الهندسة والآليات > الطاقة

طاقةُ الرياحِ وثمنُ استغلالِها

استمع على ساوندكلاود 🎧

سمعنا كلنا عَنْ عمليةِ استغلال طاقة الرياح؛ للحصول على طاقةٍ تبدو نظيفة ومتجددة، وتَعِدْ بإيفاء الطلب المتزايد على الكهرباء، لكنْ خَلْفَ هذه العنفات الهوائية الواثقة، هناك ثمنٌ يجب أن تدفعه الأرض. هل نحن واثقون من نظافة طاقة الرياح؟ وهل تعتبر الحل المثالي للحفاظ على أرضنا؟

تَمُرُّ عملية تركيب عنفات الرياح وإعدادها بشكل نهائي للعمل بعدة مراحل منذ تلك اللحظة التي تـأتي على شكل أطنانٍ من المواد الخام، حتى تشرع في العمل و كلها تستلزم استخدام كمية مهولة من مواد ليست بالصديقة للبيئة. تابعوا معنا هذا المقال لنتكلم أكثر عن المواد المستعملة في صناعة عنفات الرياح:

هناكَ شاحنات تنقل المواد الخام اللازمة إلى موقع العمل، ومعدات تحريك التربة التي تستخدم لعمليات حفر الأساسات، وتساهم الرافعات العملاقة في تركيب هيكل العنفة وقطارات وسفن الشحن التي تنقل المواد اللازمة لإنتاج الإسمنت والصُلب والبلاستيك المستخدمين لصناعة هياكل العنفات، وكل هذه المعدات تستهلك وقودا ً أحفوريا ً يتم استخراجه من المواد الأحفورية كالفحم الحجري والفحم الأسود والغاز الطبيعي ومن البترول.

تحتاج العنفة التي تُنْتِج 5 ميجا واط من القدرة الكهربائية إلى 150 طن من الحديد الصلب من أجل قواعد الإسمنت المُسَّلح، و250 طن من أجل تصنيع هيكل علبة التروس و المولدات، و500 طن من أجل تصنيع الأبراج شاهقة الإرتفاع.

وبافتراض أنّ القدرة الكهربائية المولدة باستغلال طاقة الرياح بحلول العام 2030 ستكون كافية لإيفاء 25% من الطلب العالمي، والذي يُقَدّر ب 30 بيتا واط ساعي (1)، فإن إنتاج 2.5 تيرا واط (2) سيقودنا إلى استخدام 450 مليون طن من الحديد الصلب، دون الأخذ بالاعتبار المعادن الأخرى المستخدمة للأبراج والأسلاك والتوصيلات الجديدة لنقل الجهد العالي والمحولات التي سيتم توصيلها إلى الشبكة.

إذن فإن تصنيع عنفة هوائية يتطلب الكثير و الكثير من الحديد و المعادن، أين المشكلة في ذلك؟

تَكمن المشكلة في كمية الوقود الأُحفوري الهائل اللازم لتصنيع الحديد الصلب. فعملية تصنيع الحديد الصلب التقليدية يتم فيها صهر كريات الحديد الخام في أفران الصهر، ثم تضاف إليها دفعات من فحم الكوك ومسحوق الفحم الحجري والغاز الطبيعي قبل أن يصبح لدينا سبائك مبدئية من الحديد (Pig Iron)،رويتم إزالة الكربون منها في أفران الأكسجين الأساسية التي تنتج لنا الحديد الصلب المنصهر والذي يدخل بدوره في عمليات السباكة والتشكيل مباشرة.

وعلى ضوء العملية السابقة فإن إنتاج طن واحد من الحديد لبناء العنفات يستهلك تقريبا 35 جيجا جول (3) من الطاقة الحرارية المتولدة من الوقود الأحفوري، ولإنتاج الحديد الصلب اللازم لتصنيع العنفات التي يمكن استخدامها عام 2030 فسنحتاج وقودًا أحفوريًا يعادل أكثر من 600 مليون طن من الفحم.

تمتلك العنفة الهوائية التقليدية ثلاث شفرات يصل طول كل منها على الأقل إلى 60 مترًا وتزن 15 طن، يتم تصنيعها من خشب البالسا الخفيف أو من مواد رغوية (foam cores)، والغطاء الخارجي من الراتنج المقوى بالألياف الزجاجية أو من البوليستر.

تُنْتَج الألياف الزجاجية عن طريق صهر ثاني أكسيد السيليكون مع مواد أخرى في أفران مُقادة بالغاز الطبيعي، أما الراتنجات فإن أصلها يعود للإيثيلين المستمد من المواد الهيدوكربونية الخفيفة عبرعمليات صناعية أشهرها (naphtha) وهي أحد منتجات تكرير النفط، ويتم استخراجها من الغاز البترولي المُسال (LPG) أو من الإيثان في الغاز الطبيعي.

و كما في حال الحديد الصلب، فإن إنتاج هذه المواد سيستهلك كَمَّا كبيرًا من الوقود الأحفوري.

فإن إنتاج طن واحد من سبيكة الراتنج المقوى بالألياف الزجاجية، يستهلك ما يقارب 170 جيجا جول من الطاقة الحرارية التي مصدرها الوقود الأحفوري حصرًا. أما الراتنجات التي يتم تغطية الهيكل كاملاً بها فما هي الا من منتجات النفط.

و على هذا الأساس يستلزم لتوليد 2.5 تيرا واط في العام 2030 عنفات مجموع كتلة شفراتها يعادل 23 مليون طن، مما يستهلك لتصنيعها ما يعادل 90 مليون طن من الوقود الأحفوري.

وأيضا يجب أن لا ننسى كمية مواد التشحيم والتزييت التي تستخدم للأجزاء الميكانيكية والتي يجب أن يتم تغييرها بشكل دوري، أثناء عُمْر العنفة الذي قد يصل لعقدين من الزمن، وبالطبع كل هذا يزيد من استهلاكنا للنفط.

مما لا شك فيه، أن العنفة الهوائية المصنوعة جيدًا والمتموضعة بشكل ملائم لإستغلال أكبر قدر ممكن من طاقة الرياح، ستُنْتِج طاقة تعادل ما تمّ استهلاكه في تصنيعها في أقل من عام، لكن ستكون الطاقة المنتجة في صورة طاقة كهربائية، بينما ستظل عمليات التصنيع و النقل والتثبيت والصيانة معتمدة بشكل أساسي على الوقود الأحفوري بأنواعه، يستخدم الفحم لصهر الحديد الخام، وفحم الكوك لتغذية أفران الإسمنت، والنفط والغاز الطبيعي لإنتاج البلاستيك والألياف الزجاجية ومواد التشحيم وأخيراً وليس آخراً وقود الديزل من أجل شاحنات وسفن النقل وآلات البناء وليس لدينا حتى الآن بديل لهذه المواد يمكن استخدامه على نطاق تجاري واسع.

لكن ما علينا فعله الآن كطلاب علم وباحثين أن نجد طرقاً لاستخدام الطاقات البديلة النظيفة في بناء محطاتنا المولدة للطاقة الكهربائية بالأصل، سواء كانت باستغلال الرياح أو طاقة الشمس وإلا سنبقى تحت رحمة الوقود الأحفوري لفترة طويلة من الزمن.

شرح المفردات:

(1) 1بيتا واط = 10^15 واط

(2)1 تيرا واط = 10^12 واط

(3)1جيجا جول = 10^6 جول

المصدر: هنا