصادر :

هنا