الطبيعة والعلوم البيئية > عجائب الأحياء

كيف تخرق الحيوانات الأجسام؟

استمع على ساوندكلاود 🎧

يقوم عدد كبير من الحيوانات بعملية خرق أو وخز الأجسام الأخرى لتأمين استمرار حياتها، فالأفاعي تستخدم أنيابها أثناء توجيهها ضربات للفريسة لحقن السم فيها، كما تستعمل بعض أنواع الجمبري (مانتيس أو الروبيان السرعوف) mantis shrimp وهي مجموعة من القشريات البحرية، زوائدها السريعة جداً والتي تضخم طاقتها لتطعن أجساماً أخرى كالأسماك خارج عمود الماء وتسحبها إلى جحورها لتتغذى عليها، كما أن هناك قشرياتٍ بحريةً لاسعة مثل رجل الحرب البرتغالي Portuguese man-of-war تخرق أيضاً فرائسها وتبث السم فيها عن طريق كائنات مجهرية وحيدة الخلية توجد على مجساتها تدعى الأكياس الخيطية Nematocyst.

لطالما تبادر إلى أذهاننا سؤال محيّر: كيف تستخدم الحيوانات أنابيها ومخالبها ومجساتها لتخرق غيرها من الحيوانات؟

للتوصل إلى إجابة دقيقة عن هذا السؤال قام البروفسور فيليب أندرسون Philip Anderson المختص في بيولوجيا الحيوان في جامعة إلينوي مع مجموعة من زملائه بتوثيق استخدام آليات الخرق عالية السرعة والتي تستخدمها مجموعة كبيرة من الكائنات للاستيلاء على فريستها، بما فيها الفقاريات والمفصليات والرخويات واللاسعات، حيث تغطي الأمثلة المدروسة أربع شعب من الكائنات الحية وسبعة مراتب من الأحجام المختلفة، ويوفر التطابق بين أنظمة الخرق لهذه الكائنات فرصة لتوضيح كيفية تأدية الكائنات الحية المختلفة الأحجام والبنيات والأشكال والأداء الحركي لنفس الوظيفة الأساسية.

لأنه لا يوجد إطار جامع بين الأداء الحركي وآليات القطع في أنظمة الخرق البيولوجية، فإن الدراسة هدفت لوضع هذا الإطار من خلال دراسة أثر الحجم والسرعة عبر سلسلة من تجارب الخرق الباليستية التي يتم التحكم بها.

________

التجربة:

استخدم الباحثون في تجربتهم سهاماً متماثلة الشكل، لكن تختلف في كتلتها وسرعتها، ويتم إطلاقها من قوس باتجاه مكعبات متماثلة من الجيلاتين الباليستي والذي يستخدم عادة في الدراسات الباليستية (دراسة حركة القذائف) لمحاكاة كثافة الأنسجة البشرية، حيث تحدث هذه السهام ثقباً بعمق معين ضمن المكعب الكثيف. وتم تصوير هذه العملية باستخدام تقنية الفيديو عالي السرعة، ثم إبطاءُ العرض لحساب سرعة السهم المقذوف وقياس عمق نفاذه ضمن المكعب في كل مرة يتغير فيها وزن السهم أو سرعته.

كما قام الباحثون بدراسة العلاقة بين كل متغير من المتغيرات الحركية (الطاقة الحركية، والعزم، والسرعة) ومتغيرات الخرق الذي يحدثه السهم (عمق نفاذ السهم، وطول الشق عند نقطة الاختراق الأعظمي)، وذلك باستخدام الانحدار الخطي والنماذج الخطية المختلطة بهدف تحديد المتغير الحركي الأكثر تأثيراً على عملية الخرق.

النتيجة الأولى:

أظهرت النتائج أن سرعة السهم المقذوف تلعب دوراً هاماً في آلية استجابة الكعب الهدف لعملية الخرق والقطع، كما يلعب أيضاً شكل السهم، وكتلته، وبنية المادة الهدف دوراً في العملية.

عندما يتم إبطاء عملية الخرق إلى سرعة مفهومة يسهل إدراكها، تبدو هذه العملية معقدة جداً، ففي البداية على أحد الكائنين (وسنطلق عليه السهم) أن يصيب الهدف (وهو مكعب الجيلاتين) بطاقة كافية لبدء تشكيل شقٍّ في سطح الكائن الهدف. تسبب عملية الصدم هذه تشكل موجات إجهاد تنتقل عبر المادة الهدف بشكل يشبه كثيراً انتقال الأمواج الصوتية عبر الهواء، وتتفاعل هذه الأمواج مع حواف الهدف مشكلة تشوهاً.

بعد حصول الصدم الأولي، يجب على السهم أن يفتح مساحة جديدة ضمن الهدف، محطماً الروابط الجزيئية molecular bonds ومتغلباً على قوى الاحتكاك وذلك ليتمكن من النفاذ بشكل أعمق ضمن الهدف. تقوم المادة الهدف بمراكمة الطاقة المرنة تزامناً مع زيادة تشوهها، وعند نقطة معينة تسبب الطاقة المرنة في جعل المادة الهدف تدفع السهم نحو الخلف، فإذا كانت الطاقة المرنة كبيرة بشكل كافٍ، يمكنها حينئذ إخراج السهم، علماً ان رد الفعل هذا حصل في حوالي نصف تجارب القوس.

بالعودة للكائنات الحية المدروسة، سنجد أن سرعة الخرق تختلف بشكل كبير، فضربة الأفاعي تحدث بسرعة تقارب 3 أمتار في الثانية، أما طعنة السرعوف الروبيان فتحدث بسرعة تقارب 7 أمتار في الثانية، ولدى بعض أنواع نمل فخ الفك trap-jaw ants قدرة على خرق فريستها أو أعداءها عبر إطباق فكيها بسرعة تصل إلى 60 متراً في الثانية (2160 كيلومتراً/ساعة).

___

صورة: تظهر رد فعل المادة الهدف (مكعب الجيلاتين) على عملية الخرق بدءاً من الصدم الأولي وبداية تشكل الشق وموجات الإجهاد ثم تراكم الطاقة المرنة ودفع السهم لخارج مكعب الجيلاتين

النتيجة الثانية:

استخدم الباحثون الانحدار الخطي لحساب معاملات الارتباط بين كل متغير من المتغيرات الحركية ومتغيرات الخرق، كما استخدموا النماذج الخطية المختلطة لتحديد أهمية هذه الارتباطات، وبالنتيجة توصلوا إلى أن الطاقة الحركية للسهم المقذوف هي أفضل مؤشر لقدرته على اختراق الجسم الهدف، مقارنة بالعزم والسرعة.

وبما أن الطاقة الحركية تساوي تصف كتلة الكائن مضروبة بمربع السرعة، لذلك فإن كلاً من كتلة الجسم وسرعته تلعبان الدور الحاسم في تحديد الطاقة الحركية للسهم. ولأن السرعة مربعة (أي أنها مضروبة بنفسها) فإن أي زيادة معينة في سرعة الجسم ستضخم من طاقته الحركية بشكل أكبر بكثير فيما لو كانت هذه الزيادة في الكتلة.

وهذا يعني أن هناك طريقة واحدة محتملة بالنسبة للحيوانات الصغيرة الحجم من أجل خرق الأجسام والمواد الكثيفة والحصول عليها حتى لو كانت كتلتها صغيرة، وهي زيادة سرعتها، وهذا ما نلاحظه في الحيوانات الأصغر حجماً والتي تميل لتكون أسرع.

تعد هذه الدراسة التي نشرت في دورية Royal Society الخطوة الأولى لفهم آلية استعمال الحيوانات لأسنانها ومخالبها ومجساتها والأدوات المختلفة لالتقاط طعامها أو الدفاع عن نفسها ضد الأعداء أو المنافسين أو المفترسين، وتشكل نتائجها أساساً لدراسة تأثيرات الصدم على عملية الخرق البيولوجية، فاتحة الباب على عمل مستقبلي ضروريّ لفحص تأثير شكل وتنظيم المادة على ديناميكية القطع عالي السرعة.

المصادر:

هنا

هنا